أيضا : أن يجمعهما موقف ، إذ من مقاصد الاقتداء اجتماع جمع في مكان كما عهد عليه الجماعات في الأعصر الخالية ، ومبنى العبادات على رعاية الاتباع ، ولاجتماعهما أربعة أحوال : إما أن يكونا بمسجد أو غيره من فضاء أو بناء ، أو يكون أحدهما بمسجد والآخر بغيره ، وقد أخذ في بيان كل ، فقال ( وإذا جمعهما مسجد [ ص: 199 ] صح الاقتداء وإن بعدت المسافة ) بينهما فيه ( وحالت أبنية ) متنافذة أبوابها إليه أو إلى سطحه كما يفهمه كلامهما خلافا لما يفهمه كلام الأنوار ولو مغلقة غير مسمرة كبئر وسطح ومنارة داخلة فيه لأنه كله مبني للصلاة ، فالمجتمعون فيه مجتمعون لإقامة الجماعة مؤدون لشعارها ، والمساجد المتنافذة مثله في ذلك وإن انفرد كل منها بإمام ومؤذن وجماعة ، بخلاف ما إذا كان في بناء غير نافذ كأن سمر بابه وإن كان الاستطراق يمكن من فرجة من أعلاه فيما يظهر لأن المدار على الاستطراق العادي ، وكسطحه الذي ليس له مرقى ، أو حال بين جانبيه أو بين المسجد ورحبته ، أو بين المساجد المذكورة نهر أو طريق قديم بأن سبقا وجوده أو وجودها فلا يكون كالمسجد بل كمسجد وغيره وسيأتي . علم أنه يضر الشباك ، فلو وقف من ورائه بجدار المسجد ضر كما هو المنقول في ومن شروط القدوة الرافعي أخذا من شرطه كالروضة والمجموع وغيرهما تنافذ أبنية المسجد ، فقول الإسنوي لا يضر سهو كما قاله الحصني .
ومثل المسجد رحبته ، وهو ما كان خارجه محوطا عليه لأجله في الأصح ولم يعلم كونها شارعا قبل ذلك أو نحوه سواء أعلم وقفيتها مسجدا أم جهل أمرها عملا بالظاهر وهو التحويط عليها وإن كانت منتهكة غير محترمة كما اقتضاه كلامهما [ ص: 200 ] وجرى عليه بعض المتأخرين ، وخرج بالرحبة الحريم ، وهو الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب الماء وطرح القمامات فيه فليس له حكمه فيما مر ولا في غيره ، ويلزم الواقف تمييز الرحبة من الحريم كما قاله الزركشي لتعطى حكم المسجد ، ولو حال بين المسجدين أو المساجد أو المسجد نهر طارئ بأن حفر بعد حدوثها لم يخرجها عن كونها كمسجد واحد وكالنهر فيما ذكر الطريق .