قال وليس في شيء يكره عليه الإنسان إلا ، وهو يرد إلا ما جرى فيه عتق ، أو تدبير ، أو ولادة ، أو طلاق ، أو نكاح ، أو نذر ، أو رجعة في العدة ، أو في الإيلاء ممن لا يقدر على الجماع ، فإن هذه الأشياء تجوز في الإكراه ، ولا ترد ، وأصل المسألة أن
nindex.php?page=treesubj&link=24889تصرفات المكره قولا منعقد عندنا إلا أن ما يحتمل الفسخ منه كالبيع ، والإجارة يفسخ ، وما لا يحتمل الفسخ منه كالطلاق ، والنكاح ، والعتاق ، وجميع ما سمينا ، فهو لازم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : تصرفات المكره قولا
[ ص: 57 ] يكون لغوا إذا كان الإكراه بغير حق بمنزلة تصرفات الصبي ، والمجنون ، ويستوي إن كان الإكراه بحبس ، أو قتل .
وحجته في ذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين } ، والمراد نفي الحكم لما يكره عليه المرء في الدين قال : عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19568رفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه } ، فهذا يدل على أن ما يكره عليه يكون مرفوعا عنه حكمه ، وإثمه ، وعينه إلا بدليل ، والمعنى فيه أن هذا قول موجب للحرمة ، فالإكراه الباطل عليه يمنع حصول الفرقة كالردة ، وتأثيره أن انعقاد التصرفات شرعا بكلام يصدر عن قصد ، واختيار معتبر شرعا ، ولهذا لا ينعقد شيء من ذلك بكلام الصبي ، والمجنون ، والنائم ، وليس للمكره اختيار صحيح معتبر شرعا فيما تكلم به بل هو مكره عليه ، والإكراه يضاد الاختيار ، فوجب اعتبار هذا الإكراه في انعدام اختياره به لكونه إكراها بالباطل ، ولكونه معذورا في ذلك ، فإذا لم يبق له قصد معتبر شرعا التحق بالمجنون بخلاف
nindex.php?page=treesubj&link=24889_15115العنين إذا أكرهه القاضي على الفرقة بعد مضي المدة أو المولى بعدها ; لأن ذلك إكراه بحق لانعدام اختياره شرعا .
( ألا ترى ) أن المديون إذا أكرهه القاضي على بيع ماله نفذ بيعه ، والذمي إذا أسلم عبده ، فأجبر على بيعه نفذ بيعه بخلاف ما إذا أكرهه على البيع بغير حق قال : وعلى هذا قلت ، وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=24925أكره الحربي على الإسلام صح إسلامه ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=24925أكره المستأمن ، أو الذمي على الإسلام لا يصح إسلامه ; لأنه إكراه بالباطل ، ولا يدخل فيه السكران ، فإنه غير معذور شرعا ، فهو في المعنى كالمكره بحق ، فيكون قصده ، واختياره معتبرا شرعا ، ولهذا نفذ منه جميع التصرفات ، ولهذا صح إقراره بالطلاق هناك ، ولا يصح هنا إقراره بالطلاق بالاتفاق ، فكذلك إنشاؤه ، وهذا بخلاف الهازل ; لأنه قاصد إلى التكلم بالطلاق مختار له ، فإن باب الهزل واسع ، فلما اختار عند الهزل التكلم بالطلاق من بين سائر الكلمات عرفنا أنه مختار للفظ ، وإن لم يكن مريدا لحكمه ، فأما المكره ، فغير مختار في التكلم بالطلاق هنا ; لأنه لا يحصل له النجاة إذا تكلم بشيء آخر ، وهذا بخلاف ما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=24889_10355أكره على أن يجامع امرأة ، وهي أم امرأته ، فإنها تحرم عليه ; لأنا ادعينا هذا في الأقوال التي يكون ثبوتها شرعا بناء على اختيار صحيح ، فأما الأفعال فتحققها بوجودها حسا .
( ألا ترى ) أنه إذا تحقق ذلك من المجنون كان موجبا للفرقة أيضا ، فكذلك من المكره بخلاف ما نحن فيه ; ولأن سبب الإكراه محافظة قدر الملك على المكره حتى قلتم في الإكراه على العتق : المكره يضمن القيمة للمكره ، وكما تجب محافظة قدر ملكه عليه تجب محافظة عين ملكه عليه ، ولا طريق لذلك سوى أن يجعل الفعل عدما في جانب المكره ، ويجعل هو آلة
[ ص: 58 ] للمكره ، وإذا صار آلة له امتنع وقوع الطلاق ، والعتاق ، ولا معنى لقولكم : إنه في التكلم لا يصلح آلة ، فإنكم جعلتموه آلة حيث أوجبتم ضمان القيمة على المكره في العتاق ، وضمان نصف الصداق على المكره في الطلاق قبل الدخول ، ثم إن لم يمكن أن يجعل آلة حتى يصير الفعل موجودا من المكره يجعل آلة حتى ينعدم الفعل في جانب المكره ، فيلغو طلاقه ، وعتاقه .
وحجتنا في ذلك ما روينا من الآثار في أول الكتاب ، والمعنى فيه أنه تصرف من أهله في محله ، فلا يلغى كما لو كان طائعا ، وبيانه أن هذا التصرف كلام ، والأهلية للكلام يكون مميزا ، ومخاطبا ، وبالإكراه لا ينعدم ذلك ، وقد بينا أنه مخاطب في غير ما أكره عليه ، وكذلك فيما أكره عليه حتى ينوع عليه الأمر كما قررنا ، وهذا ; لأن الخطاب ينبني على اعتدال الحال ، وذلك لا يختلف فيه أحوال الناس ، فأقام الشرع البلوغ عن عقل مقام اعتدال الحال في توجه الخطاب ، واعتبار كلامه شرعا تيسيرا للأمر على الناس ، وبسبب الإكراه لا ينعدم هذا المعنى ، والسبب الظاهر متى قام مقام المعنى الخفي دار الحكم معه وجودا ، وعدما ، وبيان المحلية أنه ملكه ، ولو لم يكن مكرها لكان تصرفه مصادفا محله ، وليس للطواعية تأثير في جعل ما ليس بمحل محلا ، فعرفنا أن التصرف صادف محله إلا أن بسبب الإكراه ينعدم الرضا منه بحكم السبب ، ولا ينعدم أصل القصد ، والاختيار ; لأن المكره عرف الشرين ، فاختار أهونهما ، وهذا دليل حسن اختياره ، فكيف يكون مفسدا لاختياره ، وهو قاصد إليه أيضا ; لأنه قصد دفع الشر عن نفسه ، ولا يتوصل إليه إلا بإيقاع الطلاق .
وما لا يتوصل إلى المقصود إلا به يكون مقصودا ، فعرفنا أنه قاصد مختار ، ولكن لا لعينه بل لدفع الشر عنه ، فيكون بمنزلة الهازل من حيث إنه قاصد إلى التكلم مختار له لا لحكمه بل لغيره ، وهو الهزل ، ثم طلاق الهازل واقع ، فبه يتبين أن الرضا بالحكم بعد القصد إلى السبب ، والاختيار له غير معتبر ، وقد بينا أن حال المكره في اعتبار كلامه ، فوق حال الهازل ; لأن الحكم للجد من الكلام ، والهزل ضد الجد ، والمكره يتكلم بالجد ; لأنه يجيب إلى ما دعي إليه ، ولكنه غير راض بحكمه ، وهذا بخلاف الردة ، فإنها تنبني على الاعتقاد ، وهو التكلم بخبر عن اعتقاده ، وقيام السيف على رأسه دليل ظاهر على أنه غير معتقد ، وأنه في إخباره كاذب ، وكذلك الإقرار بالطلاق ، والإقرار متميل بين الصدق ، والكذب ، وإنما يصح من الطائع لترجح جانب الصدق ، فإن دينه ، وعقله يدعوانه إلى ذلك .
، وفي حق المكره قيام السيف على رأسه دليل على أنه كذب ، والمخبر عنه إذا كان كاذبا ، فالإخبار به لا يصير صدقا ، فإن أقر به
[ ص: 59 ] المقر باختياره لا يصير كائنا حقيقة ، وهذا بخلاف ما
nindex.php?page=treesubj&link=10014إذا هزل بالردة ; لأن هناك إنما يحكم بكفره لاستخفافه بالدين ، فإن الهازل مستخف لا محالة إذ الاستخفاف بالدين كفر ، فأما المكره ، فغير مستخف ، ولا معتقد لما يخبر به مكرها ، ثم إن وجب محافظة قدر الملك على المكره ، فذلك لا يدل على أنه يجب محافظة عين الملك عليه كما لو أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد ، وهو موسر ، فإنه يجب محافظة قدر الملك على الساكت بإيجاب الضمان له على العتق ، ولا يجب محافظة عين ملكه بإبطال عتق المعتق ، وهذا ; لأنه مكره على شيئين : التكلم بالعتاق ، والإتلاف ، وهو في التكلم لا يصلح آلة للمكره ; لأن تكلمه بلسان الغير لا يتحقق ، وفي الإتلاف يصلح آلة له ، فجعلنا الإتلاف مضافا إلى المكره ، فأوجبنا الضمان عليه ، وجعلنا التكلم بالطلاق ، والعتاق مقصورا على المكره ، فحكمنا بنفوذ قوله بأن المكره ينبغي أن يجعل آلة حتى ينعدم التكلم في جانبه حكما .
قلنا هذا شيء لا يمكن تحقيقه هنا ، فإن الخلاف في الإكراه بالقتل ، والإكراه بالحبس سواء ، وعند الإكراه بالحبس لا ينعدم الفعل في جانب المكره بحال ، ثم نقول
nindex.php?page=treesubj&link=24889ليس للإكراه تأثير في الإهدار ، والإلغاء .
( ألا ترى ) أن المكره على إتلاف المال لا يجعل فعله لغوا بمنزلة فعل التهمة ، ولكن يجعل موجبا للضمان على المكره ، فعرفنا أن تأثير الإكراه في تبديل النسبة حتى يكون الفعل منسوبا إلى المكره ، وهذا يقتصر على ما يصلح أن يكون المكره آلة للمكره ، فلو اعتبرنا ذلك لانعدم الفعل في جانب المكره من غير أن يصير منسوبا إلى المكره كان تأثير الإكراه في الإلغاء ، وذلك لا يجوز ، والمراد بالآية ، والحديث نفي الإثم لا رفع الحكم ، وبه نقول : إن الإثم يرتفع بالإكراه حتى لو أكرهه على إيقاع الطلاق الثلاث ، أو الطلاق حالة الحيض لا يكون آثما إذا ثبت أن تصرفاته تنعقد شرعا ، فما لا يكون محتملا للفسخ بعد وقوعه يلزم من المكره ، وما لا يعتمد تمام الرضا يكون لازما منه ، والطلاق ، والعتاق لا يعتمد تمام الرضا حتى إن شرط الخيار لا يمنع وقوعهما ، وما يحتمل الفسخ ، ويعتمد لزومه تمام الرضا قلنا لا يكون لازما إذا صدر من المكره إلا أن يرضى به بعد زوال الإكراه صريحا ، أو دلالة ، فحينئذ يلزم لوجود الرضا منه به ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=4598باع المشتري من المكره العبد من غيره ، وأعتقه المشتري الآخر نفذ عتقه ; لأن المشتري من المكره ملك بالشراء ، وإن كان للمكره حق الفسخ كما كان المشتري منه مالكا بالشراء ، وإن كان له حق الفسخ إلا أن عتق المشتري من المكره قبل القبض لا ينفذ ، وعتق المشتري من المشتري من المكره نافذ قبضه ، أو لم يقبضه
[ ص: 60 ] لأن بيع المكره ، فاسد ، فالمشتري منه لا يصير مالكا إلا بالقبض .
فأما بيع المشتري منه ، فصحيح ، وإن كان للمكره حق الفسخ كالمشتري إذا قبض المبيع بغير إذن البائع ، وباعه صح بيعه ، وإن كان للبائع حق الفسخ ، فإذا صح البيع ملكه بنفس العقد ، وينفذ عتقه فيه ، ويصير بالعتق قابضا له : يوضحه أن المشتري بإيجاب البيع لغيره يصير مسلطا له على العتق ، وهو لو أعتق بنفسه نفذ عتقه ، فينفذ عتق المشتري منه بتسليطه أيضا ، ثم كان للمولى الخيار إن شاء ضمن المكره قيمته إذا كان الوعيد بقتل ; لأن الإتلاف صار منسوبا إليه ، وإن شاء ضمن الذي أخذه منه ; لأنه قبضه بشراء فاسد ، وقد تعذر رده ، وإن شاء ضمن الذي أعتقه ; لأنه أتلف المالية فيه بالإعتاق ، والعتق ينفذ من جهته حتى يثبت الولاء له ، فإن ضمن المكره رجع المكره بالقيمة إن شاء على المشتري الأول ، وإن شاء على المشتري الثاني ; لأنه قام مقام المكره بعد ما ضمن له ; ولأنه ملكه بالضمان ، وكل واحد منهما متعد في حقه ، فيضمن أيهما شاء ، فإن ضمن المشتري الآخر المكره ، أو المكره رجع على المشتري الأول ; لأن استرداد قيمته منه كاسترداد عينه ، وذلك مبطل للبيعين جميعا .
، فيرجع هو بالثمن على المشتري الأول ، ويرجع المشتري الأول بالثمن على مولاه ، وإن ضمن المكره المشتري الأول ، أو ضمنه المكره نفذ البيع بين المشتري الأول ، والمشتري الآخر ، وكان الثمن له ; لأنه كان باع ملك نفسه ، وكان البيع صحيحا فيما بينهما إلا أنه كان للمكره حق الفسخ ، فإذا سقط حقه بوصول القيمة إليه ، وقد تقرر الملك للمشتري الأول نفذ البيع بينه ، وبين المشتري الآخر . .
قَالَ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ يُكْرَهُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ إلَّا ، وَهُوَ يُرَدُّ إلَّا مَا جَرَى فِيهِ عِتْقٌ ، أَوْ تَدْبِيرٌ ، أَوْ وِلَادَةٌ ، أَوْ طَلَاقٌ ، أَوْ نِكَاحٌ ، أَوْ نَذْرٌ ، أَوْ رَجْعَةٌ فِي الْعِدَّةِ ، أَوْ فِي الْإِيلَاءِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَجُوزُ فِي الْإِكْرَاهِ ، وَلَا تُرَدُّ ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24889تَصَرُّفَاتِ الْمُكْرَهِ قَوْلًا مُنْعَقِدٌ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ مَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مِنْهُ كَالْبَيْعِ ، وَالْإِجَارَةِ يُفْسَخُ ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مِنْهُ كَالطَّلَاقِ ، وَالنِّكَاحِ ، وَالْعَتَاقِ ، وَجَمِيعِ مَا سَمَّيْنَا ، فَهُوَ لَازِمٌ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : تَصَرُّفَاتُ الْمُكْرَهِ قَوْلًا
[ ص: 57 ] يَكُونُ لَغْوًا إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَبْسٍ ، أَوْ قَتْلٍ .
وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ } ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْحُكْمِ لِمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ الْمَرْءُ فِي الدِّينِ قَالَ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19568رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ ، وَالنِّسْيَانُ ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ يَكُونُ مَرْفُوعًا عَنْهُ حُكْمُهُ ، وَإِثْمُهُ ، وَعَيْنُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ ، فَالْإِكْرَاهُ الْبَاطِلُ عَلَيْهِ يَمْنَعُ حُصُولَ الْفُرْقَةِ كَالرِّدَّةِ ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ انْعِقَادَ التَّصَرُّفَاتِ شَرْعًا بِكَلَامٍ يَصْدُرُ عَنْ قَصْدٍ ، وَاخْتِيَارٍ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا ، وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِكَلَامِ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ ، وَالنَّائِمِ ، وَلَيْسَ لِلْمُكْرَهِ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ بَلْ هُوَ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ ، وَالْإِكْرَاهُ يُضَادُّ الِاخْتِيَارَ ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ هَذَا الْإِكْرَاهِ فِي انْعِدَامِ اخْتِيَارِهِ بِهِ لِكَوْنِهِ إكْرَاهًا بِالْبَاطِلِ ، وَلِكَوْنِهِ مَعْذُورًا فِي ذَلِكَ ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ قَصْدٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا الْتَحَقَ بِالْمَجْنُونِ بِخِلَافِ
nindex.php?page=treesubj&link=24889_15115الْعِنِّينِ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى الْفُرْقَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ الْمَوْلَى بَعْدَهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ لِانْعِدَامِ اخْتِيَارِهِ شَرْعًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِ مَالِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ ، وَالذِّمِّيُّ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ ، فَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالَ : وَعَلَى هَذَا قُلْت ، وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=24925أُكْرِهَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=24925أُكْرِهَ الْمُسْتَأْمَنُ ، أَوْ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ ; لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِالْبَاطِلِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ السَّكْرَانُ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ شَرْعًا ، فَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَالْمُكْرَهِ بِحَقٍّ ، فَيَكُونُ قَصْدُهُ ، وَاخْتِيَارُهُ مُعْتَبَرًا شَرْعًا ، وَلِهَذَا نَفَذَ مِنْهُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ ، وَلِهَذَا صَحَّ إقْرَارُهُ بِالطَّلَاقِ هُنَاكَ ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا إقْرَارُهُ بِالطَّلَاقِ بِالِاتِّفَاقِ ، فَكَذَلِكَ إنْشَاؤُهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْهَازِلِ ; لِأَنَّهُ قَاصِدٌ إلَى التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ مُخْتَارٌ لَهُ ، فَإِنَّ بَابَ الْهَزْلِ وَاسِعٌ ، فَلَمَّا اخْتَارَ عِنْدَ الْهَزْلِ التَّكَلُّمَ بِالطَّلَاقِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْكَلِمَاتِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مُخْتَارٌ لِلَّفْظِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِحُكْمِهِ ، فَأَمَّا الْمُكْرَهُ ، فَغَيْرُ مُخْتَارٍ فِي التَّكَلُّمِ بِالطَّلَاقِ هُنَا ; لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ النَّجَاةُ إذَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ آخَرَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=24889_10355أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَةً ، وَهِيَ أُمُّ امْرَأَتِهِ ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّا ادَّعَيْنَا هَذَا فِي الْأَقْوَالِ الَّتِي يَكُونُ ثُبُوتُهَا شَرْعًا بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارٍ صَحِيحٍ ، فَأَمَّا الْأَفْعَالُ فَتَحَقُّقُهَا بِوُجُودِهَا حِسًّا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنْ الْمَجْنُونِ كَانَ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ أَيْضًا ، فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُكْرَهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ; وَلِأَنَّ سَبَبَ الْإِكْرَاهِ مُحَافَظَةُ قَدْرِ الْمِلْكِ عَلَى الْمُكْرَهِ حَتَّى قُلْتُمْ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْعِتْقِ : الْمُكْرِهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ لِلْمُكْرَهِ ، وَكَمَا تَجِبُ مُحَافَظَةُ قَدْرِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ تَجِبُ مُحَافَظَةُ عَيْنِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ، وَلَا طَرِيقَ لِذَلِكَ سِوَى أَنْ يُجْعَلُ الْفِعْلُ عَدَمًا فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ ، وَيُجْعَلُ هُوَ آلَةً
[ ص: 58 ] لِلْمُكْرِهِ ، وَإِذَا صَارَ آلَةً لَهُ امْتَنَعَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِكُمْ : إنَّهُ فِي التَّكَلُّمِ لَا يَصْلُحُ آلَةً ، فَإِنَّكُمْ جَعَلْتُمُوهُ آلَةً حَيْثُ أَوْجَبْتُمْ ضَمَانَ الْقِيمَةِ عَلَى الْمُكْرَهِ فِي الْعَتَاقِ ، وَضَمَانُ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى الْمُكْرَهِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، ثُمَّ إنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً حَتَّى يَصِيرَ الْفِعْلُ مَوْجُودًا مِنْ الْمُكْرَهِ يُجْعَلُ آلَةً حَتَّى يَنْعَدِمَ الْفِعْلُ فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ ، فَيَلْغُو طَلَاقُهُ ، وَعَتَاقُهُ .
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْآثَارِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ ، فَلَا يُلْغَى كَمَا لَوْ كَانَ طَائِعًا ، وَبَيَانُهُ أَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ كَلَامٌ ، وَالْأَهْلِيَّةُ لِلْكَلَامِ يَكُونُ مُمَيِّزًا ، وَمُخَاطَبًا ، وَبِالْإِكْرَاهِ لَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ فِي غَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ فِيمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ حَتَّى يُنَوَّعُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ كَمَا قَرَّرْنَا ، وَهَذَا ; لِأَنَّ الْخِطَابَ يَنْبَنِي عَلَى اعْتِدَالِ الْحَالِ ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحْوَالُ النَّاسِ ، فَأَقَامَ الشَّرْعُ الْبُلُوغَ عَنْ عَقْلٍ مَقَامَ اعْتِدَالِ الْحَالِ فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ ، وَاعْتِبَارُ كَلَامِهِ شَرْعًا تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ ، وَبِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ لَا يَنْعَدِمُ هَذَا الْمَعْنَى ، وَالسَّبَبُ الظَّاهِرُ مَتَى قَامَ مَقَامَ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ دَارَ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا ، وَعَدَمًا ، وَبَيَانُ الْمَحَلِّيَّةِ أَنَّهُ مَلَكَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا لَكَانَ تَصَرُّفُهُ مُصَادِفًا مَحَلَّهُ ، وَلَيْسَ لِلطَّوَاعِيَةِ تَأْثِيرٌ فِي جَعْلِ مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ مَحَلًّا ، فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّصَرُّفَ صَادَفَ مَحَلَّهُ إلَّا أَنَّ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا مِنْهُ بِحُكْمِ السَّبَبِ ، وَلَا يَنْعَدِمُ أَصْلُ الْقَصْدِ ، وَالِاخْتِيَارِ ; لِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ ، فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا ، وَهَذَا دَلِيلُ حُسْنِ اخْتِيَارِهِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُفْسِدًا لِاخْتِيَارِهِ ، وَهُوَ قَاصِدٌ إلَيْهِ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ قَصَدَ دَفْعَ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ .
وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ يَكُونُ مَقْصُودًا ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ قَاصِدٌ مُخْتَارٌ ، وَلَكِنْ لَا لِعَيْنِهِ بَلْ لِدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْهَازِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاصِدٌ إلَى التَّكَلُّمِ مُخْتَارٌ لَهُ لَا لِحُكْمِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ الْهَزْلُ ، ثُمَّ طَلَاقُ الْهَازِلِ وَاقِعٌ ، فَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الرِّضَا بِالْحُكْمِ بَعْدَ الْقَصْدِ إلَى السَّبَبِ ، وَالِاخْتِيَارِ لَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَالَ الْمُكْرَهِ فِي اعْتِبَارِ كَلَامِهِ ، فَوْقَ حَالِ الْهَازِلِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْجِدِّ مِنْ الْكَلَامِ ، وَالْهَزْلُ ضِدُّ الْجِدِّ ، وَالْمُكْرَهُ يَتَكَلَّمُ بِالْجِدِّ ; لِأَنَّهُ يُجِيبُ إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّدَّةِ ، فَإِنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى الِاعْتِقَادِ ، وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِخَبَرٍ عَنْ اعْتِقَادِهِ ، وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ ، وَأَنَّهُ فِي إخْبَارِهِ كَاذِبٌ ، وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ ، وَالْإِقْرَارُ مُتَمَيِّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ ، وَالْكَذِبِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ الطَّائِعِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ ، فَإِنَّ دِينَهُ ، وَعَقْلَهُ يَدْعُوَانِهِ إلَى ذَلِكَ .
، وَفِي حَقِّ الْمُكْرَهِ قِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَذِبٌ ، وَالْمُخْبَرُ عَنْهُ إذَا كَانَ كَاذِبًا ، فَالْإِخْبَارُ بِهِ لَا يَصِيرُ صِدْقًا ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ
[ ص: 59 ] الْمُقِرُّ بِاخْتِيَارِهِ لَا يَصِيرُ كَائِنًا حَقِيقَةً ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا
nindex.php?page=treesubj&link=10014إذَا هَزَلَ بِالرِّدَّةِ ; لِأَنَّ هُنَاكَ إنَّمَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ لِاسْتِخْفَافِهِ بِالدِّينِ ، فَإِنَّ الْهَازِلَ مُسْتَخِفٌّ لَا مَحَالَةَ إذْ الِاسْتِخْفَافُ بِالدِّينِ كُفْرٌ ، فَأَمَّا الْمُكْرَهُ ، فَغَيْرُ مُسْتَخِفٍّ ، وَلَا مُعْتَقِدٍ لِمَا يُخْبِرُ بِهِ مُكْرَهًا ، ثُمَّ إنْ وَجَبَ مُحَافَظَةُ قَدْرِ الْمِلْكِ عَلَى الْمُكْرَهِ ، فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ مُحَافَظَةُ عَيْنِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ ، وَهُوَ مُوسِرٌ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ مُحَافَظَةُ قَدْرِ الْمِلْكِ عَلَى السَّاكِتِ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ لَهُ عَلَى الْعِتْقِ ، وَلَا يَجِبُ مُحَافَظَةُ عَيْنِ مِلْكِهِ بِإِبْطَالِ عِتْقِ الْمُعْتِقِ ، وَهَذَا ; لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى شَيْئَيْنِ : التَّكَلُّمُ بِالْعَتَاقِ ، وَالْإِتْلَافُ ، وَهُوَ فِي التَّكَلُّمِ لَا يَصْلُحُ آلَةً لَلْمُكْرِهِ ; لِأَنَّ تَكَلُّمَهُ بِلِسَانِ الْغَيْرِ لَا يَتَحَقَّقُ ، وَفِي الْإِتْلَافِ يَصْلُحُ آلَةً لَهُ ، فَجَعَلْنَا الْإِتْلَافَ مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ ، فَأَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عَلَيْهِ ، وَجَعَلْنَا التَّكَلُّمَ بِالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ ، فَحَكَمْنَا بِنُفُوذِ قَوْلِهِ بِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ آلَةً حَتَّى يَنْعَدِمَ التَّكَلُّمُ فِي جَانِبِهِ حُكْمًا .
قُلْنَا هَذَا شَيْءٌ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ هُنَا ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي الْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ ، وَالْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ سَوَاءٌ ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ لَا يَنْعَدِمُ الْفِعْلُ فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ بِحَالٍ ، ثُمَّ نَقُولُ
nindex.php?page=treesubj&link=24889لَيْسَ لِلْإِكْرَاهِ تَأْثِيرٌ فِي الْإِهْدَارِ ، وَالْإِلْغَاءِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ لَا يُجْعَلُ فِعْلُهُ لَغْوًا بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ التُّهْمَةِ ، وَلَكِنْ يُجْعَلُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ تَأْثِيرَ الْإِكْرَاهِ فِي تَبْدِيلِ النِّسْبَةِ حَتَّى يَكُونَ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرَهِ ، وَهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَصْلُح أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ ، فَلَوْ اعْتَبِرْنَا ذَلِكَ لَانْعَدَمَ الْفِعْلُ فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ كَانَ تَأْثِيرُ الْإِكْرَاهِ فِي الْإِلْغَاءِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ ، وَالْحَدِيثِ نَفْيُ الْإِثْمِ لَا رَفْعُ الْحُكْمِ ، وَبِهِ نَقُولُ : إنَّ الْإِثْمَ يَرْتَفِعُ بِالْإِكْرَاهِ حَتَّى لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ، أَوْ الطَّلَاقِ حَالَةَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ آثِمًا إذَا ثَبَتَ أَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ تَنْعَقِدُ شَرْعًا ، فَمَا لَا يَكُونُ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ بَعْدَ وُقُوعِهِ يَلْزَمُ مِنْ الْمُكْرِهِ ، وَمَا لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا يَكُونُ لَازِمًا مِنْهُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا حَتَّى إنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُمَا ، وَمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَيَعْتَمِدُ لُزُومُهُ تَمَامَ الرِّضَا قُلْنَا لَا يَكُونُ لَازِمًا إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُكْرَهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ صَرِيحًا ، أَوْ دَلَالَةً ، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِهِ ، فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4598بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ نَفَذَ عِتْقُهُ ; لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ مَلَكَ بِالشِّرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُكْرَهِ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مَالِكًا بِالشِّرَاءِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخ إلَّا أَنَّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفُذُ ، وَعِتْقُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ نَافِذٌ قَبَضَهُ ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ
[ ص: 60 ] لِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ ، فَاسِدٌ ، فَالْمُشْتَرِي مِنْهُ لَا يَصِيرُ مَالِكًا إلَّا بِالْقَبْضِ .
فَأَمَّا بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ، فَصَحِيحٌ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُكْرَهِ حَقُّ الْفَسْخِ كَالْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ ، وَبَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ ، وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ ، فَإِذَا صَحَّ الْبَيْعُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ ، وَيَصِيرُ بِالْعِتْقِ قَابِضًا لَهُ : يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِي بِإِيجَابِ الْبَيْعِ لِغَيْرِهِ يَصِيرُ مُسَلِّطًا لَهُ عَلَى الْعِتْقِ ، وَهُوَ لَوْ أَعْتَقَ بِنَفْسِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ ، فَيَنْفُذُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِتَسْلِيطِهِ أَيْضًا ، ثُمَّ كَانَ لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرَهَ قِيمَتَهُ إذَا كَانَ الْوَعِيدُ بِقَتْلٍ ; لِأَنَّ الْإِتْلَافَ صَارَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الَّذِي أَعْتَقَهُ ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَالِيَّةَ فِيهِ بِالْإِعْتَاقِ ، وَالْعِتْقُ يَنْفُذُ مِنْ جِهَتِهِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوَلَاءُ لَهُ ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُكْرَهَ رَجَعَ الْمُكْرَهُ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي ; لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُكْرِهِ بَعْدَ مَا ضَمِنَ لَهُ ; وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ ، فَيَضْمَنُ أَيَّهمَا شَاءَ ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ الْمُكْرَهَ ، أَوْ الْمُكْرِهَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ اسْتِرْدَادَ قِيمَتِهِ مِنْهُ كَاسْتِرْدَادِ عَيْنِهِ ، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعَيْنِ جَمِيعًا .
، فَيَرْجِعُ هُوَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَوْلَاهُ ، وَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ ، أَوْ ضَمِنَهُ الْمُكْرِهُ نَفَذَ الْبَيْعُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ، وَالْمُشْتَرِي الْآخَرِ ، وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَكَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا فِيمَا بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمُكْرَهِ حَقُّ الْفَسْخِ ، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِوُصُولِ الْقِيمَةِ إلَيْهِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ نَفَذَ الْبَيْعُ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ . .