الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولا تقبل شهادة الفاسق ; لأن الله تعالى أمر بالتوقف في خبر الفاسق بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ [ ص: 131 ] فتبينوا أن تصيبوا } والأمر بالتوقف يمنع العمل بالشهادة ، وهذا ; لأن رجحان جانب الصدق لا يظهر في شهادة الفاسق ; لأن اعتبار اعتقاده يدل على صدقه واعتبار تعاطيه يدل أنه كاذب في شهادته فلتعارض الأدلة يجب التوقف ، ثم لما لم ينزجر عن ارتكاب محظور دينه مع اعتقاده حرمته فالظاهر أنه لا ينزجر عن شهادة الزور مع اعتقاده حرمته وعن أبي يوسف رحمه الله يقول إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة تقبل شهادته ; لأنه لا تتمكن تهمة الكذب في شهادته فلوجاهته لا يتجاسر أحد من استئجاره لأداء الشهادة ولمروءته يمتنع من الكذب من غير منفعة له في ذلك .

والأصح أن شهادته لا تقبل ; لأن قبول الشهادة في العمل بها لإكرام الشهود كما قال صلى الله عليه وسلم { أكرموا الشهود فإن الله تعالى يحيي الحقوق بهم } ، وفي حق الفاسق أمر بخلاف ذلك قال صلى الله عليه وسلم إذا لقيت الفاسق فألقه بوجه مكفهر ومن يكون معلنا للفسق فلا مروءة له شرعا ; فلهذا لا تقبل شهادته ولا شهادة آكل الربا المشهور بذلك والمعروف به المقيم عليه فإنه فاسق محارب قال الله تعالى { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } ، ولكنه شرط أن يكون مشهورا به مقيما عليه ; لأن العقود الفاسدة كلها ربا قال الله تعالى { وأحل الله البيع وحرم الربا } والإنسان في العادة لا يمكنه أن يتحرز عن الأسباب المفسدة للعقد في جميع معاملاته فقد لا يهتدي إلى بعض ذلك ; فلهذا لا تسقط عدالته إذا لم يكن مشهورا بأكل الربا مصرا عليه ولا شهادة مدمن الخمر ولا مدمن السكر ; لأنه مرتكب للكبيرة مستوجب للحد على ذلك .

وذلك تسقط عدالته ، وإنما شرط الإدمان ليكون ذلك ظاهرا منه فإن من يتهم بالشرب ، ولكن لا يظهر ذلك لا يخرج من أن يكون عدلا ، وإنما تسقط عدالته إذا كان يظهر ذلك أو يخرج سكران يسخر منه الصبيان فلا مروءة لمثله ولا يبالي من الكذب عادة ولا شهادة المخنث ; لأنه فاسق ومراده إذا كان مخنثا في الردي من أفعاله . فأما إذا كان في كلامه لين ، وفي أعضائه تكسر ولم يشتهر بشيء من الأفعال الردية فهذا عدل مقبول الشهادة .

( ألا ترى ) أن { هبت المخنث كان يدخل بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم منه كلمة شنيعة أمر بإخراجه } ولا شهادة من يلعب بالحمام يطيرهن لشدة غفلته فالظاهر أن يكون قلبه مع ذلك في عامة أحواله ، وأنه يقل نظره في سائر الأمور ، ثم هو مصر على نوع لعب . وقال صلى الله عليه وسلم { ما أنا من در ولا الدر مني } والغالب أنه ينظر إلى العورات في السطوح وغيرها ، وذلك فسق . فأما إذا كان يمسك الحمام في بيته يستأنس بها ولا [ ص: 132 ] يطيرها عادة فهو عدل مقبول الشهادة ; لأن إمساك الحمام في البيوت مباح .

( ألا ترى ) أن الناس يتخذون بروج الحمامات ولم يمنع من ذلك أحد ولا شهادة صاحب الغناء الذي يخادن عليه ويجمعهم والنائحة ; لأنه مصر على نوع فسق ويستخف به عند الصلحاء من الناس ولا يمتنع من المحازقة والإقدام على الكذب عادة ; فلهذا لا تقبل شهادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية