ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون
هذه نفخة البعث، و"الصور": القرن في قول جماعة المفسرين، وبذلك تواترت الأحاديث، وذهب إلى أنه جمع صورة، خرج مخرج بسر وبسرة، وكذلك قال سورة البناء جمعها سور، والمعنى عنده وعند من قال بقوله: نفخ في صور بني أبو عبيدة آدم فعادوا أحياء. و"الأجداث" القبور، وقرأ : "في الصور" بفتح الواو، جمع صورة. و"ينسلون": يمشون مشية الذئب بسرعة، ومنه قول الشاعر: الأعرج
عسلان الذئب أمسى قاربا ... برد الليل عليه فنسل
وقال رضي الله عنهما: "ينسلون": يخرجون، وقرأ الجمهور: بكسر السين، وضمها ابن عباس ابن أبي إسحق، . [ ص: 256 ] ونداؤهم الويل هو بمعنى: هذا وقتك وأوان حضورك، وهو منادى مضاف، ويحتمل أن يكون نصبه على المصدر والمنادى محذوف، كأنهم قالوا: "يا قومنا ويلنا"، وقرأ وأبو عمرو : "يا ويلتنا" بتاء التأنيث. وقرأ الجمهور: ابن أبي ليلى "من بعثنا" على معنى الاستفهام، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: أنهما قرآ: "من بعثنا" بكسر الميم من "من" وبسكون العين وكسر الثاء في" بعثنا" نصبا على المصدر، وفي قراءة وابن عباس : "من أهبنا من مرقدنا" وفي قراءة أبي: "من هبنا". قال ابن مسعود أبو الفتح: ولم أر لها في اللغة أصلا، ولا مر بنا "مهبوب"، ونسبها إلى أبو حاتم ، وقولهم: ابن مسعود "من مرقدنا" يحتمل أن يريدون من موضع الرقاد حقيقة، ويروى عن ، أبي بن كعب ، وقتادة أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر. ومجاهد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا غير صحيح الإسناد، وإنما الوجه في قولهم "من مرقدنا" أنها استعارة وتشبيه، كما تقول في قتيل: هذا مرقده إلى يوم القيامة، وفي أنهم قالوا: "من مرقدنا" لأن عذاب القبر كان كالرقاد في جنب ما صاروا إليه من عذاب جهنم. وقال الثعلبي : يجوز أن يكون "هذا" إشارة إلى المرقد، ثم استأنف بقوله: الزجاج ما وعد الرحمن ويضمر الخبر: "حق" أو نحوه، وقال الجمهور: ابتداء الكلام: هذا ما وعد الرحمن .
واختلف في هذه المقالة، من قالها؟ فقال : هي من قول الكفرة لما رأوا البعث والنشور الذي كانوا يكذبون به في الدنيا، وقالت فرقة: ذلك من قول الله تبارك وتعالى لهم على جهة التوبيخ والتوقيف، وقال ابن زيد : هو من قول الملائكة، وقال الفراء قتادة : هو من قول المؤمنين للكفار على جهة التقريع. ومجاهد
[ ص: 257 ] ثم أخبر تعالى أن أمر القيامة والبعث من القبور ما هو إلا صيحة واحدة فإذا الجميع حاضر محشور، وقرأت فرقة: "إلا صيحة" بالنصب، وفرقة بالرفع، وقد تقدم إعراب نظيرها.
وقوله: "فاليوم" نصب على الظرف، ويريد يوم الحشر المذكور وهذه مخاطبة يحتمل أن تكون لجميع العالم.