ولو
nindex.php?page=treesubj&link=24924_24889أكرهوه على هبة جاريته لرجل ، ودفعها إليه ، فوهب ، ودفع ، فأعتقها الموهوب له جاز عتقه ، وغرم المعتق قيمتها ، أما قوله ، ولو دفعها إليه ، فهو فصل من الكلام ، فإن الإكراه على الهبة يكون إكراها على الدفع بخلاف الإكراه على البيع ، فإنه لا يكون إكراها
[ ص: 54 ] على التسليم ، والفرق أن المكره مضار متعنت ، والهبة لا توجب الملك بنفسها ما لم يتصل بها القبض ، فإذا كان الضرر الذي قصده المكره ، وهو إزالة ملكه لا يحصل إلا بالقبض تعدى الإكراه إليه ، وإن لم ينص عليه ، فأما البيع ، فموجب الملك بنفسه ، والإضرار به يتحقق متى صح ، فلا يتعدى الإكراه عن البيع إلى شيء آخر ، وإذا سلم بعد ذلك بغير أمره كان طائعا في التسليم .
يوضحه : أن القبض في باب البيع يوجب ملك التصرف ، وذلك حكم آخر غير ما هو الموجب الأصلي بالبيع ، وهو ملك الغير ، فلا يتعدى الإكراه إليه بدون التنصيص عليه ، وأما القبض في باب الهبة ، فيوجب الملك الذي هو حكم الهبة ، وهو ملك الغير ، فلهذا كان الإكراه على الهبة إكراها على التسليم ، ثم بسبب الإكراه تفسد الهبة ، ولكن الهبة الفاسدة توجب الملك بعد القبض كالهبة الصحيحة بناء على أصلنا أن فساد السبب لا يمنع وقوع الملك بالقبض ، فإذا أعتقها ، أو دبرها أواستولدها ، فقد لاقى هذه التصرفات منه ملك نفسه فكانت نافذة ، وعليه ضمان قيمتها ; لأن رد العين كان مستحقا عليه ، وقد تعذر بنفوذ تصرفه فيه ، فعليه قيمتها كالمشتراة شراء فاسدا ، وإذا شاء المكره في هذا كله رجع على الذين أكرهوه بقيمتها ; لأنهم أتلفوا عليه ملكه ، فإن الإكراه بوعيد متلف يجعل المكره ملجأ ، وذلك يوجب كون المكره آلة للمكره ، ونسبة الفعل إليه فيما يصلح أن يكون آلة ، وهو في التسليم ، والإتلاف الحاصل به يصلح أن يكون آلة للمكره ، فإذا صار الإتلاف منسوبا إلى المكره كان ضامنا للقيمة ، فإن ضمنهم القيمة رجعوا بها على الموهوب له ; لأنهم قاموا في الرجوع عليه مقام من صحبهم ، ولأنهم ملكوها بالصحبة ، ولو كانت قائمة من هذا الموهوب له كان لهم أن يأخذوها منه ، وإذا أتلفوها بالإعتاق كان لهم أن يضمنوه قيمتها .
فإن قيل : لماذا لا تنفذ الهبة من جهتهم ؟ قلنا : لأنهم ما وهبوها له ، وإنما قصدوا الإضرار بالمكره لا التبرع من جهتهم بخلاف
nindex.php?page=treesubj&link=7237الغاصب إذا وهب المغصوب ، ثم ضمن القيمة ، فإن هناك قصد تنفيذ الهبة من جهته ، فإذا ملكه بالضمان نفذت الهبة من جهته كما قصدها ، ولذلك لو
nindex.php?page=treesubj&link=4598أكرهوه على البيع ، والتسليم ، ففعل ، فأعتقه المشتري ، أو دبره ، أو كانت أمة ، فاستولدها نفذ ذلك كله عندنا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر لا ينفذ شيء من ذلك ، وأصل المسألة أن المشتري من المكره بالقبض يصير مالكا عندنا خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=15922لزفر رحمه الله ، وحجته في ذلك أن بيع المكره دون البيع بشرط الخيار للبائع ، فالبائع هناك راض بأصل السبب ، والبيع هناك يتم بموت البائع ، وهنا لا يتم ، ثم هناك المشتري لا يملكه بالقبض ، فهنا أولى إذ بيع المكره كبيع الهازل .
