وإذا خاف المضطر الموت من العطش ، فلا بأس بأن يشرب من الخمر ما يرد عطشه عندنا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا يحل
nindex.php?page=treesubj&link=17193شرب الخمر للعطش ; لأن الخمر لا ترد العطش بل تزيد في عطشه لما فيها من الحرارة ، ولكنا نقول : لا بأس بذلك لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119إلا ما اضطررتم إليه } الآية ، فإن كانت في الميتة ، ففيها بيان أن موضع الضرورة مستثنى من الحرمة الثابتة بالشرع وحرمة الخمر ثابتة بالشرع كحرمة الميتة ، ولحم الخنزير ، ولا بأس بالإصابة منها عند تحقق الضرورة بقدر ما يدفع الهلاك به عن نفسه ، وشرب الخمر يرد عطشه في الحال ; لأن في الخمر رطوبة ، وحرارة ، فالرطوبة التي فيها ترد عطشه في الحال ، ثم بالحرارة التي فيها يزداد العطش في الثاني ، وإلى أن يهيج ذلك به ربما يصل إلى الماء ، فعرفنا أنه يدفع الهلاك به عن نفسه ، ولا يحل له أن يشرب
[ ص: 29 ] منها إلى السكر ; لأن الثابت للضرورة يتقدر بقدر الضرورة ، فإن سكر نظرنا ، فإن لم يزد على ما يسكن عطشه ، فلا حد عليه ; لأن شرب هذا المقدار حلال ، وهو وإن سكر من شرب الحلال لا يلزمه الحد كما
nindex.php?page=treesubj&link=10091_17193_17189لو سكر من اللبن ، أو البنج ، وإن
nindex.php?page=treesubj&link=10075_17193استكثر منه بعد ما سكن عطشه حتى سكر ، فعليه الحد ; لأن بعد ما سكن عطشه ، وهو غير مضطر ، فالقليل ، والكثير منها سواء في حكمه ، فمقدار ما شرب بعد تسكين العطش حرام عليه ، وذلك يكفي في إيجاب الحد عليه .
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=17240النبيذ إذا شرب منه ، فوق ما يجزئه حتى سكر لما بينا أن السكر من النبيذ موجب للحد كشرب الخمر ، ولا ضرورة له في شرب القدح المسكر ، فعليه الحد لذلك ، وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=23992كان مع رقيق له ماء كثير ، فأبى أن يسقيه حل له أن يقاتله عليه بما دون السلاح ; لأن الماء محرز مملوك لصاحبه بمنزلة الطعام إلا أن الماء في الأصل كان مباحا مشتركا ، وذلك الأصل بقي معتبرا بعد الإحراز حتى لا يتعلق القطع بسرقته ، فلاعتبار إباحة الأصل قلنا يقاتله بما دون السلاح ، ولكونه مالا مملوكا له في الحال له أن يقاتله عليه بالسلاح لقوله عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36996من قتل دون ماله ، فهو شهيد } ، فكيف يقاتل بالسلاح من إذا قتله كان شهيدا ، وفي الماء المباح إذا منعه منه قاتله بالسلاح ، وقد بينا ذلك في كتاب الشرب ، فأما في الطعام ، فلا يحل له أن يقاتله ، ولكنه يغصبه إياه إن استطاع ، فيأكله ، ثم يعطيه ثمنه بعد ذلك ; لأنه ما كان للمضطر حق في هذا الطعام قط ، ولكن الطعام ملك لصاحبه ، فهو يمنع الغير من ملكه ، وذلك مطلق له شرعا ، فلا يجوز لأحد أن يقاتله على ذلك ، ولكن المضطر يخاف الهلاك على نفسه ، وذلك مبيح له التناول من طعام الغير بشرط الضمان ، وهو إنما يتأتى بفعل مقصور على الطعام غير متعد إلى صاحبه ، والمقصور على الطعام الأخذ ، فأما القتال ، فيكون مع صاحب الطعام لا مع الطعام ، فلهذا لا يقاتله بالسلاح ، ولا بغيره ، فإن كان الرقيق الذي معه الماء يخاف على نفسه الموت إن لم يحرز ماءه ، فإنه يأخذ منه بعضه ، ويترك بعضه ; لأن الشرع ينظر للكل ، وإنما يحل للمضطر شرعا دفع الهلاك عن نفسه بطريق لا يكون فيه هلاك غيره ، وفي أخذ جميع الماء منه هلاك صاحب الماء لقلته بحيث لا يدفع الهلاك إلا عن أحدهما ، فليس له أن يأخذه من صاحب الماء ; لأن حقه في ملكه مقدم على حق غيره .
وَإِذَا خَافَ الْمُضْطَرُّ الْمَوْتَ مِنْ الْعَطَشِ ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْرَبَ مِنْ الْخَمْرِ مَا يَرُدُّ عَطَشَهُ عِنْدَنَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ
nindex.php?page=treesubj&link=17193شُرْبُ الْخَمْرِ لِلْعَطَشِ ; لِأَنَّ الْخَمْرَ لَا تَرُدُّ الْعَطَشَ بَلْ تَزِيدُ فِي عَطَشِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحَرَارَةِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } الْآيَةَ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَيْتَةِ ، فَفِيهَا بَيَانٌ أَنَّ مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالشَّرْعِ وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِصَابَةِ مِنْهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ يَرُدُّ عَطَشَهُ فِي الْحَالِ ; لِأَنَّ فِي الْخَمْرِ رُطُوبَةً ، وَحَرَارَةً ، فَالرُّطُوبَةُ الَّتِي فِيهَا تَرُدُّ عَطَشَهُ فِي الْحَالِ ، ثُمَّ بِالْحَرَارَةِ الَّتِي فِيهَا يَزْدَادُ الْعَطَشُ فِي الثَّانِي ، وَإِلَى أَنْ يَهِيجَ ذَلِكَ بِهِ رُبَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَاءِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يَدْفَعُ الْهَلَاكَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ
[ ص: 29 ] مِنْهَا إلَى السُّكْرِ ; لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ، فَإِنْ سَكِرَ نَظَرْنَا ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا يُسَكِّنُ عَطَشَهُ ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ شُرْبَ هَذَا الْمِقْدَارِ حَلَالٌ ، وَهُوَ وَإِنْ سَكِرَ مِنْ شُرْبِ الْحَلَالِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ كَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=10091_17193_17189لَوْ سَكِرَ مِنْ اللَّبَنِ ، أَوْ الْبَنْجِ ، وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10075_17193اسْتَكْثَرَ مِنْهُ بَعْدَ مَا سَكَنَ عَطَشُهُ حَتَّى سَكِرَ ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ; لِأَنَّ بَعْدَ مَا سَكَنَ عَطَشُهُ ، وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ ، فَالْقَلِيلُ ، وَالْكَثِيرُ مِنْهَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِهِ ، فَمِقْدَارُ مَا شَرِبَ بَعْدَ تَسْكِينِ الْعَطَشِ حَرَامٌ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ يَكْفِي فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=17240النَّبِيذُ إذَا شَرِبَ مِنْهُ ، فَوْقَ مَا يُجْزِئُهُ حَتَّى سَكِرَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ السُّكْرَ مِنْ النَّبِيذِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ كَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَلَا ضَرُورَةَ لَهُ فِي شُرْبِ الْقَدَحِ الْمُسْكِرِ ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِذَلِكَ ، وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=23992كَانَ مَعَ رَقِيقٍ لَهُ مَاءٌ كَثِيرٌ ، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَيْهِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ ; لِأَنَّ الْمَاءَ مُحَرَّزٌ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ إلَّا أَنَّ الْمَاءَ فِي الْأَصْلِ كَانَ مُبَاحًا مُشْتَرَكًا ، وَذَلِكَ الْأَصْلُ بَقِيَ مُعْتَبَرًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ ، فَلِاعْتِبَارِ إبَاحَةِ الْأَصْلِ قُلْنَا يُقَاتِلُهُ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ ، وَلِكَوْنِهِ مَالًا مَمْلُوكًا لَهُ فِي الْحَالِ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَيْهِ بِالسِّلَاحِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36996مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ ، فَهُوَ شَهِيدٌ } ، فَكَيْفَ يُقَاتِلُ بِالسِّلَاحِ مَنْ إذَا قَتَلَهُ كَانَ شَهِيدًا ، وَفِي الْمَاءِ الْمُبَاحِ إذَا مَنَعَهُ مِنْهُ قَاتَلَهُ بِالسِّلَاحِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ ، فَأَمَّا فِي الطَّعَامِ ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ ، وَلَكِنَّهُ يَغْصِبُهُ إيَّاهُ إنْ اسْتَطَاعَ ، فَيَأْكُلُهُ ، ثُمَّ يُعْطِيهِ ثَمَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مَا كَانَ لِلْمُضْطَرِّ حَقٌّ فِي هَذَا الطَّعَامِ قَطُّ ، وَلَكِنَّ الطَّعَامَ مِلْكٌ لِصَاحِبِهِ ، فَهُوَ يَمْنَعُ الْغَيْرَ مِنْ مِلْكِهِ ، وَذَلِكَ مُطْلَقٌ لَهُ شَرْعًا ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْمُضْطَرَّ يَخَافُ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ مُبِيحٌ لَهُ التَّنَاوُلَ مِنْ طَعَامِ الْغَيْرِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِفِعْلٍ مَقْصُورٍ عَلَى الطَّعَامِ غَيْرِ مُتَعَدٍّ إلَى صَاحِبِهِ ، وَالْمَقْصُورُ عَلَى الطَّعَامِ الْأَخْذُ ، فَأَمَّا الْقِتَالُ ، فَيَكُونُ مَعَ صَاحِبِ الطَّعَامِ لَا مَعَ الطَّعَامِ ، فَلِهَذَا لَا يُقَاتِلُهُ بِالسِّلَاحِ ، وَلَا بِغَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ الَّذِي مَعَهُ الْمَاءُ يَخَاف عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ إنْ لَمْ يُحْرِزْ مَاءَهُ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ بَعْضَهُ ، وَيَتْرُكُ بَعْضَهُ ; لِأَنَّ الشَّرْعَ يَنْظُرُ لِلْكُلِّ ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ شَرْعًا دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقٍ لَا يَكُونُ فِيهِ هَلَاكُ غَيْرِهِ ، وَفِي أَخْذِ جَمِيعِ الْمَاءِ مِنْهُ هَلَاكُ صَاحِبِ الْمَاءِ لِقِلَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ إلَّا عَنْ أَحَدِهِمَا ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ فِي مِلْكِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ .