باب الرجل يطلق امرأته طلاقا بائنا ثم يقذفها
قال أصحابنا فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=12230_12378طلق امرأته ثلاثا ثم قذفها : " ( فعليه الحد ) وكذلك إن ولدت ولدا قبل انقضاء عدتها فنفى ولدها فعليه الحد والولد ولده .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : ( إذا بانت منه ثم أنكر حملها لاعنها إن كان حملها يشبه أن يكون منه ، وإن قذفها بعد الطلاق الثلاث وهي حامل مقر بحملها ثم زعم أنه رآها تزني قبل أن يقاذفها حد ولم يلاعن ، وإن أنكر حملها بعد أن يطلقها ثلاثا لاعنها ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : ( إذا أنكر حملها بعد البينونة لاعن ، ولو قذفها بالزنا بعد أن بانت منه وذكر أنه رأى عليها رجلا قبل فراقه إياها جلد الحد ولم يلاعن ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة : ( إذا ادعت المرأة حملا في عدتها وأنكر الذي يعتد منه لاعنها ، وإن كانت في غير عدة جلد وألحق به الولد ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : ( وإن كانت امرأة مغلوبة على عقلها فنفى زوجها ولدها التعن ووقعت الفرقة وانتفى الولد ، وإن ماتت المرأة قبل اللعان فطالب أبوها وأمها زوجها كان عليه أن يلتعن ، وإن ماتت ثم قذفها حد ولا لعان إلا أن ينفي به ولدا أو حملا فيلتعن ) .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم يقذفها قال : ( يحد ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : ( يلاعن ) .
وروى
الشيباني عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال : ( إن
nindex.php?page=treesubj&link=12195_12230_12302طلقها طلاقا بائنا فادعت حملا فانتفى منه يلاعنها ، إنما فر من اللعان ) . وروى
أشعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن مثله ولم يذكر الفرار ، وإن لم تكن حاملا جلد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري : ( إذا قذفها بعدما بانت منه جلد الحد ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : ( والولد ولده ) . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة
وكان ذلك حكما عاما في قاذف الزوجات والأجنبيات على ما بينا فيما سلف ، ثم نسخ منه قاذف الزوجات بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6والذين يرمون أزواجهم والبائنة ليست بزوجة ، فعلى الذي كان زوجها الحد إذا قذفها بظاهر قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ومن أوجب اللعان بعد البينونة وارتفاع الزوجية فقد نسخ من هذه الآية ما لم يرد توقيف بنسخه ، وغير جائز نسخ
[ ص: 143 ] القرآن إلا بتوقيف يوجب العلم . ومن جهة أخرى أنه لا مدخل للقياس في إثبات اللعان ؛ إذ كان اللعان حدا على ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى إثبات الحدود من طريق المقاييس وإنما طريقها التوقيف أو الاتفاق .
وأيضا لم يختلفوا أنه لو قذفها بغير ولد أن عليه الحد ولا لعان ، فثبت أنه غير داخل في الآية ولا مراد ، ؛ إذ ليس في الآية نفي الولد وإنما فيها ذكر القذف ، ونفي الولد مأخوذ من السنة ولم ترد السنة بإيجاب اللعان لنفي الولد بعد البينونة .
فإن قيل : إنما يلاعن بينهما لنفي الولد لأن ذلك حق للزوج ولا ينتفي منه إلا باللعان قياسا على حال بقاء الزوجية .
قيل له : هذا استعمال القياس في نسخ حكم الآية ، وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات فلا يجوز نسخ الآية بالقياس ؛ وأيضا لو جاز إيجاب اللعان لنفي الولد مع ارتفاع الزوجية لجاز إيجابه لزوال الحد عن الزوج بعد ارتفاع الزوجية ، فلما كان لو قذفها بغير ولد حد ولم يجب اللعان ليزول الحد لعدم الزوجية كذلك لا يجب اللعان لنفي الولد مع ارتفاع الزوجية .
فإن قيل : قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يا أيها النبي إذا طلقتم النساء وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فحكم تعالى بطلاق النساء ولم يمنع ذلك عندك من طلاقها بعد البينونة ما دامت في العدة ، فما أنكرت مثله في اللعان ؟ قيل له : هذا سؤال ساقط من وجوه :
أحدها : أن الله تعالى حين حكم بوقوع الطلاق على نساء المطلق لم ينف بذلك وقوعه على من ليست من نسائه بل ما عدا نساءه ، فحكمه موقوف على الدليل في وقوع طلاقه أو نفيه وقد قامت الدلالة على وقوعه في العدة ، وأما اللعان فإنه مخصوص بالزوجات ولأن من عدا الزوجات فالواجب فيهن الحد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات فكان موجب هذه الآية نافيا للعان ، ومن أوجبه وأسقط حكم الآية فقد نسخها بغير توقيف وذلك باطل ؛ ولذلك نفيناه إلا مع بقاء الزوجية .
وأيضا فإن الله تعالى من حيث حكم بطلاق النساء فقد حكم بطلاقهن بعد البينونة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فلا جناح عليهما فيما افتدت به ثم عطف عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=230فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فحكم بوقوع الطلاق بعد الفدية لأن ( الفاء ) للتعقيب ، وليس معك آية ولا سنة في إيجاب اللعان بعد البينونة . وأيضا فجائز إثبات الطلاق من طريق المقاييس بعد البينونة ، ولا يجوز إثبات اللعان بعد البينونة من طريق القياس ؛ لأنه حد لا مدخل للقياس في إثباته .
وأيضا فإن اللعان يوجب البينونة ولا يصح إثباتها بعد وقوع البينونة ، فلا معنى لإيجاب لعان
[ ص: 144 ] لا يتعلق به بينونة ؛ إذ كان موضوع اللعان لقطع الفراش وإيجاب البينونة ، فإذا لم يتعلق به ذلك فلا حكم له فجرى اللعان عندنا في هذا الوجه مجرى الكنايات الموضوعة للبينونة فلا يقع بها طلاق بعد ارتفاع الزوجية ، مثل قوله : أنت خلية وبائن وبتة ونحوها ، فلما لم يجز أن يلحقها حكم هذه الكنايات بعد البينونة وجب أن يكون ذلك حكم اللعان في انتفاء حكمه بعد وقوع الفرقة وارتفاع الزوجية ، وليس كذلك حكم صريح الطلاق ؛ إذ ليس شرطه ارتفاع البينونة ، ألا ترى أن الطلاق تثبت معه الرجعة في العدة ولو طلق الثانية بعد الأولى في العدة لم يكن في الثانية تأثير في بينونة ولا تحريم ؟ وإنما أوجب نقصان العدد فلذلك جاز أن يلحقها الطلاق في العدة بعد البينونة لنقصان العدد لا لإيجاب تحريم ولا لبينونة . وأيضا فليس يجوز أن يكون وقوع الطلاق أصلا لوجوب اللعان ؛ لأن الصغيرة والمجنونة يلحقهما الطلاق ولا لعان بينهما وبين أزواجهما .
واختلف أهل العلم فيمن قذف امرأته ثم طلقها ثلاثا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد : " إذا بانت منه بعد القذف بطلاق أو غيره فلا حد عليه ولا لعان " ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : ( يلاعن ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح : ( إذا قذفها وهي حامل ثم ولدت ولدا قبل أن يلاعنها فماتت لزمه الولد وضرب الحد ، وإن لاعن الزوج ولم يلتعن المرأة حتى تموت ضرب الحد وتوارثا ، وإن طلقها وهي حامل وقد قذفها فوضعت حملها قبل أن يلاعنها لم يلاعن وضرب الحد ) . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قد بينا امتناع وجوب اللعان بعد البينونة ، ثم لا يخلو إذا لم يجب اللعان من أن لا يجب الحد على ما قال أصحابنا أو أن يجب الحد على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح ، وغير جائز إيجاب الحد إن لم يكن من الزوج إكذاب لنفسه ، وإنما سقط اللعان عنه من طريق الحكم وصار بمنزلتها لو صدقته على القذف لما سقط اللعان من جهة الحكم لا بإكذاب من الزوج لنفسه لم يجب الحد .
فإن قيل : لو قذفها وهي أجنبية ثم تزوجها لم تنتقل إلى اللعان ، كذلك إذا قذفها وهي زوجته ثم بانت لم يبطل اللعان قيل له : حال النكاح قد يجب فيها اللعان وقد يجب فيه الحد ، ألا ترى أنه لو أكذب نفسه وجب الحد في حال النكاح وغير حال النكاح لا يجب فيه اللعان بحال ؟
بَابُ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ يَقْذِفُهَا
قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=12230_12378طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَذَفَهَا : " ( فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ) وَكَذَلِكَ إِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَنَفَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ : ( إِذَا بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ أَنْكَرَ حَمْلَهَا لَاعَنَهَا إِنْ كَانَ حَمْلُهَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ، وَإِنْ قَذَفَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَهِيَ حَامِلٌ مُقِرٌّ بِحَمْلِهَا ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي قَبْلَ أَنْ يُقَاذِفَهَا حُدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ ، وَإِنْ أَنْكَرَ حَمْلَهَا بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لَاعَنَهَا ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15124اللَّيْثُ : ( إِذَا أَنْكَرَ حَمْلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَاعَنَ ، وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا بَعْدَ أَنْ بَانَتْ مِنْهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى عَلَيْهَا رَجُلًا قَبْلَ فِرَاقِهِ إِيَّاهَا جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْ ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16438ابْنُ شُبْرُمَةَ : ( إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ حَمْلًا فِي عِدَّتِهَا وَأَنْكَرَ الَّذِي يُعْتَدُّ مِنْهُ لَاعَنَهَا ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ عِدَّةٍ جُلِدَ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : ( وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً مَغْلُوبَةً عَلَى عَقْلِهَا فَنَفَى زَوْجُهَا وَلَدَهَا الْتَعَنَ وَوَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَانْتَفَى الْوَلَدُ ، وَإِنْ مَاتَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ اللِّعَانِ فَطَالَبَ أَبُوهَا وَأُمُّهَا زَوْجَهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَعِنَ ، وَإِنْ مَاتَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا حُدَّ وَلَا لِعَانَ إِلَّا أَنْ يَنْفِيَ بِهِ وَلَدًا أَوْ حَمْلًا فَيَلْتَعِنَ ) .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11867جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ يَقْذِفُهَا قَالَ : ( يُحَدُّ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ : ( يُلَاعِنُ ) .
وَرَوَى
الشَّيْبَانِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ قَالَ : ( إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=12195_12230_12302طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا فَادَّعَتْ حَمْلًا فَانْتَفَى مِنْهُ يُلَاعِنُهَا ، إِنَّمَا فَرَّ مِنَ اللِّعَانِ ) . وَرَوَى
أَشْعَثُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْفِرَارَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا جُلِدَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12354إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٌ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ : ( إِذَا قَذَفَهَا بَعْدَمَا بَانَتْ مِنْهُ جُلِدَ الْحَدَّ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٌ : ( وَالْوَلَدُ وَلَدُهُ ) . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً
وَكَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا فِي قَاذِفِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَجْنَبِيَّاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ ، ثُمَّ نُسِخَ مِنْهُ قَاذِفُ الزَّوْجَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَالْبَائِنَةُ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ ، فَعَلَى الَّذِي كَانَ زَوْجُهَا الْحَدُّ إِذَا قَذَفَهَا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ وَمَنْ أَوْجَبَ اللِّعَانَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَارْتِفَاعِ الزَّوْجِيَّةِ فَقَدْ نَسَخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا لَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ بِنَسْخِهِ ، وَغَيْرُ جَائِزٍ نَسْخُ
[ ص: 143 ] الْقُرْآنِ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ . وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي إِثْبَاتِ اللِّعَانِ ؛ إِذْ كَانَ اللِّعَانُ حَدًّا عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ الْحُدُودِ مِنْ طَرِيقِ الْمَقَايِيسِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ أَوِ الِاتِّفَاقُ .
وَأَيْضًا لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا بِغَيْرِ وَلَدٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَلَا لِعَانَ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْآيَةِ وَلَا مُرَادٍ ، ؛ إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ نَفْيُ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا فِيهَا ذِكْرُ الْقَذْفِ ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّنَّةِ وَلَمْ تَرِدِ السُّنَّةُ بِإِيجَابِ اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّمَا يُلَاعَنُ بَيْنَهُمَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ وَلَا يَنْتَفِي مِنْهُ إِلَّا بِاللِّعَانِ قِيَاسًا عَلَى حَالِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ .
قِيلَ لَهُ : هَذَا اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي نَسْخِ حُكْمِ الْآيَةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ فَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْآيَةِ بِالْقِيَاسِ ؛ وَأَيْضًا لَوْ جَازَ إِيجَابُ اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ مَعَ ارْتِفَاعِ الزَّوْجِيَّةِ لَجَازَ إِيجَابُهُ لِزَوَالِ الْحَدِّ عَنِ الزَّوْجِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الزَّوْجِيَّةِ ، فَلَمَّا كَانَ لَوْ قَذَفَهَا بِغَيْرِ وَلَدٍ حُدَّ وَلَمْ يَجِبِ اللِّعَانُ لِيَزُولَ الْحَدُّ لِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ كَذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ مَعَ ارْتِفَاعِ الزَّوْجِيَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=231وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَحَكَمَ تَعَالَى بِطَلَاقِ النِّسَاءِ وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ عِنْدَكَ مِنْ طَلَاقِهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، فَمَا أَنْكَرْتَ مِثْلَهُ فِي اللِّعَانِ ؟ قِيلَ لَهُ : هَذَا سُؤَالٌ سَاقِطٌ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ حَكَمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى نِسَاءِ الْمُطَلِّقِ لَمْ يَنْفِ بِذَلِكَ وُقُوعَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ بَلْ مَا عَدَا نِسَاءَهُ ، فَحُكْمُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ أَوْ نَفْيِهِ وَقَدْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُقُوعِهِ فِي الْعِدَّةِ ، وَأَمَّا اللِّعَانُ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالزَّوْجَاتِ وَلِأَنَّ مَنْ عَدَا الزَّوْجَاتِ فَالْوَاجِبُ فِيهِنَّ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ فَكَانَ مُوجِبُ هَذِهِ الْآيَةِ نَافِيًا لِلِّعَانِ ، وَمَنْ أَوْجَبَهُ وَأَسْقَطَ حُكْمَ الْآيَةِ فَقَدْ نَسَخَهَا بِغَيْرِ تَوْقِيفٍ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ وَلِذَلِكَ نَفَيْنَاهُ إِلَّا مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ حَكَمَ بِطَلَاقِ النِّسَاءِ فَقَدْ حَكَمَ بِطَلَاقِهِنَّ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=230فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَحَكَمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الْفِدْيَةِ لِأَنَّ ( الْفَاءَ ) لِلتَّعْقِيبِ ، وَلَيْسَ مَعَكَ آيَةٌ وَلَا سُنَّةٌ فِي إِيجَابِ اللِّعَانِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ . وَأَيْضًا فَجَائِزٌ إِثْبَاتُ الطَّلَاقِ مِنْ طَرِيقِ الْمَقَايِيسِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ، وَلَا يَجُوزُ إِثْبَاتُ اللِّعَانِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي إِثْبَاتِهِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللِّعَانَ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ وَلَا يَصِحُّ إِثْبَاتُهَا بَعْدَ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ ، فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ لِعَانٍ
[ ص: 144 ] لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَيْنُونَةٌ ؛ إِذْ كَانَ مَوْضُوعُ اللِّعَانِ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ وَإِيجَابِ الْبَيْنُونَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ ذَلِكَ فَلَا حُكْمَ لَهُ فَجَرَى اللِّعَانُ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْوَجْهِ مَجْرَى الْكِنَايَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْبَيْنُونَةِ فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الزَّوْجِيَّةِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ : أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَبَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَنَحْوُهَا ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْحَقَهَا حُكْمُ هَذِهِ الْكِنَايَاتِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَ اللِّعَانِ فِي انْتِفَاءِ حُكْمِهِ بَعْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَارْتِفَاعِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حُكْمُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ ؛ إِذْ لَيْسَ شَرْطُهُ ارْتِفَاعَ الْبَيْنُونَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ تَثْبُتُ مَعَهُ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ طَلَّقَ الثَّانِيَةَ بَعْدَ الْأُولَى فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَكُنْ فِي الثَّانِيَةِ تَأْثِيرٌ فِي بَيْنُونَةٍ وَلَا تَحْرِيمٍ ؟ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الْعَدَدِ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَلْحَقَهَا الطَّلَاقُ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لِنُقْصَانِ الْعَدَدِ لَا لِإِيجَابِ تَحْرِيمٍ وَلَا لِبَيْنُونَةٍ . وَأَيْضًا فَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ أَصْلًا لِوُجُوبِ اللِّعَانِ ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ وَالْمَجْنُونَةَ يَلْحَقُهُمَا الطَّلَاقُ وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِمَا .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14954وَأَبُو يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=15922وَزُفَرُ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ : " إِذَا بَانَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْقَذْفِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ " ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيِّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15124وَاللَّيْثُ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : ( يُلَاعِنُ ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14117الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ : ( إِذَا قَذَفَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ أَنْ يُلَاعِنَهَا فَمَاتَتْ لَزِمَهُ الْوَلَدُ وَضُرِبَ الْحَدَّ ، وَإِنْ لَاعَنَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَلْتَعِنِ الْمَرْأَةَ حَتَّى تَمُوتَ ضُرِبَ الْحَدَّ وَتَوَارَثَا ، وَإِنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَقَدْ قَذَفَهَا فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا قَبْلَ أَنْ يُلَاعِنَهَا لَمْ يُلَاعَنْ وَضُرِبَ الْحَدَّ ) . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : قَدْ بَيَّنَّا امْتِنَاعَ وُجُوبِ اللِّعَانِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إِذَا لَمْ يَجِبِ اللِّعَانُ مِنْ أَنْ لَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى مَا قَالَ أَصْحَابُنَا أَوْ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14117الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ ، وَغَيْرُ جَائِزٍ إِيجَابُ الْحَدِّ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الزَّوْجِ إِكْذَابٌ لِنَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ اللِّعَانُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصَارَ بِمَنْزِلَتِهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ عَلَى الْقَذْفِ لَمَا سَقَطَ اللِّعَانُ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ لَا بِإِكْذَابٍ مِنَ الزَّوْجِ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَنْتَقِلْ إِلَى اللِّعَانِ ، كَذَلِكَ إِذَا قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ بَانَتْ لَمْ يَبْطُلِ اللِّعَانُ قِيلَ لَهُ : حَالُ النِّكَاحِ قَدْ يَجِبُ فِيهَا اللِّعَانُ وَقَدْ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَجَبَ الْحَدُّ فِي حَالِ النِّكَاحِ وَغَيْرُ حَالِ النِّكَاحِ لَا يَجِبُ فِيهِ اللِّعَانُ بِحَالٍ ؟