الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وأما في سائر الأنبذة ، ففي ظاهر الجواب لا بأس بالشرب منه مطبوخا كان ، أو غير مطبوخ ، وفي النوادر روى هشام عن محمد رحمهما الله أن شرب النيء منه بعد ما اشتد لا يحل لقوله عليه الصلاة والسلام : { الخمر من خمسة : من النخل ، والكرم ، والحنطة ، والشعير ، والذرة } ، وليس المراد به أنه خمر حقيقة ، وإنما المراد التشبيه بالخمر في أنه لا يحل شربه ، وقد ثبت بالدليل أن النيء من نقيع الزبيب ، والتمر إذا كان مشتدا لا يحل شربه ، فكذلك من سائر الأشربة ; لأن [ ص: 18 ] معنى الشدة يجمع الكل ، وجه ظاهر الرواية أن العسل ، والذرة ، والشعير حلال التناول متغيرا كان ، أو غير متغير ، فكذلك ما يتخذ منها من الأشربة ; لأن هذا في معنى الطعام ، والتغير في الطعام لا يؤثر في الحرمة ، فكذلك نفس الشدة لا توجب الحرمة ، فقد يوجد ذلك في بعض الأدوية كالبنج ، وفي بعض الأشربة كاللبن ، والحديث فيه شاذ والشاذ فيما تعم به البلوى لا يكون مقبولا ، وهو محمول على التحريم الذي كان قبل الرخصة لتحقق المبالغة في الزجر .

ولا حد على شارب ما يتخذ من العسل ، والحنطة ، والشعير ، والذرة ، وكذلك ما يتخذ من الفانيد ، والتوت ، والكمثرى ، وغير ذلك أسكر ، أو لم يسكر ; لأن النص ، ورد بالحد في الخمر ، وهذا ليس في معناه فلو أوجبنا فيه الحد كان بطريق القياس ثم الحد مشروع للزجر عن ارتكاب سببه ، ودعاء الطبع إلى هذه الأشربة لا يكون كدعاء الطبع إلى المتخذ من الزبيب ، والعنب ، والتمر ، فلا يشرع فيه الزجر أيضا ، وإن اشتد عصير العنب ، وغلا ، وقذف بالزبد ، ثم طبخ بعد ذلك لم يحل بالطبخ ; لأن الطبخ لاقى عينا حراما ، فلا يفيد الحل فيه كطبخ لحم الخنزير ، وهذا ; لأنه ليس للنار تأثير في الحل ، ولا في تغيير طبع الجوهر بخلاف العصير الحلو إذا طبخ ، فالطبخ هناك حصل في عين حلال ، وللطبخ تأثير في منع ثبوت صفة الحرمة فيه كما بينا أن الخمر هي التي من ماء العنب إذا اشتد ، فإذا طبخ العصير ، ثم اشتد ، فهو حين اشتد ما كان نيئا ، فلا يكون خمرا ، فأما الأول فحين اشتد كان نيئا ، وصار خمرا ، ثم الطبخ في الخمر لا يوجب تبديل عينه ، ولهذا يحد من شرب منه قليلا كان ، أو كثيرا .

ولا بأس بنبيذ الفضيخ يعني إذا صب عليه الماء ، ثم طبخ ، وترك حتى اشتد ، فهذا لا بأس به ; لأن الطبخ لاقى عينا حلالا ، ولأنه إن رق فرقته باعتبار ما فيه من أجزاء الماء ، والماء حلال الشرب وحده ، والفضيخ كذلك ، فكذلك بعد الجمع بينهما . قلت ، فهل يرخص في شيء من المطبوخ على النصف ، أو أقل من ذلك ، وهو حلو ، قال لا أرخص في شيء من ذلك إلا ما قد ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه قيل : هذا غلط ، والصحيح ، وهو غير حلو ، فالحلو حلال ، وإن كان نيئا كيف لا يحل بعد الطبخ ، وقيل : المراد به أنه طبخ ، وهو حلو لم يتغير حين ذهب منه النصف ، أو أقل ، ثم ترك حتى اشتد ، فهذا هو المنصف ، والقاذف ، وقد بينا الكلام فيهما في حكم الشراء ، والبيع . .

التالي السابق


الخدمات العلمية