[ ص: 55 ] ولو تصادقا أنه كان البيع بينهما هزلا لم يملك المشتري المبيع بالقبض ، فكذلك إذا كان البائع مكرها ، وكلامه في الإكراه بالقتل ، أوضح ; لأن الفعل ينعدم في جانب المكره بالإلجاء ، فيصير كأن المكره باشر ذلك بنفسه ، فلا يملكه المشتري بالقبض ، وإن كان لو أجازه المالك طوعا صح : وحجتنا في ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=4598بيع المكره ، فاسد ، والمشتري بالقبض بحكم البيع الفاسد يصير مالكا ، وبيان الوصف أن ما هو ركن العقد لم ينعدم بالإكراه ، وهو الإيجاب ، والقبول في محله ، وإنما انعدم ما هو شرط الجواز ، وهو الرضى قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29 : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } ، وتأثير انعدام شرط الجواز في إفساد العقد كما هو في الربا ، فإن المساواة في أموال الربا شرط جواز العقد ، فإذا انعدمت المساواة كان العقد ، فاسدا ، وكان الملك ثابتا للمشتري بالقبض .
فهذا مثله بخلاف البيع بشرط الخيار ، فإن شرط الخيار يجعل العقد في حق حكمه كالمتعلق بالشرط ، والمتعلق بالشرط معدوم قبل الشرط ، وهذا ; لأن قوله على أنى بالخيار شرط ، ولكن لا يمكن إدخاله على أصل السبب ; لأن البيع لا يحتمل التعليق بالشرط ، فيكون داخلا على حكم السبب ; لأن الحكم يحتمل التأخر عن السبب ، وبهذا تبين أن البائع هناك غير راض بالسبب في الحال ; لأنه علقه بالشرط ، فلا يتم رضاه به قبل الشرط ، فكان أضعف من بيع المكره ; لأن المكره راض بالسبب لدفع الشر عن نفسه غير راض بحكم السبب ، والخيار الثابت للمكره من طريق الحكم ، فيكون نظير خيار الرؤية ، وخيار العيب ، وذلك لا يمنع انعقاد السبب في الحكم مقيدا لحكمه ، فكذلك بيع المكره ، وكذلك الهازل ، فإنه غير راض بأصل البيع ; لأن البيع اسم للجد الذي له في الشرع حكم .
والهزل ضد الجد ، فإذا تصادقا على أنهما لم يباشرا ما هو سبب الملك لا ينعقد البيع بينهما موجبا للملك ، وهنا المكره دعي إلى الجد ، وقد أجاب إلى ذلك ; لأنه لو أتى بغيره كان طائعا ، فكان بيع المكره أقوى من
nindex.php?page=treesubj&link=4484بيع الهازل من هذا الوجه ، وإنما ينعدم الفعل في جانب المكره إذا صار منسوبا إلى المكره ، وذلك يقتصر على ما يصلح أن يكون المكره فيه آلة للمكره ، وفي البيع لا يصلح أن يكون هو آلة للمكره ; لأن التكلم بلسان الغير لا يتحقق فيه المكره مباشرا للبيع فإن قيل : هو في التسليم يصلح أن يكون آلة للمكره ، فينتقل ذلك إلى المكره ، ويصير كأنه سلم بنفسه ، فلا يملكه المشتري قلت : هو في التسليم متمم للعقد ، فلا يصلح أن يكون آلة للمكره ، وإنما يصلح أن يكون آلة للمكره في تسليم ابتداء غصب .
وثبوت الملك في البيع الفاسد لا ينبني على ذلك ، وإنما ينبني على تسليم هو حكم العقد ، وذلك متصور على المكره
[ ص: 56 ] أيضا ; يوضحه : أنه لا تأثير للإكراه في تبديل محل الفعل ، ولو أخرجنا هذا التسليم من أن يكون متمما للعقد جعلناه غصبا ابتداء بنسبته إلى المكره ، فيتبدل بسبب الإكراه ذات الفعل ، وإذا كان لا يجوز أن يتبدل محل الفعل بسبب الإكراه ، فكيف يجوز أن تتبدل ذاته ، ومن أصحابنا رحمهم الله من علل لتنفيذ عتق المشتري من غير تعرض للملك ، فنقول : إيجاب البيع مطلقا تسليط للمشتري على العتق ، والإكراه لا يمنع صحة التسليط على العتق ، ونفوذ العتق بحكمه كما لا يمنع الإكراه صحة الإعتاق .
( ألا ترى ) أنه لو أكره على أن يوكل في عتق عبده ، ففعل ، وأعتقه الوكيل نفذ عتقه ، فهذا مثله ، وإذا ثبت نفوذ العتق ، والتدبير ، والاستيلاء ، فقد تعذر على المشتري رد عينها ، فيضمن قيمتها للبائع ، فإن شاء البائع ضمن الذين أكرهوه ; لأن العقد ، وما يتممه ، وإن لم يصر مضافا إليهم ، فالإتلاف الحاصل به يصير مضافا إليهم في حق البائع ; لأن المكره يصلح أن يكون آلة لهم في الإتلاف ، فكان له أن يضمنهم قيمتها ، ثم يرجعون بها على المشتري ; لأنهم قاموا مقام البائع ; أو لأنهم ملكوها بالضمان ، ولا يمكن تنفيذ البيع من جهتهم ، فيرجعون على المشتري بقيمتها ; لأنه أتلفها عليهم طوعا بالإعتاق ، ولو أن المشتري أتلفها ، والموهوب له لم يفعل بها ذلك ، ولكنه باعها ، أو وهبها ، وسلمها ، أو كاتبها كان لمولاها المكره أن ينقض جميع ذلك ; لأن هذه التصرفات تحتمل النقض ، فينقض لحق المكره بخلاف العتق .
( ألا ترى ) أن العتق لا ينتقض لحق المرتهن ، والبيع ، والهبة ، والكتابة تنتقض لحقه فإن قيل : فأين ذهب قولكم أن بيع المكره فاسد ، والمشترى شراء ، فاسدا لا ينقض منه هذه التصرفات بعد القبض لحق البائع قلنا ; لأن هناك البائع سلم المبيع راضيا به ، فيصير بالتسليم مسلطا للمشتري على هذه التصرفات ، وهنا المكره غير راض بالتسليم ، ولو رضي بالتسليم تم البيع ، فوازنه
nindex.php?page=treesubj&link=4598المشتري شراء ، فاسدا إذا أكره البائع على التسليم ، فسلمه مكرها ، وهذا ; لأن الفاسد معتبر بالصحيح ، وفي البيع الصحيح إذا قبضه المشتري بغير إذن البائع ، وتصرف فيه ينقض من تصرفاته ما يحتمل النقض لإبقاء حق البائع في الحبس دون ما لا يحتمل النقض .
وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=24924_24889أَكْرَهُوهُ عَلَى هِبَةِ جَارِيَتِهِ لِرَجُلٍ ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ ، فَوَهَبَ ، وَدَفَعَ ، فَأَعْتَقَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ جَازَ عِتْقُهُ ، وَغَرِمَ الْمُعْتِقُ قِيمَتَهَا ، أَمَّا قَوْلُهُ ، وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ ، فَهُوَ فَصْلٌ مِنْ الْكَلَامِ ، فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْهِبَةِ يَكُونُ إكْرَاهًا عَلَى الدَّفْعِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا
[ ص: 54 ] عَلَى التَّسْلِيمِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُكْرَهَ مُضَارٌّ مُتَعَنِّتٌ ، وَالْهِبَةُ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْقَبْضُ ، فَإِذَا كَانَ الضَّرَرُ الَّذِي قَصَدَهُ الْمُكْرَهُ ، وَهُوَ إزَالَةُ مِلْكِهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ تَعَدَّى الْإِكْرَاهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا الْبَيْعُ ، فَمُوجِبُ الْمِلْكِ بِنَفْسِهِ ، وَالْإِضْرَارُ بِهِ يَتَحَقَّقُ مَتَى صَحَّ ، فَلَا يَتَعَدَّى الْإِكْرَاهُ عَنْ الْبَيْعِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ ، وَإِذَا سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ طَائِعًا فِي التَّسْلِيمِ .
