الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : فكلوا منها يقتضي إيجاب الأكل منها ، إلا أن أهل العلم متفقون على أن الأكل منها غير واجب ، وجائز أن يكون مستحبا مندوبا إليه ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل من البدن التي ساقها في حجة الوداع ، وكان لا يأكل يوم الأضحى حتى يصلي صلاة العيد ثم يأكل من لحم أضحيته ، وقال صلى الله عليه وسلم : كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا وادخروا .

وروى أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن علقمة قال : بعث معي عبد الله بهديه فقلت له : ماذا تأمرني أن أصنع به ؟ قال : " إذا كان يوم عرفة فعرف به وإذا كان يوم النحر فانحره صواف فإذا وجب لجنبه فكل ثلثا وتصدق بثلث وابعث إلى أهل أخي ثلثا " .

وروى نافع عن ابن عمر ، كان يفتي في النسك والأضحية ثلث لك ولأهلك وثلث في جيرانك وثلث للمساكين " . وقال عبد الملك عن عطاء مثله ، قال : " وكل شيء من البدن واجبا كان أو تطوعا فهو بهذه المنزلة إلا ما كان من جزاء صيد أو فدية من صيام أو صدقة أو نسك أو نذر مسمى للمساكين " . وقد روى طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن مسعود قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق بثلثها ونأكل ثلثها ونعطي الجازر ثلثها ، والجازر غلط ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : لا تعط الجازر منها شيئا ، وجائز أن [ ص: 82 ] يكون الجازر صحيحا ، وإنما أمرنا بإعطائه من غير أجرة الجزارة ، وإنما نهى أن يعطى الجازر منها من أجرته . ولما ثبت جواز الأكل منها ، دل ذلك على جواز إعطائه الأغنياء ؛ لأن كل ما يجوز له أكله يجوز أن يعطي منه الغني كسائر أمواله .

وإنما قدروا الثلث للصدقة على وجه الاستحباب ؛ لأنه لما جاز له أن يأكل بعضه ويتصدق ببعضه ، ويهدي بعضه على غير وجه الصدقة كان الذي حصل للصدقة الثلث ، وقد قدمنا قبل ذلك أنه لما قال صلى الله عليه وسلم في لحوم الأضاحي : فكلوا وادخروا وقال الله تعالى : فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير حصل الثلث للصدقة . وقوله تعالى : فكلوا منها عطفا على البدن يقتضي عمومه جواز الأكل من بدن القران والتمتع لشمول اللفظ لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية