( باب القياس لغة : التقدير والمساواة ) لما فرغنا من المباحث المتعلقة بالكتاب والسنة والإجماع ، شرعنا في القياس ومباحثه وهو ميزان العقول قال الله تعالى " { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط    } فالقياس في اللغة : يدل على معنى التسوية على العموم ; لأنه نسبة ، وإضافة بين شيئين ولهذا يقال : فلان يقاس بفلان ولا يقاس بفلان ، أي يساوي فلانا ولا يساوي فلانا ( و ) أما  [ ص: 480 ] القياس ( شرعا ) أي في عرف الشرع فهو ( تسوية فرع بأصل في حكم من باب تخصيص الشيء ببعض مسمياته ) فهو حقيقة عرفية . مجاز لغوي قاله الطوفي  في شرحه وغيره ( و ) القياس ( اصطلاحا ) أي في اصطلاح الأصوليين علماء الشريعة ، ( رد فرع إلى أصل بعلة جامعة ) قاله  القاضي   وأبو الخطاب  وابن البناء  وفي التمهيد أيضا : تحصيل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علة الحكم واختاره أبو الحسين البصري  قال ابن مفلح    : ومراده تحصيل مثل حكم الأصل ، ومعناه في الواضح . وقال : إنه أسد ما رآه قال ابن مفلح    : لكن هو نتيجة القياس ، لا نفسه . انتهى . وذلك كرد النبيذ إلى الخمر في التحريم بعلة الإسكار ونعني بالرد : الإلحاق والتسوية بينهما في الحكم وللقياس تعاريف كثيرة غير ما ذكر أضربنا عن ذكرها خشية الإطالة ( ولم يرد بالحد قياس الدلالة . وهو الجمع بين أصل وفرع بدليل العلة ) كالجمع بين الخمر والنبيذ بالرائحة الدالة على الشدة المطربة ( ولا قياس العكس . وهو تحصيل نقيض حكم المعلوم في غيره ، لافتراقهما في علة الحكم ) مثل أن يقال : لما وجب الصوم في الاعتكاف بالنذر  وجب بغير نذر ، عكسه الصلاة لما لم تجب فيه بالنذر لم تجب بغير نذر . وقيل : بلى وقيل : ليسا بقياس . 
قال ابن حمدان  في المقنع وغيره : المحدود هنا هو قياس الطرد فقط وقال القاضي عضد الدين  وغيره : القياس المحدود هو قياس العلة . انتهى . وقال البرماوي    : في حجية قياس العكس  خلاف . وكلام  الشيخ أبي حامد  يقتضي المنع ، لكن الجمهور على خلافه قال  أبو إسحاق الشيرازي  في الملخص : اختلف أصحابنا في الاستدلال به على وجهين أصحهما - وهو المذهب - أنه يصح استدل به  الشافعي  في عدة مواضع . والدليل عليه : أن الاستدلال بالعكس استدلال بقياس مدلول على صحته بالعكس ، وإذا صح القياس في الطرد - وهو غير مدلول على صحته - فلأن يصح الاستدلال بالعكس - وهو قياس مدلول على صحته - أولى . قال البرماوي    : ويدل عليه أن الاستدلال به وقع في القرآن والسنة وفعل الصحابة فأما القرآن : فنحو قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا    } فدل على أنه ليس إله إلا الله  [ ص: 481 ] لعدم فساد السموات والأرض وكذلك قوله تعالى { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا    } ولا اختلاف فيه فدل على أن القرآن من عند الله بمقتضى قياس العكس وأما السنة : فكحديث { يأتي أحدنا شهوته ويؤجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام ؟ - يعني أكان يعاقب ؟ قالوا : نعم قال : فمه ؟   } فقاس وضعها في حلال فيؤجر على وضعها في حرام فيؤزر : بنقيض العلة . 
وأما الصحابة ، ففي الصحيحين عن  ابن مسعود  رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ، وقلت أنا : ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة   } وفي بعض أصول " مسلم " روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " قال : وقلت أنا من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة عليه ، لكن رواهما  مسلم  عن  جابر  مرفوعا فلا حاجة إلى القياس . ويجمع بين الروايتين : بأنه عند ذكر كل لفظ كان ناسيا للآخر . كما جمع به النووي  وظهر بذلك كله أنه حجة ، إلا أنه هل يسمى قياسا حقيقة أو مجازا ، أو لا يسمى قياسا أصلا ؟ ثلاثة أقوال أرجحها : الثاني . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					