الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل وأما الماء المستعمل فإن أصحابنا والشافعي لا يجيزون الوضوء به على اختلاف منهم في الماء المستعمل ما هو . وقال مالك والثوري : ( يجوز الوضوء به ) على كراهة من مالك له . والدليل على صحة القول الأول ما روى أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة وتغتسل المرأة بفضل وضوء الرجل وليفترقا .

وفضل الطهور يتناول شيئين : ما يسيل من أعضاء المغتسل ، والآخر ما يبقى في الإناء بعد الغسل ؛ وعمومه ينتظمها فاقتضى ذلك النهي عن الوضوء بالماء المستعمل ؛ لأنه فضل طهور ؛ وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة .

وروى بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب . ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا بني عبد المطلب إن الله كره لكم غسالة أيدي الناس . وعن عمر أنه قال لأسلم حين أكل من تمر الصدقة ( أرأيت [ ص: 211 ] لو توضأ إنسان بماء أكنت شاربه ؟ ) فدل تشبيه الصدقة حين حرمها عليهم بغسالة أيدي الناس أن غسالة أيدي الناس لا يجوز استعمالها .

ومن جهة النظر أن الماء إذا أزيل به الحدث مشبه للماء الذي أزيل به النجاسة من حيث استباح الصلاة بهما فلما لم تجز الطهارة بالماء الذي أزيل به النجاسة كذلك ما أزيل به الحدث .

ومن جهة أخرى وهي أن الاستعمال قد أكسبه إضافة سلبه بها إطلاق الاسم ، فصار بمنزلة الماء الذي امتنع فيه إطلاق اسم الماء بمخالطة غيره له ، والمستعمل أولى بذلك من جهة ما تعلق به من الحكم في زوال الحدث أو حصول قربة .

فإن قيل : فلو استعمله للتبرد لم يمنع ذلك جواز استعماله للطهارة ، كذلك إذا استعمله للطهارة . قيل له : استعماله للتبرد لم يمنع إطلاق الاسم فيه ؛ إذ لم يتعلق به حكم ، فهو كاستعماله في غسل ثوب طاهر .

واحتج من أجاز ذلك بقوله تعالى : وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقوله وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به قال : فذلك يقتضي جواز الوضوء به من وجهين :

أحدهما : أنه لما لم يكن نجسا ولم تجاوره نجاسة وجب بقاؤه على الحال الأولى .

والثاني : أن قوله : طهورا يقتضي جواز التطهير به مرة بعد أخرى . فيقال له : إن بقاءه على الحالة الأولى بعد الطهارة هو موضع الخلاف ، وما ذكرت من العموم فإنما هو فيما لم يستعمل فيبقى على إطلاقه ، فأما ما يتناوله الاسم مقيدا فلم يتناوله العموم .

وأما قولك : ( إن كونه طهورا يقتضي جواز الطهارة به مرة بعد أخرى ) فليس كذلك ؛ لأن ذلك إنما يذكر على جهة المبالغة في الوصف له بالطهارة أو التطهير ولا دلالة فيه على التكرار ، كما يقال : " رجل ضروب بالسيف " ويراد المبالغة في الوصف بالضرب وليس المقتضى فيه تكرار الفعل ، ويقال : " رجل أكول " إذا كان يأكل كثيرا وإن كان كله في مجلس واحد ولا يراد به تكرار الأكل ؛ وقد بينا ذلك في مواضع أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية