( باب المبين ) من لفظ أو فعل ( يقابل المجمل ) فما تقدم للمجمل من تعريفات فخذ ضدها في المبين . فإن قلت : المجمل ما تردد بين محتملين فأكثر على السواء . فقل : المبين ما نص على معنى معين من غير إبهام . إن قلت : المجمل ما لا يفهم منه عند
[ ص: 435 ] الإطلاق معنى معين . فقل : المبين ما فهم منه عند الإطلاق معنى معين ، من نص أو ظهور بالوضع ، أو بعد البيان
nindex.php?page=treesubj&link=21364_21363 ( ويكون ) المبين ( في مفرد ومركب ) من الألفاظ ( و ) في ( فعل سبق إجماله أو لا ) يعني أو لم يسبق إجمال . فإن البيان من حيث هو يكون تارة ابتداء . ويكون تارة بعد الإجمال . وقد وقع هذا وهذا . وهو واضح القصد . قال العضد وقد يكون فيما لا يسبق فيه إجمال ، كمن يقول ابتداء : الله بكل شيء عليم ( والبيان ) الذي هو اسم مصدر بين ( يطلق على التبيين ) الذي هو مصدر بين ( وهو فعل المبين ، و ) يطلق أيضا ( على ما حصل به التبيين . وهو الدليل . و ) يطلق أيضا ( على متعلقه ) أي متعلق التبيين ( وهو المدلول ) أي المبين - بفتح المثناة من تحت - وعلى محله أيضا . إذا تقرر هذا ( ف ) البيان ( بنظر إلى ) الإطلاق ( الأول ) الذي هو التبيين ( إظهار المعنى ) أي معنى المبين ( للمخاطب ) وإيضاحه ومعناه
nindex.php?page=showalam&ids=11851لأبي الخطاب في التمهيد والواضح
nindex.php?page=showalam&ids=13372لابن عقيل . وقيل : إخراج المعنى من حيز الإشكال إلى حيز التجلي . وهو
للصيرفي . وتبعه عليه
إمام الحرمين ،
وأبو الطيب والآمدي nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب ، إلا أنهم زادوا " والوضوح " تأكيدا وتقريرا قال القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=14953أبو يعلى : هذا الحد [ غير ] تام . لأنه لا يدخل فيه إلا ما كان مشكلا . ثم أظهروا ما تبيينه ابتداء من القول ، كقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116هذا حلال وهذا حرام } فهذا لم يكن مشكلا . قال
ابن السمعاني : ربما ورد من الله تعالى بيان لما لم يخطر ببال أحد . وأيضا ففي التعبير بالحيز ، وهو حقيقة في الأجسام ، تجوز في إطلاقه في المعاني ، ونحوه التجلي ( و ) البيان بنظر ( إلى ) إطلاقه على ثان ، وهو ما حصل به التبيين ( الدليل ) قاله
التميمي وأكثر
الأشعرية والمعتزلة ، لصحة إطلاقه عليه لغة وعرفا ، مع عدم ما سبق . والأصل الحقيقة ( و ) البيان بنظر ( إلى ) إطلاقه على ( ثالث ) وهو متعلق التبيين ( العلم ) الحاصل ( عن دليل ) قاله
أبو عبد الله البصري وغيره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : جمهور الفقهاء قالوا : البيان إظهار المراد بالكلام الذي لا يفهم منه المراد إلا به ، قال
ابن السمعاني : وهو أحسن من جميع الحدود . قال
البرماوي : والعجب أنه أورد على
الصيرفي المبين ابتداء .
[ ص: 436 ] ولا شك في وروده هنا ، بل أولى . لأنه صرح بتقدم كلام لم يفهم المراد منه .
وأيضا البيان قد يرد على فعل ، ولا يسمى مثل ذلك كلاما ( ويجب ) البيان ( لما أريد فهمه ) من دلائل الأحكام . يعني إذا أريد بالخطاب إفهام المخاطب به ليعمل به وجب أن يبين له ذلك على حسب ما يراد بذلك الخطاب . لأن الفهم شرط للتكليف . فأما من لا يراد إفهامه ذلك فلا يجب البيان له بالاتفاق . ولهذا قال بعضهم : إنه لا يجب البيان في الخطاب إذا كان خبرا لا يتعلق به تكليف . وإنما يجب في التكاليف التي يحتاج إلى معرفتها
( بَابُ الْمُبَيَّنِ ) مِنْ لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ ( يُقَابِلُ الْمُجْمَلَ ) فَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُجْمَلِ مِنْ تَعْرِيفَاتٍ فَخُذْ ضِدَّهَا فِي الْمُبَيَّنِ . فَإِنْ قُلْتَ : الْمُجْمَلُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ . فَقُلْ : الْمُبَيَّنُ مَا نَصَّ عَلَى مَعْنًى مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ . إنْ قُلْتَ : الْمُجْمَلُ مَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ
[ ص: 435 ] الْإِطْلَاقِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ . فَقُلْ : الْمُبَيَّنُ مَا فُهِمَ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ ، مِنْ نَصٍّ أَوْ ظُهُورٍ بِالْوَضْعِ ، أَوْ بَعْدَ الْبَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=21364_21363 ( وَيَكُونُ ) الْمُبَيَّنُ ( فِي مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ ) مِنْ الْأَلْفَاظِ ( وَ ) فِي ( فِعْلٍ سَبَقَ إجْمَالُهُ أَوْ لَا ) يَعْنِي أَوْ لَمْ يَسْبِقْ إجْمَالٌ . فَإِنَّ الْبَيَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَكُونُ تَارَةً ابْتِدَاءً . وَيَكُونُ تَارَةً بَعْدَ الْإِجْمَالِ . وَقَدْ وَقَعَ هَذَا وَهَذَا . وَهُوَ وَاضِحُ الْقَصْدِ . قَالَ الْعَضُدُ وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا لَا يَسْبِقُ فِيهِ إجْمَالٌ ، كَمَنْ يَقُولُ ابْتِدَاءً : اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( وَالْبَيَانُ ) الَّذِي هُوَ اسْمُ مَصْدَرِ بَيَّنَ ( يُطْلَقُ عَلَى التَّبْيِينِ ) الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ بَيَّنَ ( وَهُوَ فِعْلُ الْمُبَيِّنِ ، وَ ) يُطْلَقُ أَيْضًا ( عَلَى مَا حَصَلَ بِهِ التَّبْيِينُ . وَهُوَ الدَّلِيلُ . وَ ) يُطْلَقُ أَيْضًا ( عَلَى مُتَعَلَّقِهِ ) أَيْ مُتَعَلَّقِ التَّبْيِينِ ( وَهُوَ الْمَدْلُولُ ) أَيْ الْمُبَيَّنِ - بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ - وَعَلَى مَحِلِّهِ أَيْضًا . إذَا تَقَرَّرَ هَذَا ( فَ ) الْبَيَانُ ( بِنَظَرٍ إلَى ) الْإِطْلَاقِ ( الْأَوَّلِ ) الَّذِي هُوَ التَّبْيِينُ ( إظْهَارُ الْمَعْنَى ) أَيْ مَعْنَى الْمُبَيَّنِ ( لِلْمُخَاطَبِ ) وَإِيضَاحُهُ وَمَعْنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11851لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَالْوَاضِحِ
nindex.php?page=showalam&ids=13372لِابْنِ عَقِيلٍ . وَقِيلَ : إخْرَاجُ الْمَعْنَى مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي . وَهُوَ
لَلصَّيْرَفِيِّ . وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ،
وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْآمِدِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12671وَابْنُ الْحَاجِبِ ، إلَّا أَنَّهُمْ زَادُوا " وَالْوُضُوحِ " تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا قَالَ الْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=14953أَبُو يَعْلَى : هَذَا الْحَدُّ [ غَيْرُ ] تَامٍّ . لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا مَا كَانَ مُشْكِلًا . ثُمَّ أَظْهَرُوا مَا تَبْيِينُهُ ابْتِدَاءً مِنْ الْقَوْلِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ } فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا . قَالَ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : رُبَّمَا وَرَدَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ لِمَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِ أَحَدٍ . وَأَيْضًا فَفِي التَّعْبِيرِ بِالْحَيِّزِ ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ ، تَجَوُّزٌ فِي إطْلَاقِهِ فِي الْمَعَانِي ، وَنَحْوُهُ التَّجَلِّي ( وَ ) الْبَيَانُ بِنَظَرٍ ( إلَى ) إطْلَاقِهِ عَلَى ثَانٍ ، وَهُوَ مَا حَصَلَ بِهِ التَّبْيِينُ ( الدَّلِيلُ ) قَالَهُ
التَّمِيمِيُّ وَأَكْثَرُ
الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ، لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ لُغَةً وَعُرْفًا ، مَعَ عَدَمِ مَا سَبَقَ . وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ ( وَ ) الْبَيَانُ بِنَظَرٍ ( إلَى ) إطْلَاقِهِ عَلَى ( ثَالِثٍ ) وَهُوَ مُتَعَلَّقُ التَّبْيِينِ ( الْعِلْمُ ) الْحَاصِلُ ( عَنْ دَلِيلٍ ) قَالَهُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ : جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَالُوا : الْبَيَانُ إظْهَارُ الْمُرَادِ بِالْكَلَامِ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ إلَّا بِهِ ، قَالَ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جَمِيعِ الْحُدُودِ . قَالَ
الْبِرْمَاوِيُّ : وَالْعَجَبُ أَنَّهُ أُورِدَ عَلَى
الصَّيْرَفِيِّ الْمُبَيَّنُ ابْتِدَاءً .
[ ص: 436 ] وَلَا شَكَّ فِي وُرُودِهِ هُنَا ، بَلْ أَوْلَى . لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِتَقَدُّمِ كَلَامٍ لَمْ يُفْهَمْ الْمُرَادُ مِنْهُ .
وَأَيْضًا الْبَيَانُ قَدْ يَرِدْ عَلَى فِعْلٍ ، وَلَا يُسَمَّى مِثْلُ ذَلِكَ كَلَامًا ( وَيَجِبُ ) الْبَيَانُ ( لِمَا أُرِيدَ فَهْمُهُ ) مِنْ دَلَائِلِ الْأَحْكَامِ . يَعْنِي إذَا أُرِيدَ بِالْخِطَابِ إفْهَامُ الْمُخَاطَبِ بِهِ لِيَعْمَلَ بِهِ وَجَبَ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يُرَادُ بِذَلِكَ الْخِطَابِ . لِأَنَّ الْفَهْمَ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ . فَأَمَّا مَنْ لَا يُرَادُ إفْهَامُهُ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْبَيَانُ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ . وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهُ لَا يَجِبُ الْبَيَانُ فِي الْخِطَابِ إذَا كَانَ خَبَرًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ . وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي التَّكَالِيفِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا