( قال رحمه الله ) كان
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله يقول أولا لو أن
nindex.php?page=treesubj&link=10355_24889_24884سلطانا ، أو غيره أكره رجلا حتى زنى ، فعليه الحد ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر رحمه الله ، ثم رجع ، فقال لا حد عليه إذا كان المكره سلطانا ، وهو
قولهما : وجه قوله الأول أن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بانتشار الآلة ، ولا تنتشر آلته إلا بلذة ، وذلك دليل الطواعية ، فمع الخوف لا يحصل انتشار الآلة ، وفرق على هذا القول بين الرجل والمرأة قال المرأة في الزنا محل الفعل ، ومع الخوف يتحقق التمكين منها .
( ألا ترى ) أن فعل الزنا يتحقق ، وهي نائمة ، أو مغمى عليها لا تشعر بذلك بخلاف جانب الرجل ، وفرق على هذا القول
[ ص: 89 ] بين
nindex.php?page=treesubj&link=10355الإكراه على الزنا ، وبين
nindex.php?page=treesubj&link=24889_27177الإكراه على القتل قال : لا قود على المكره ، وعليه الحد ، ففي كل واحد من الموضعين الحرمة لا تنكشف بالإكراه ، ولكن القتل فعل يصلح أن يكون المكره فيه آلة للمكره ، فبسبب الإلجاء يصير الفعل منسوبا إلى المكره ، ولهذا لزمه القصاص ، وإذا صار منسوبا إلى المكره صار المكره آلة ، فأما الزنا ، ففعل لا يتصور أن يكون المكره فيه آلة للمكره ; لأن الزنا بآلة الغير لا يتحقق ، ولهذا لا يجب الحد على المكره ، فبقي الفعل مقصورا على المكره ، فيلزمه الحد ووجه قوله الآخر أن الحد مشروع للزجر ، ولا حاجة إلى ذلك في حالة الإكراه ; لأنه منزجر إلى أن يتحقق الإلجاء ، وخوف التلف على نفسه ، فإنما كان قصده بهذا الفعل دفع الهلاك عن نفسه لا اقتضاء الشهوة ، فيصير ذلك شبهة في إسقاط الحد عنه ، وانتشار الآلة لا يدل على انعدام الخوف ، فقد تنتشر الآلة طبعا بالفحولة التي ركبها الله تعالى في الرجال ، وقد يكون ذلك طوعا .
( ألا ترى ) أن النائم تنتشر آلته طبعا من غير اختيار له في ذلك ، ولا قصد ، ثم على القول الآخر قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله إن كان المكره غير السلطان يجب الحد على المكره ، وقال
أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد إذا كان قادرا على إيقاع ما هدده به ، فلا حد على المكره سواء كان المكره سلطانا ، أو غيره قيل : هذا اختلاف عصر ، فقد كان السلطان مطاعا في عهد
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، ولم يكن لغير السلطان من القوة ما يقدر على الإكراه ، فأجاب بناء على ما شاهد في زمانه ، ثم تغير حال الناس في عهدهما ، وظهر كل متغلب في موضع ، فأجابا بناء على ما عاينا ، وقيل بل هو اختلاف - حكم ، فوجه
قولهما أن المعتبر في إسقاط الحد - هو الإلجاء ، وذلك بأن يكون المكره قادرا على إيقاع ما هدد به ; لأن خوف التلف للمكره بذلك يحصل .
( ألا ترى ) أن السلطان لو هدده ، وهو يعلم أنه لا يفعل ذلك به لا يكون مكرها ، وخوف التلف يتحقق عند قدرة المكره على إيقاع ما هدده به بل خوف التلف بإكراه غير السلطان أظهر منه بإكراه السلطان ، فالسلطان ذو أناة في الأمور لعلمه أنه لا يفوته ، وغير السلطان ذو عجلة في ذلك لعلمه أنه يفوته ذلك بقوة السلطان ساعة فساعة .
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة لا يقول الإلجاء لا يتحقق بإكراه غير السلطان ، وإنما يتحقق بإكراه السلطان ; لأنه لا يتمكن من دفع السلطان عن نفسه بالالتجاء إلى من هو أقوى منه ، ويتمكن من دفع اللص عن نفسه بالالتجاء بقوة السلطان ، فإن اتفق في موضع لا يتمكن من ذلك ، فهو نادر ، والحكم إنما ينبني على أصل السبب لا على الأحوال ، وباعتبار الأصل يمكن دفع إكراه غير السلطان بقوة السلطان ، ولا يمكن دفع إكراه السلطان بشيء ، ثم ما يكون
[ ص: 90 ] مغيرا للحكم يعتبر فيه السلطان كتغيير الفرائض من الأربع إلى الركعتين يوم الجمعة ، وإقامة الخطبة مقام الركعتين يعتبر فيه السلطان ، ولا يقوم في ذلك غير مقامه ، وفي كل موضع ، وجب الحد على المكره لا يجب المهر لها ، وقد بينا هذا في الحدود إذ الحد ، والمهر لا يجتمعان عندنا بسبب فعل واحد خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمه الله ، وفي كل موضع سقط الحد ، وجب المهر ; لأن الواطئ في غير الملك لا ينفك عن حد ، أو مهر ، فإذا سقط الحد ، وجب المهر لإظهار خطر المحل ، فإنه مصون عن الابتذال محترم كاحترام النفوس ، ويستوي إن كانت أذنت له في ذلك ، أو استكرهها أما إذا استكرهها ، فغير مشكل ; لأن المهر يجب عوضا عما أتلف عليه ، ولم يوجد الرضا منها بسقوط حقها ، وأما إذا أذنت له في ذلك ، فلأنه لا يحل لها شرعا أن تأذن في ذلك ، فيكون إذنها لغوا لكونها محجورة عن ذلك شرعا بمنزلة إذن الصبي ، والمجنون في إتلاف ماله ، أو هي متهمة في هذا الإذن لما لها في هذا الإذن من الحظ ، فجعل الشرع إذنها غير معتبر للتهمة ، ووجوب الضمان لصيانة المحل عن الابتذال ، والحاجة إلى الصيانة لا تنعدم بالإذن .
( ألا ترى ) أنها لو زوجت نفسها بغير مهر ، وجب المهر ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=11403_24880_11409_11347مكنت نفسها بعقد فاسد حتى وطئها الزوج ، ولم يكن سمى لها مالا وجب المال ، فهذا مثله ، وهو واجب في الوجهين .
أما إذا استكرهها ، فإنه ظالم ، وحرمة الظلم حرمة باتة ، وكذلك إذا أذنت له في ذلك ; لأن إذنها لغو غير معتبر ، ثم حرمة الزنا حرمة باتة لا استثناء فيها ، ولم يحل في شيء من الأديان بخلاف حرمة الميتة ، ولحم الخنزير ، فتلك الحرمة مقيدة بحالة الاختيار لوجود التنصيص على استثناء حالة الضرورة في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119إلا ما اضطررتم إليه } ، وإن امتنع من الزنا حتى قتل كان مأجورا في ذلك ; لأنه امتنع من ارتكاب الحرام ، وبذل نفسه ابتغاء مرضاة الله تعالى في الوقوف على حد الدين بالتحرز عن مجاوزته ، وفيما يرخص له فيه ، وهو إجراء كلمة الشرك ، وقد بينا أنه إذا امتنع حتى قتل كان مأجورا ، فما لا رخصة فيه أولى ، وإن
nindex.php?page=treesubj&link=10355_24882كان الإكراه على الزنا بحبس ، ففعل ذلك كان عليه الحد ; لأن تمكن الشبهة باعتبار الإلجاء ، وبسبب الإكراه بالحبس لا يتحقق الإلجاء فوجوده وعدمه في حق الحكم سواء . .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ) كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا لَوْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10355_24889_24884سُلْطَانًا ، أَوْ غَيْرَهُ أَكْرَهَ رَجُلًا حَتَّى زَنَى ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15922زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ سُلْطَانًا ، وَهُوَ
قَوْلُهُمَا : وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ ، وَلَا تَنْتَشِرُ آلَتُهُ إلَّا بِلَذَّةٍ ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ ، فَمَعَ الْخَوْفِ لَا يَحْصُلُ انْتِشَارُ الْآلَةِ ، وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قَالَ الْمَرْأَةُ فِي الزِّنَا مَحَلُّ الْفِعْلِ ، وَمَعَ الْخَوْفِ يَتَحَقَّقُ التَّمْكِينُ مِنْهَا .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ ، وَهِيَ نَائِمَةٌ ، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا لَا تَشْعُرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ جَانِبِ الرَّجُلِ ، وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ
[ ص: 89 ] بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=10355الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا ، وَبَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=24889_27177الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ قَالَ : لَا قَوْدَ عَلَى الْمُكْرَهِ ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ ، فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ الْحُرْمَةُ لَا تَنْكَشِفُ بِالْإِكْرَاهِ ، وَلَكِنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ فِيهِ آلَةً لِلْمُكْرِهِ ، فَبِسَبَبِ الْإِلْجَاءِ يَصِيرُ الْفِعْلُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ ، وَلِهَذَا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ، وَإِذَا صَارَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ صَارَ الْمُكْرَهُ آلَةً ، فَأَمَّا الزِّنَا ، فَفِعْلٌ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُون الْمُكْرَهُ فِيهِ آلَةً لَلْمُكْرَهِ ; لِأَنَّ الزِّنَا بِآلَةِ الْغَيْرِ لَا يَتَحَقَّقُ ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ ، فَبَقِيَ الْفِعْلُ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ ، فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْحَدَّ مَشْرُوعٌ لِلزَّجْرِ ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فِي حَالَةِ الْإِكْرَاهِ ; لِأَنَّهُ مُنْزَجِرٌ إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ الْإِلْجَاءُ ، وَخَوْفُ التَّلَفِ عَلَى نَفْسِهِ ، فَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ بِهَذَا الْفِعْلِ دَفْعَ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ لَا اقْتِضَاءُ الشَّهْوَةِ ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ ، وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِ الْخَوْفِ ، فَقَدْ تَنْتَشِرُ الْآلَةُ طَبْعًا بِالْفُحُولَةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الرِّجَالِ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ طَوْعًا .
( أَلَا تَرَى ) أَنْ النَّائِمَ تَنْتَشِرُ آلَتُهُ طَبْعًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَا قَصْدٍ ، ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْمُكْرِهُ غَيْرَ السُّلْطَانِ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ ، وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ ، فَلَا حَدَّ عَلَى الْمُكْرَهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرِهُ سُلْطَانًا ، أَوْ غَيْرَهُ قِيلَ : هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ ، فَقَدْ كَانَ السُّلْطَانُ مُطَاعًا فِي عَهْدِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِكْرَاهِ ، فَأَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ ، ثُمَّ تَغَيَّرَ حَالُ النَّاسِ فِي عَهْدِهِمَا ، وَظَهَرَ كُلُّ مُتَغَلِّبٍ فِي مَوْضِعٍ ، فَأَجَابَا بِنَاءً عَلَى مَا عَايَنَا ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ اخْتِلَافُ - حُكْمٍ ، فَوَجْهُ
قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ - هُوَ الْإِلْجَاءُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ قَادِرًا عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ ; لِأَنَّ خَوْفَ التَّلَفِ لِلْمُكْرَهِ بِذَلِكَ يَحْصُلُ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ هَدَّدَهُ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ لَا يَكُونُ مُكْرَهًا ، وَخَوْفُ التَّلَفِ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ قُدْرَةِ الْمُكْرَهِ عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ بَلْ خَوْفُ التَّلَفِ بِإِكْرَاهِ غَيْرِ السُّلْطَانِ أَظْهَرُ مِنْهُ بِإِكْرَاهِ السُّلْطَانِ ، فَالسُّلْطَانُ ذُو أَنَاةٍ فِي الْأُمُورِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ ، وَغَيْرُ السُّلْطَانِ ذُو عَجَلَةٍ فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ يَفُوتُهُ ذَلِكَ بِقُوَّةِ السُّلْطَانِ سَاعَةً فَسَاعَةً .
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ الْإِلْجَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ بِإِكْرَاهِ غَيْرِ السُّلْطَانِ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِإِكْرَاهِ السُّلْطَانِ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ السُّلْطَانِ عَنْ نَفْسِهِ بِالِالْتِجَاءِ إلَى مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ اللِّصِّ عَنْ نَفْسِهِ بِالِالْتِجَاءِ بِقُوَّةِ السُّلْطَانِ ، فَإِنْ اتَّفَقَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ نَادِرٌ ، وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلِ السَّبَبِ لَا عَلَى الْأَحْوَالِ ، وَبِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ يُمْكِنُ دَفْعُ إكْرَاهِ غَيْرِ السُّلْطَانِ بِقُوَّةِ السُّلْطَانِ ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ إكْرَاهِ السُّلْطَانِ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ مَا يَكُونُ
[ ص: 90 ] مُغَيِّرًا لِلْحُكْمِ يُعْتَبَرُ فِيهِ السُّلْطَانُ كَتَغْيِيرِ الْفَرَائِضِ مِنْ الْأَرْبَعِ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ يُعْتَبَرُ فِيهِ السُّلْطَانُ ، وَلَا يَقُومُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَقَامِهِ ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ ، وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهَ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ لَهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْحُدُودِ إذْ الْحَدُّ ، وَالْمَهْرُ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا بِسَبَبِ فِعْلٍ وَاحِدٍ خِلَافًا
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ سَقَطَ الْحَدُّ ، وَجَبَ الْمَهْرُ ; لِأَنَّ الْوَاطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ حَدٍّ ، أَوْ مَهْرٍ ، فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ ، وَجَبَ الْمَهْرُ لِإِظْهَارِ خَطَرِ الْمَحَلِّ ، فَإِنَّهُ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ مُحْتَرَمٌ كَاحْتِرَامِ النُّفُوسِ ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ ، أَوْ اسْتَكْرَهَهَا أَمَّا إذَا اسْتَكْرَهَهَا ، فَغَيْرُ مُشْكِلٍ ; لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ عِوَضًا عَمَّا أُتْلِفَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا مِنْهَا بِسُقُوطِ حَقِّهَا ، وَأَمَّا إذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا شَرْعًا أَنْ تَأْذَنَ فِي ذَلِكَ ، فَيَكُونُ إذْنُهَا لَغْوًا لِكَوْنِهَا مَحْجُورَةً عَنْ ذَلِكَ شَرْعًا بِمَنْزِلَةِ إذْنِ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ فِي إتْلَافِ مَالِهِ ، أَوْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فِي هَذَا الْإِذْنِ لِمَا لَهَا فِي هَذَا الْإِذْنِ مِنْ الْحَظِّ ، فَجَعَلَ الشَّرْعُ إذْنَهَا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِلتُّهْمَةِ ، وَوُجُوبِ الضَّمَانِ لِصِيَانَةِ الْمَحَلِّ عَنْ الِابْتِذَالِ ، وَالْحَاجَةُ إلَى الصِّيَانَةِ لَا تَنْعَدِمُ بِالْإِذْنِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ ، وَجَبَ الْمَهْرُ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11403_24880_11409_11347مَكَّنَتْ نَفْسَهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ حَتَّى وَطِئَهَا الزَّوْجُ ، وَلَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا مَالًا وَجَبَ الْمَالُ ، فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْوَجْهَيْنِ .
أَمَّا إذَا اسْتَكْرَهَهَا ، فَإِنَّهُ ظَالِمٌ ، وَحُرْمَةُ الظُّلْمِ حُرْمَةٌ بَاتَّةٌ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ إذْنَهَا لَغْوٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، ثُمَّ حُرْمَةُ الزِّنَا حُرْمَةٌ بَاتَّةٌ لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهَا ، وَلَمْ يَحِلَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَدْيَانِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَيْتَةِ ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ، فَتِلْكَ الْحُرْمَةُ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ لِوُجُودِ التَّنْصِيصِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الزِّنَا حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ ، وَبَذَلَ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوُقُوفِ عَلَى حَدِّ الدِّينِ بِالتَّحَرُّزِ عَنْ مُجَاوَزَتِهِ ، وَفِيمَا يُرَخَّصُ لَهُ فِيهِ ، وَهُوَ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الشِّرْكِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا ، فَمَا لَا رُخْصَةَ فِيهِ أَوْلَى ، وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10355_24882كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الزِّنَا بِحَبْسٍ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ; لِأَنَّ تَمَكُّنَ الشُّبْهَةِ بِاعْتِبَارِ الْإِلْجَاءِ ، وَبِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْجَاءُ فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ سَوَاءٌ . .