ولما فرغ من الكلام على التخصيص أخذ في الكلام على المخصص - بكسر الصاد - وهو حقيقة : فاعل التخصيص الذي هو الإخراج ، ثم أطلق على إرادته الإخراج . لأنه إنما يخصص بالإرادة فأطلق على نفس الإرادة مخصصا ، حتى قال
الرازي وأتباعه : إن حقيقة التخصيص هو الإرادة . ( ويطلق ) المخصص ( مجازا على الدليل ) الدال على الإرادة ( وهو المراد هنا ) فإنه الشائع في الأصول حتى صار حقيقة عرفية ( وهو ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=21245_21244_21238_21174المخصص قسمان : قسم ( منفصل ) وهو ما يستقل بنفسه بأن لم يكن مرتبطا بكلام آخر ( ومنه ) أي ومن القسم المنفصل ( الحس ) نحو قوله سبحانه وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تدمر كل شيء بأمر ربها } وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57يجبى إليه ثمرات كل شيء } وقوله تعالى . {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء } . وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=42ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } والمراد بالحس المشاهدة . ونحن نشاهد أشياء كانت حين الريح لم تدمرها ولم تجعلها كالرميم ، كالجبال ونحوها ، ونعلم أن ما في أقصى المشرق والمغرب لم تجب إليه ثمراته ، وأن أشياء كثيرة لم تؤت منها
nindex.php?page=showalam&ids=149بلقيس في قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وأوتيت من كل شيء } . ثم هاهنا بحثان . الأول أن هذه الأمثلة : لا تتعين أن تكون من العام المخصوص بالحس ، فقد يدعى أنها من العام الذي أريد به الخصوص . الثاني : أن ما كان خارجا بالحس فقد يدعي أنه لم يدخل حتى يخرج ، كما يأتي نظيره في التخصيص بالعقل . ( و ) من التخصيص بالمنفصل أيضا ( العقل ) ضروريا كان أو نظريا . فمثال الضروري : نحو قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16الله خالق كل شيء } فإن العقل قاض بالضرورة أنه لم يخلق نفسه تعالى وتقدس . ومثال النظري : نحو قوله تعالى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ) فإن العقل بنظره اقتضى عدم دخول الطفل والمجنون بالتكليف بالحج ، لعدم فهمهما ، بل هما من جملة الغافلين الذين هم غير
[ ص: 391 ] مخاطبين بخطاب التكليف . وقال
البرماوي : منع كثير من العلماء أن ما خرج من الأفراد بالعقل من باب التخصيص ، وإنما العقل اقتضى عدم دخوله في لفظ العام .
وفرق بين عدم دخوله في لفظ العام ، وبين خروجه بعد أن دخل ، وهذا نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الرسالة ، فإنه قال في باب ما نزل من الكتاب عاما يراد به العام : إن من العام الذي لم يدخل خصوصه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16الله خالق كل شيء } {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها } . قال : فهذا عام لا خاص فيه ، فكل شيء من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك ، فإن الله تعالى خالقه ، وكل دابة فعلى الله رزقها ، ويعلم مستقرها ومستودعها . انتهى .
( و ) القسم الثاني من التخصيص ( متصل ) وهو ما لا يستقل بنفسه ، بل مرتبط بكلام آخر ( وهو ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=21177_21176_21175_21174المتصل ( أقسام ) أحدها ( استثناء متصل ) أما الاستثناء فمأخوذ من الثني ، وهو العطف ، من قوله : ثنيت الحبل أثنيه : إذا عطفت بعضه على بعض . وقيل : من ثنيته عن الشيء : إذا صرفته عنه ( وهو ) أي الاستثناء المتصل ( إخراج ما ) أي إخراج شيء ( لولاه ) أي لولا الاستثناء ( لوجب دخوله ) أي دخول ذلك الشيء ( لغة ) أي من جهة اللغة ، قال
الشيخ تقي الدين : هذا قول أصحابنا والأكثرين . فعلى هذا لا يصح
nindex.php?page=treesubj&link=21178_21176استثناء من النكرة . فلا يقال : جاءني رجال إلا زيدا ، لاحتمال أن لا يريد المتكلم دخوله حتى يخرجه . وقيل : إن الاستثناء إخراج ما لولاه لجاز دخوله . فعلى هذا . يصح الاستثناء من النكرة .
وسلمه
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل . وقال
ابن مالك : إن وصفت النكرة صح الاستثناء منها ، وإلا فلا . وقال
البرماوي : أما إذا أفاد الاستثناء من النكرة ، كاستثناء جزء مركب فيجوز ، نحو اشتريت عبدا إلا ربعه ، أو دارا إلا سقفها . فالاستثناء من النكرة إذا لم يفد لم يكن متصلا . ولا يكون منقطعا لأن شرطه أن لا يدخل في المستثنى منه قطعا . وقوله ( بإلا ) متعلق بإخراج ، يعني أن الإخراج يكون بإلا ( أو إحدى أخواتها ) أي أخوات " إلا " وأدوات الاستثناء المشهورة ثمانية ، منها : حروف باتفاق ، وهي " إلا " أو وحروف على الأصح ، وهي
[ ص: 392 ] حاشا " فإنها حرف عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه دائما . ويقال فيها . : حاش وحشا . ومنها ما هو فعل بالاتفاق ، كلا يكون ، أو فعل على الأصح ، وهي " ليس " . ومنها ما هو متردد بين الحرفية والفعلية بحسب الاستعمال ، فإن نصب ما بعده كان فعلا ، وإن جر ما بعده كان حرفا ، وهو " خلا " بالاتفاق ، و " عدا " عند غير
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه .
ومنها ما هو اسم ، وهو " غير " و " سوى " ويقال فيه " سوى " بضم السين ، و " سواء " بفتحها والمد ، وبكسرها والمد ، سواء قلنا هو ظرف ، أو يتصرف تصرف الأسماء . ثم يشترط لصحة الاستثناء : أن يكون المستثنى والمستثنى منه صادرين من متكلم واحد ; ليخرج ما لو قال الله سبحانه وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5اقتلوا المشركين } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {
إلا أهل الذمة } فإن ذلك استثناء منفصل لا متصل .
وقدم هذا القول في جمع الجوامع . وضعف
الصفي الهندي مقابله . ولهذا قال
الرافعي : لو قال زيد لعمرو لي عليك مائة ، فقال عمرو : إلا درهما ، لم يكن مقرا بما عدا المستثنى على الأصح ، وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس رضي الله تعالى عنه بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46732لا يختلى خلاه : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقيننا وبيوتنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر } فمؤول بأن
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس أراد أن يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستثناء خشية أن يسكت عنه ، اتكالا على فهم السامع ذلك بقرينة ، وفهم منه أنه يريد استثناءه ، ولأجل ذلك أعاد النبي صلى الله عليه وسلم . الاستثناء ، فقال " إلا الإذخر " ولم يكتف باستثناء
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس وهذا يرشد إلى اعتبار كونه من متكلم واحد . إذا تقرر هذا ( فلا يصح )
nindex.php?page=treesubj&link=21178_21176الاستثناء ( من نكرة ) كما تقدم الكلام عليه في الشرح ( ولا ) يصح الاستثناء أيضا ( من غير الجنس ) نحو : جاء القوم إلا حمارا ، لأن الحمار لم يدخل في القوم ، وكذا : له عندي مائة درهم إلا دينارا ، ونحوه ، وهذا هو الصحيح من الروايتين عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه ، واختيار الأكثر من أصحابنا وغيرهم ، وعنه رواية ثانية بصحة استثناء أحد النقدين من الآخر ، واختلف في مأخذ هذه الرواية ، فقيل : لأن النقدين كالجنس في الأشياء ، فكذا في الاستثناء ، وقيل : إن كل واحد
[ ص: 393 ] منهما يعبر به عن الآخر ، وقيل : إن القول بصحة ذلك استحسانا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رضي الله عنهما : يصح
nindex.php?page=treesubj&link=28361_21176الاستثناء من غير الجنس مطلقا ، لأنه ورد في الكتاب العزيز ولغة
العرب ، ووجه عدم صحة الاستثناء من غير الجنس الذي هو الصحيح من المذهب أن الاستثناء صرف اللفظ بحرفه عما يقتضيه لولاه . لأنه مأخوذ من الثني ، تقول : ثنيت فلانا عن رأيه ، وثنيت عنان دابتي ، ولأن الاستثناء إنما يصح لتعلقه بالأول ، لعدم استقلاله ، وإلا فيصح استثناء كل شيء من كل شيء ، لاشتراكهما في معنى عام ، ولأنه لو قال : جاء الناس إلا الكلاب وإلا الحمير ، عد قبيحا لغة وعرفا ، ولأنه تخصيص ، فلا يصح في غير داخل . وأورد عليه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=41إلا رمزا } ، {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } من علم إلا اتباع الظن " " من سلطان إلا أن دعوتكم " وقول
العرب ما بالدار أحد إلا زيد ، وما جاءني زيد إلا عمرو .
وأجيب بأن " إلا " في ذلك : بمعنى " لكن " عند النحاة ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة ، وقال : هو من قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وهو استدراك ، ولهذا لم يأت إلا بعد نفي ، أو بعد إثبات بعد جملة ( والمراد ) من . قول المقر ( بعشرة إلا ثلاثة سبعة و ) أداة الاستثناء وهي ( إلا ) في هذا المثال ( قرينة مخصصة )
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى التَّخْصِيصِ أَخَذَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُخَصِّصِ - بِكَسْرِ الصَّادِ - وَهُوَ حَقِيقَةً : فَاعِلُ التَّخْصِيصِ الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى إرَادَتهِ الْإِخْرَاجِ . لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَصَّصُ بِالْإِرَادَةِ فَأُطْلِقَ عَلَى نَفْسِ الْإِرَادَةِ مُخَصِّصًا ، حَتَّى قَالَ
الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ : إنَّ حَقِيقَةَ التَّخْصِيصِ هُوَ الْإِرَادَةُ . ( وَيُطْلَقُ ) الْمُخَصِّصُ ( مَجَازًا عَلَى الدَّلِيلِ ) الدَّالِّ عَلَى الْإِرَادَةِ ( وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ) فَإِنَّهُ الشَّائِعُ فِي الْأُصُولِ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً ( وَهُوَ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=21245_21244_21238_21174الْمُخَصِّصُ قِسْمَانِ : قِسْمٌ ( مُنْفَصِلٌ ) وَهُوَ مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا بِكَلَامٍ آخَرَ ( وَمِنْهُ ) أَيْ وَمِنْ الْقِسْمِ الْمُنْفَصِلِ ( الْحِسِّ ) نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } وقَوْله تَعَالَى . {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } . وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=42مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ } وَالْمُرَادُ بِالْحِسِّ الْمُشَاهَدَةُ . وَنَحْنُ نُشَاهِدُ أَشْيَاءَ كَانَتْ حِينَ الرِّيحِ لَمْ تُدَمِّرْهَا وَلَمْ تَجْعَلْهَا كَالرَّمِيمِ ، كَالْجِبَالِ وَنَحْوِهَا ، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَمْ تُجْبَ إلَيْهِ ثَمَرَاتُهُ ، وَأَنَّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ تُؤْتَ مِنْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=149بِلْقِيسُ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=23وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } . ثُمَّ هَاهُنَا بَحْثَانِ . الْأَوَّلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ : لَا تَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِالْحِسِّ ، فَقَدْ يُدَّعَى أَنَّهَا مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ . الثَّانِي : أَنَّ مَا كَانَ خَارِجًا بِالْحِسِّ فَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى يَخْرُجَ ، كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ . ( وَ ) مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْمُنْفَصِلِ أَيْضًا ( الْعَقْلُ ) ضَرُورِيًّا كَانَ أَوْ نَظَرِيًّا . فَمِثَالُ الضَّرُورِيِّ : نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } فَإِنَّ الْعَقْلَ قَاضٍ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ نَفْسَهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ . وَمِثَالُ النَّظَرِيِّ : نَحْوُ قَوْله تَعَالَى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } ) فَإِنَّ الْعَقْلَ بِنَظَرِهِ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ بِالتَّكْلِيفِ بِالْحَجِّ ، لِعَدَمِ فَهْمِهِمَا ، بَلْ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْغَافِلِينَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ
[ ص: 391 ] مُخَاطَبِينَ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ . وَقَالَ
الْبِرْمَاوِيُّ : مَنَعَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْأَفْرَادِ بِالْعَقْلِ مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِهِ فِي لَفْظِ الْعَامِّ .
وَفَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي لَفْظِ الْعَامِّ ، وَبَيْنَ خُرُوجِهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ ، وَهَذَا نَصُّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ مَا نَزَلَ مِنْ الْكِتَابِ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ : إنَّ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ خُصُوصُهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } . قَالَ : فَهَذَا عَامٌّ لَا خَاصٌّ فِيهِ ، فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ سَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَذِي رُوحٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُهُ ، وَكُلُّ دَابَّةٍ فَعَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا . انْتَهَى .
( وَ ) الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ التَّخْصِيصِ ( مُتَّصِلٌ ) وَهُوَ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ ، بَلْ مُرْتَبِطٌ بِكَلَامٍ آخَرَ ( وَهُوَ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=21177_21176_21175_21174الْمُتَّصِلُ ( أَقْسَامٌ ) أَحَدُهَا ( اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ ) أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَمَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ ، وَهُوَ الْعَطْفُ ، مِنْ قَوْلِهِ : ثَنَيْتُ الْحَبْلَ أُثْنِيه : إذَا عَطَفْت بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ . وَقِيلَ : مِنْ ثَنَّيْته عَنْ الشَّيْءِ : إذَا صَرَفْته عَنْهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ ( إخْرَاجُ مَا ) أَيْ إخْرَاجُ شَيْءٍ ( لَوْلَاهُ ) أَيْ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ ( لَوَجَبَ دُخُولُهُ ) أَيْ دُخُولُ ذَلِكَ الشَّيْءِ ( لُغَةً ) أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ ، قَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالْأَكْثَرِينَ . فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ
nindex.php?page=treesubj&link=21178_21176اسْتِثْنَاءٌ مِنْ النَّكِرَةِ . فَلَا يُقَالُ : جَاءَنِي رِجَالٌ إلَّا زَيْدًا ، لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ دُخُولَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ . وَقِيلَ : إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَجَازَ دُخُولُهُ . فَعَلَى هَذَا . يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّكِرَةِ .
وَسَلَّمَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي nindex.php?page=showalam&ids=13372وَابْنُ عَقِيلٍ . وَقَالَ
ابْنُ مَالِكٍ : إنْ وُصِفَتْ النَّكِرَةُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا ، وَإِلَّا فَلَا . وَقَالَ
الْبِرْمَاوِيُّ : أَمَّا إذَا أَفَادَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّكِرَةِ ، كَاسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مُرَكَّبٍ فَيَجُوزُ ، نَحْوُ اشْتَرَيْتُ عَبْدًا إلَّا رُبُعَهُ ، أَوْ دَارًا إلَّا سَقْفَهَا . فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّكِرَةِ إذَا لَمْ يُفِدْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا . وَلَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَطْعًا . وَقَوْلُهُ ( بِإِلَّا ) مُتَعَلِّقٌ بِإِخْرَاجٍ ، يَعْنِي أَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بِإِلَّا ( أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا ) أَيْ أَخَوَاتِ " إلَّا " وَأَدَوَاتُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَشْهُورَةُ ثَمَانِيَةٌ ، مِنْهَا : حُرُوفٌ بِاتِّفَاقٍ ، وَهِيَ " إلَّا " أَوْ وَحُرُوفٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَهِيَ
[ ص: 392 ] حَاشَا " فَإِنَّهَا حَرْفٌ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ دَائِمًا . وَيُقَالُ فِيهَا . : حَاشَ وَحَشَا . وَمِنْهَا مَا هُوَ فِعْلٌ بِالِاتِّفَاقِ ، كَلَا يَكُونُ ، أَوْ فِعْلٌ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَهِيَ " لَيْسَ " . وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَرْفِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ ، فَإِنْ نُصِبَ مَا بَعْدَهُ كَانَ فِعْلًا ، وَإِنْ جُرَّ مَا بَعْدَهُ كَانَ حَرْفًا ، وَهُوَ " خَلَا " بِالِاتِّفَاقِ ، وَ " عَدَا " عِنْدَ غَيْرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ .
وَمِنْهَا مَا هُوَ اسْمٌ ، وَهُوَ " غَيْرُ " وَ " سِوَى " وَيُقَالُ فِيهِ " سُوَى " بِضَمِّ السِّينِ ، وَ " سَوَاءً " بِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ ، وَبِكَسْرِهَا وَالْمَدِّ ، سَوَاءٌ قُلْنَا هُوَ ظَرْفٌ ، أَوْ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْأَسْمَاءِ . ثُمَّ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ : أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَادِرَيْنِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ ; لِيَخْرُجَ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ } فَإِنَّ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْفَصِلٌ لَا مُتَّصِلٌ .
وَقَدَّمَ هَذَا الْقَوْلَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ . وَضَعَّفَ
الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ مُقَابِلَهُ . وَلِهَذَا قَالَ
الرَّافِعِيُّ : لَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو لِي عَلَيْك مِائَةٌ ، فَقَالَ عَمْرٌو : إلَّا دِرْهَمًا ، لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْأَصَحِّ ، وَأَمَّا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46732لَا يُخْتَلَى خَلَاهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِنَا وَبُيُوتِنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إلَّا الْإِذْخِرَ } فَمُؤَوَّلٌ بِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسَ أَرَادَ أَنْ يُذَكِّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِثْنَاءِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ ، اتِّكَالًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ ، وَفَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُرِيدُ اسْتِثْنَاءَهُ ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَعَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . الِاسْتِثْنَاءِ ، فَقَالَ " إلَّا الْإِذْخِرَ " وَلَمْ يَكْتَفِ بِاسْتِثْنَاءِ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسِ وَهَذَا يُرْشِدُ إلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ . إذَا تَقَرَّرَ هَذَا ( فَلَا يَصِحُّ )
nindex.php?page=treesubj&link=21178_21176الِاسْتِثْنَاءُ ( مِنْ نَكِرَةٍ ) كَمَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ ( وَلَا ) يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا ( مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ ) نَحْوُ : جَاءَ الْقَوْمُ إلَّا حِمَارًا ، لِأَنَّ الْحِمَارَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَوْمِ ، وَكَذَا : لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا ، وَنَحْوُهُ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَاخْتِيَارُ الْأَكْثَرَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ، وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، فَقِيلَ : لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ كَالْجِنْسِ فِي الْأَشْيَاءِ ، فَكَذَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ ، وَقِيلَ : إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
[ ص: 393 ] مِنْهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْآخَرِ ، وَقِيلَ : إنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : يَصِحُّ
nindex.php?page=treesubj&link=28361_21176الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا ، لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلُغَةِ
الْعَرَبِ ، وَوَجْهُ عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَرْفُ اللَّفْظِ بِحَرْفِهِ عَمَّا يَقْتَضِيهِ لَوْلَاهُ . لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ ، تَقُولُ : ثَنَيْت فُلَانًا عَنْ رَأْيِهِ ، وَثَنَيْت عِنَانَ دَابَّتِي ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَوَّلِ ، لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ كُلِّ شَيْءِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنًى عَامٍّ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : جَاءَ النَّاسُ إلَّا الْكِلَابَ وَإِلَّا الْحَمِيرَ ، عُدَّ قَبِيحًا لُغَةً وَعُرْفًا ، وَلِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ ، فَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ دَاخِلٍ . وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=41إلَّا رَمْزًا } ، {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } مِنْ عِلْمٍ إلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ " " مِنْ سُلْطَانٍ إلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ " وَقَوْلُ
الْعَرَبِ مَا بِالدَّارِ أَحَدٌ إلَّا زَيْدٌ ، وَمَا جَاءَنِي زَيْدٌ إلَّا عَمْرٌو .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ " إلَّا " فِي ذَلِكَ : بِمَعْنَى " لَكِنْ " عِنْدَ النُّحَاةِ ، مِنْهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ nindex.php?page=showalam&ids=13436وَابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَقَالَ : هُوَ مِنْ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْتِ إلَّا بَعْدَ نَفْيٍ ، أَوْ بَعْدَ إثْبَاتٍ بَعْدَ جُمْلَةٍ ( وَالْمُرَادُ ) مِنْ . قَوْلِ الْمُقِرِّ ( بِعَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً سَبْعَةٌ وَ ) أَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ ( إلَّا ) فِي هَذَا الْمِثَالِ ( قَرِينَةٌ مُخَصِّصَةٌ )