ومن سورة الصف
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله - تعالى -
nindex.php?page=treesubj&link=30945_32215_34153_18470_30514_29032nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كبر مقتا عند الله أن تقولوا [ ص: 334 ] ما لا تفعلون قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : يحتج به في أن كل
nindex.php?page=treesubj&link=4160_4172_4226_4181من ألزم نفسه عبادة أو قربة وأوجب على نفسه عقدا لزمه الوفاء به ؛ إذ ترك الوفاء به يوجب أن يكون قائلا ما لا يفعل ، وقد ذم الله فاعل ذلك ، وهذا فيما لم يكن معصية ، فأما المعصية فإن إيجابها في القول لا يلزمه الوفاء بها . وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670036لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ، وإنما يلزم ذلك فيما عقده على نفسه مما يتقرب به إلى الله - عز وجل - مثل النذور وفي حقوق الآدميين العقود التي يتعاقدونها ، وكذلك الوعد بفعل يفعله في المستقبل ، وهو مباح ، فإن الأولى الوفاء به مع الإمكان فأما قول القائل : " إني سأفعل كذا " فإن ذلك مباح له على شريطة استثناء مشيئة الله - تعالى - وأن يكون في عقد ضميره الوفاء به ، ولا جائز له أن يعد وفي ضميره أن لا يفي به ؛ لأن ذلك هو المحظور الذي نهى الله عنه ومقت فاعله عليه ، وإن كان في عقد ضميره الوفاء به ولم يقرنه بالاستثناء فإن ذلك مكروه ؛ لأنه لا يدري هل يقع منه الوفاء به أم لا .
فغير جائز له إطلاق القول في مثله مع خوف إخلاف الوعد فيه وهو يدل على أن من قال : " إن فعلت كذا فأنا أحج أو أهدي أو أصوم " فإن ذلك بمنزلة الإيجاب بالنذر ؛ لأن ترك فعله يؤديه إلى أن يكون قائلا ما لم يفعل وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد : " أنها نزلت في قوم قالوا : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله - تعالى - لسارعنا إليه ، فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا عنه " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : " نزلت في قوم كانوا يقولون : جاهدنا وأبلينا ، ولم يفعلوا " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : " نزلت في المنافقين وسماهم بالإيمان لإظهارهم له " وقوله تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33ليظهره على الدين كله من دلائل النبوة لأنه أخبر بذلك والمسلمون في ضعف وقلة وحال خوف مستذلون مقهورون فكان مخبره على ما أخبره به ؛ لأن الأديان التي كانت في تلك الزمان اليهودية والنصرانية والمجوسية
والصابئة وعباد الأصنام من
السند وغيرهم فلم تبق من أهل هذه الأديان أمة إلا وقد ظهر عليهم المسلمون فقهروهم وغلبوهم على جميع بلادهم أو بعضها وشردوهم إلى أقاصي بلادهم فهذا هو مصداق هذه الآية التي وعد الله - تعالى - رسوله فيها إظهاره على جميع الأديان وقد علمنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله - عز وجل - ولا يوحي به إلا إلى رسله فهذه دلالة واضحة على
nindex.php?page=treesubj&link=29629صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن قيل كيف يكون ذلك إظهارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع الأديان ، وإنما حدث بعد موته ؟ قيل له إنما وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يظهر دينه على سائر الأديان ؛ لأنه قال
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله يعني دين
[ ص: 335 ] الحق وعلى أنه لو أراد رسوله لكان مستقيما ؛ لأنه إذا أظهر دينه ومن آمن به على سائر الأديان فجائز أن يقال قد أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم .
كما أن جيشا لو فتحوا بلدا عنوة جاز أن يقال إن الخليفة فتحه ، وإن لم يشهد القتال إذ كان بأمره وتجهيزه للجيش فعلوا وقوله تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=13وفتح قريب وهذا أيضا من دلائل النبوة لوعده من أمر بالنصر والفتح وقد وجد ذلك لمن آمن منهم ، والله الموفق . آخر سورة الصف .
وَمِنْ سُورَةِ الصَّفِّ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -
nindex.php?page=treesubj&link=30945_32215_34153_18470_30514_29032nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=3كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا [ ص: 334 ] مَا لا تَفْعَلُونَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : يُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ كُلَّ
nindex.php?page=treesubj&link=4160_4172_4226_4181مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ عِبَادَةً أَوْ قُرْبَةً وَأَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ عَقْدًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ ؛ إِذْ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِهِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَائِلًا مَا لَا يَفْعَلُ ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ فَاعِلَ ذَلِكَ ، وَهَذَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً ، فَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ فَإِنَّ إِيجَابَهَا فِي الْقَوْلِ لَا يُلْزِمُهُ الْوَفَاءَ بِهَا . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670036لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيمَا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِثْلُ النُّذُورِ وَفِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَدُونَهَا ، وَكَذَلِكَ الْوَعْدُ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَهُوَ مُبَاحٌ ، فَإِنَّ الْأَوْلَى الْوَفَاءُ بِهِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : " إِنِّي سَأَفْعَلُ كَذَا " فَإِنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ عَلَى شَرِيطَةِ اسْتِثْنَاءِ مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَنْ يَكُونَ فِي عَقْدِ ضَمِيرِهِ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَلَا جَائِزَ لَهُ أَنْ يَعِدَ وَفِي ضَمِيرِهِ أَنْ لَا يَفِيَ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَحْظُورُ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَمَقَتَ فَاعِلَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي عَقْدِ ضَمِيرِهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَمْ يَقْرِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَقَعُ مِنْهُ الْوَفَاءُ بِهِ أَمْ لَا .
فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ إِطْلَاقُ الْقَوْلِ فِي مِثْلِهِ مَعَ خَوْفِ إِخْلَافِ الْوَعْدِ فِيهِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ : " إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا أَحُجُّ أَوْ أُهْدِي أَوْ أَصُومُ " فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ بِالنَّذْرِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ فِعْلِهِ يُؤَدِّيهِ إِلَى أَنْ يَكُونَ قَائِلًا مَا لَمْ يَفْعَلْ وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ : " أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ قَالُوا : لَوْ عَلِمْنَا أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لَسَارَعْنَا إِلَيْهِ ، فَلَمَّا نَزَلَ فَرْضُ الْجِهَادِ تَثَاقَلُوا عَنْهُ " وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ : " نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَقُولُونَ : جَاهَدْنَا وَأَبْلَيْنَا ، وَلَمْ يَفْعَلُوا " وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ : " نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ وَسَمَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ لِإِظْهَارِهِمْ لَهُ " وَقَوْلُهُ تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي ضَعْفٍ وَقِلَّةٍ وَحَالِ خَوْفٍ مُسْتَذَلُّونَ مَقْهُورُونَ فَكَانَ مُخْبِرُهُ عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَدْيَانَ الَّتِي كَانَتْ فِي تِلْكَ الزَّمَانِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ
وَالصَّابِئَةُ وَعُبَّادُ الْأَصْنَامِ مِنَ
السِّنْدِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ تَبْقَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَدْيَانِ أُمَّةٌ إِلَّا وَقَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَهَرُوهُمْ وَغَلَبُوهُمْ عَلَى جَمِيعِ بِلَادِهِمْ أَوْ بَعْضِهَا وَشَرَّدُوهُمْ إِلَى أَقَاصِي بِلَادِهِمْ فَهَذَا هُوَ مِصْدَاقُ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ - تَعَالَى - رَسُولَهُ فِيهَا إِظْهَارَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْغَيْبَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَا يُوحِي بِهِ إِلَّا إِلَى رُسُلِهِ فَهَذِهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29629صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ إِظْهَارًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ ، وَإِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ قِيلَ لَهُ إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُظْهِرَ دِينَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يَعْنِي دِينَ
[ ص: 335 ] الْحَقِّ وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ رَسُولَهُ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَظْهَرَ دِينَهُ وَمَنْ آمَنَ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ قَدْ أَظْهَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
كَمَا أَنَّ جَيْشًا لَوْ فَتَحُوا بَلَدًا عَنْوَةً جَازَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْخَلِيفَةَ فَتَحَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدِ الْقِتَالَ إِذْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَتَجْهِيزِهِ لِلْجَيْشِ فَعَلُوا وَقَوْلُهُ تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=10هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=13وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِوَعْدِهِ مِنْ أَمْرٍ بِالنَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ . آخِرُ سُورَةِ الصَّفِّ .