يُوَضِّحُهُ : أَنَّ الْقَبْضَ فِي بَابِ الْبَيْعِ يُوجِبُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ ، وَذَلِكَ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُ مَا هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ بِالْبَيْعِ ، وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ ، فَلَا يَتَعَدَّى الْإِكْرَاهُ إلَيْهِ بِدُونِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الْقَبْضُ فِي بَابِ الْهِبَةِ ، فَيُوجِبُ الْمِلْكَ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ ، وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ ، فَلِهَذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ ، ثُمَّ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ تَفْسُدُ الْهِبَةُ ، وَلَكِنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ تُوجِبُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ فَسَادَ السَّبَبِ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا ، أَوْ دَبَّرَهَا أَوَاسْتَوْلَدَهَا ، فَقَدْ لَاقَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْهُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَكَانَتْ نَافِذَةً ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهَا ; لِأَنَّ رَدَّ الْعَيْنِ كَانَ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ بِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا ، وَإِذَا شَاءَ الْمُكْرَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ رَجَعَ عَلَى الَّذِينَ أَكْرَهُوهُ بِقِيمَتِهَا ; لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا عَلَيْهِ مِلْكَهُ ، فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ بِوَعِيدٍ مُتْلِفٍ يَجْعَلُ الْمُكْرَهَ مُلْجَأً ، وَذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَ الْمُكْرَهِ آلَةً لِلْمُكْرِهِ ، وَنِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَيْهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً ، وَهُوَ فِي التَّسْلِيمِ ، وَالْإِتْلَافِ الْحَاصِلِ بِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ ، فَإِذَا صَارَ الْإِتْلَافُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ كَانَ ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ ، فَإِنْ ضَمَّنَهُمْ الْقِيمَةَ رَجَعُوا بِهَا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ; لِأَنَّهُمْ قَامُوا فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ مَقَامَ مَنْ صَحِبَهُمْ ، وَلِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالصُّحْبَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً مِنْ هَذَا الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا مِنْهُ ، وَإِذَا أَتْلَفُوهَا بِالْإِعْتَاقِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُضَمِّنُوهُ قِيمَتَهَا .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَاذَا لَا تَنْفُذُ الْهِبَةُ مِنْ جِهَتِهِمْ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّهُمْ مَا وَهَبُوهَا لَهُ ، وَإِنَّمَا قَصَدُوا الْإِضْرَارَ بِالْمُكْرَهِ لَا التَّبَرُّعَ مِنْ جِهَتِهِمْ بِخِلَافِ
nindex.php?page=treesubj&link=7237الْغَاصِبِ إذَا وَهَبَ الْمَغْصُوبَ ، ثُمَّ ضَمِنَ الْقِيمَةَ ، فَإِنَّ هُنَاكَ قَصْدُ تَنْفِيذِ الْهِبَةِ مِنْ جِهَتِهِ ، فَإِذَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ نَفَذَتْ الْهِبَةُ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا قَصَدَهَا ، وَلِذَلِكَ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=4598أَكْرَهُوهُ عَلَى الْبَيْعِ ، وَالتَّسْلِيمِ ، فَفَعَلَ ، فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ، أَوْ دَبَّرَهُ ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً ، فَاسْتَوْلَدَهَا نَفَذَ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَنَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُكْرَهِ بِالْقَبْضِ يَصِيرُ مَالِكًا عِنْدَنَا خِلَافًا
nindex.php?page=showalam&ids=15922لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ دُونَ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ ، فَالْبَائِعُ هُنَاكَ رَاضٍ بِأَصْلِ السَّبَبِ ، وَالْبَيْعُ هُنَاكَ يَتِمُّ بِمَوْتِ الْبَائِعِ ، وَهُنَا لَا يَتِمُّ ، ثُمَّ هُنَاكَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ ، فَهُنَا أَوْلَى إذْ بَيْعُ الْمُكْرَهِ كَبَيْعِ الْهَازِلِ .
[ ص: 55 ] وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّهُ كَانَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا هَزْلًا لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُكْرَهًا ، وَكَلَامُهُ فِي الْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ ، أَوْضَحُ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ يَنْعَدِمُ فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ بِالْإِلْجَاءِ ، فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ بَاشَرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ، فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ ، وَإِنْ كَانَ لَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ طَوْعًا صَحَّ : وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=4598بَيْعَ الْمُكْرَهِ ، فَاسِدٌ ، وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَصِيرُ مَالِكًا ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ مَا هُوَ رُكْنُ الْعَقْدِ لَمْ يَنْعَدِمْ بِالْإِكْرَاهِ ، وَهُوَ الْإِيجَابُ ، وَالْقَبُولُ فِي مَحَلِّهِ ، وَإِنَّمَا انْعَدَمَ مَا هُوَ شَرْطُ الْجَوَازِ ، وَهُوَ الرِّضَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29 : إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } ، وَتَأْثِيرُ انْعِدَامِ شَرْطِ الْجَوَازِ فِي إفْسَادِ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ فِي الرِّبَا ، فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ ، فَإِذَا انْعَدَمَتْ الْمُسَاوَاةُ كَانَ الْعَقْدُ ، فَاسِدًا ، وَكَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ .
فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ، فَإِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَجْعَلُ الْعَقْدَ فِي حَقِّ حُكْمِهِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ ، وَهَذَا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّى بِالْخِيَارِ شَرْطٌ ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهُ عَلَى أَصْلِ السَّبَبِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، فَيَكُونُ دَاخِلًا عَلَى حُكْمِ السَّبَبِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ يَحْتَمِلُ التَّأَخُّرَ عَنْ السَّبَبِ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِعَ هُنَاكَ غَيْرُ رَاضٍ بِالسَّبَبِ فِي الْحَالِ ; لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ ، فَلَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِهِ قَبْلَ الشَّرْطِ ، فَكَانَ أَضْعَفَ مِنْ بَيْعِ الْمُكْرَهِ ; لِأَنَّ الْمُكْرَهَ رَاضٍ بِالسَّبَبِ لِدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ السَّبَبِ ، وَالْخِيَارُ الثَّابِتُ لِلْمُكْرَهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، فَيَكُونُ نَظِيرَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَخِيَارِ الْعَيْبِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ السَّبَبِ فِي الْحُكْمِ مُقَيَّدًا لِحُكْمِهِ ، فَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ ، وَكَذَلِكَ الْهَازِلُ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِأَصْلِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ اسْمٌ لِلْجِدِّ الَّذِي لَهُ فِي الشَّرْعِ حُكْمٌ .
وَالْهَزْلُ ضِدُّ الْجِدِّ ، فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا مَا هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا مُوجِبًا لِلْمِلْكِ ، وَهُنَا الْمُكْرَهُ دُعِيَ إلَى الْجِدِّ ، وَقَدْ أَجَابَ إلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِغَيْرِهِ كَانَ طَائِعًا ، فَكَانَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ أَقْوَى مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4484بَيْعِ الْهَازِلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ الْفِعْلُ فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ إذَا صَارَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرَهِ ، وَذَلِكَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ فِيهِ آلَةً لِلْمُكْرَهِ ، وَفِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هُوَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ ; لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِلِسَانِ الْغَيْرِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمُكْرَهُ مُبَاشِرًا لِلْبَيْعِ فَإِنْ قِيلَ : هُوَ فِي التَّسْلِيمِ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ ، فَيَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى الْمُكْرَهِ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ سَلَّمَ بِنَفْسِهِ ، فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي قُلْت : هُوَ فِي التَّسْلِيمِ مُتَمِّمٌ لِلْعَقْدِ ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَلْمُكْرِه ، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَلْمُكْرِه فِي تَسْلِيمِ ابْتِدَاءِ غَصْبٍ .
وَثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى تَسْلِيمٍ هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ ، وَذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ عَلَى الْمُكْرَهِ
[ ص: 56 ] أَيْضًا ; يُوَضِّحُهُ : أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي تَبْدِيلِ مَحَلِّ الْفِعْلِ ، وَلَوْ أَخْرَجْنَا هَذَا التَّسْلِيمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمِّمًا لِلْعَقْدِ جَعَلْنَاهُ غَصْبًا ابْتِدَاءً بِنِسْبَتِهِ إلَى الْمُكْرَهِ ، فَيَتَبَدَّلُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ ذَاتُ الْفِعْلِ ، وَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَبَدَّلَ مَحَلُّ الْفِعْلِ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَتَبَدَّلَ ذَاتُهُ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ عَلَّلَ لِتَنْفِيذِ عِتْقِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمِلْكِ ، فَنَقُولُ : إيجَابُ الْبَيْعِ مُطْلَقًا تَسْلِيطٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ ، وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيطِ عَلَى الْعِتْقِ ، وَنُفُوذَ الْعِتْقِ بِحُكْمِهِ كَمَا لَا يَمْنَعُ الْإِكْرَاهُ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُوَكِّلَ فِي عِتْقِ عَبْدِهِ ، فَفَعَلَ ، وَأَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ نَفَذَ عِتْقُهُ ، فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَإِذَا ثَبَتَ نُفُوذُ الْعِتْقِ ، وَالتَّدْبِيرِ ، وَالِاسْتِيلَاءِ ، فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ عَيْنِهَا ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْبَائِعِ ، فَإِنْ شَاءَ الْبَائِعُ ضَمَّنَ الَّذِينَ أَكْرَهُوهُ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ ، وَمَا يُتَمِّمُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ مُضَافًا إلَيْهِمْ ، فَالْإِتْلَافُ الْحَاصِلُ بِهِ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِمْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ ; لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُمْ فِي الْإِتْلَافِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قِيمَتَهَا ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي ; لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَقَامَ الْبَائِعِ ; أَوْ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالضَّمَانِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْبَيْعِ مِنْ جِهَتِهِمْ ، فَيَرْجِعُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهَا ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِمْ طَوْعًا بِالْإِعْتَاقِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِي أَتْلَفَهَا ، وَالْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَفْعَلْ بِهَا ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ بَاعَهَا ، أَوْ وَهَبَهَا ، وَسَلَّمَهَا ، أَوْ كَاتَبَهَا كَانَ لِمَوْلَاهَا الْمُكْرَهِ أَنْ يَنْقُضَ جَمِيعَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَحْتَمِلُ النَّقْضَ ، فَيُنْقَضُ لِحَقِّ الْمُكْرَهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْعِتْقَ لَا يُنْتَقَضُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْبَيْعُ ، وَالْهِبَةُ ، وَالْكِتَابَةُ تُنْتَقَضُ لِحَقِّهِ فَإِنْ قِيلَ : فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ ، وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً ، فَاسِدًا لَا يُنْقَضُ مِنْهُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بَعْدَ الْقَبْضِ لِحَقِّ الْبَائِعِ قُلْنَا ; لِأَنَّ هُنَاكَ الْبَائِعُ سَلَّمَ الْمَبِيعَ رَاضِيًا بِهِ ، فَيَصِيرُ بِالتَّسْلِيمِ مُسَلَّطًا لِلْمُشْتَرِي عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ، وَهُنَا الْمُكْرَهُ غَيْرُ رَاضٍ بِالتَّسْلِيمِ ، وَلَوْ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ تَمَّ الْبَيْعِ ، فَوَازَنَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=4598الْمُشْتَرِي شِرَاءً ، فَاسِدًا إذَا أُكْرِهَ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ ، فَسَلَّمَهُ مُكْرَهًا ، وَهَذَا ; لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ ، وَفِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ ، وَتَصَرَّفَ فِيهِ يُنْقَضُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِإِبْقَاءِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ دُونَ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ .