فيما يشتمل على
nindex.php?page=treesubj&link=19152_28431أحكام الجدل ، وآدابه ، وحده ، وصفته . ثم ( الجدل ) في اللغة : اللدد في الخصومة والقدرة عليها - جادله ، فهو جدل - ككتف - ومجدل - كمنبر - ومجدال - كمحراب وجدلت الحبل - أجدله جدلا : كفتلته أفتله فتلا ، أي
[ ص: 578 ] فتلته فتلا محكما ، والجدالة الأرض . يقال : طعنه فجدله : أي رماه في الأرض ( وهو ) أي الجدل في اصطلاح الفقهاء ( فتل الخصم ) أي رده بالكلام ( عن قصده ) أي ما يقصده من نفي أو إثبات من حكم ( لطلب صحة قوله ) أي قول القائل له ( وإبطال ) قول ( غيره ) ( مأمور به ) خبر للمبتدإ الذي هو الجدل ( على وجه الإنصاف ، وإظهار الحق ) قال
أبو محمد الجوزي في الإيضاح : اعلم - وفقنا الله وإياك - أن معرفة هذا العلم لا يستغني عنها ناظر ، ولا يتمشى بدونها كلام مناظر ; لأن به تتبين صحة الدليل من فساده ، تحريرا وتقريرا . وتتضح الأسئلة الواردة من المردودة إجمالا وتفصيلا ، ولولاه لاشتبه التحقيق في المناظرة بالمكابرة ، ولو خلي كل مدع ومدعى ما يرومه على الوجه الذي يختار ، ولو مكن كل مانع من ممانعة ما يسمعه متى شاء : لأدى إلى الخبط وعدم الضبط .
وإنما المراسم الجدلية تفصل بين الحق والباطل وتبين المستقيم من السقيم فمن لم يحط بها علما كان في مناظراته كحاطب ليل ، ويدل عليه الاشتقاق . فإن الجدل من قولك : جدلت الحبل أجدله جدلا إذا فتلته فتلا محكما . وقال أيضا : أول ما تجب البداءة به : حسن القصد في إظهار الحق طلبا لما عند الله تعالى فإن آنس من نفسه الحيد عن الغرض الصحيح فليكفها بجهده ، فإن ملكها ، وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس ، وليتق السباب والمنافرة فإنهما يضعان القدر ، ويكسبان الوزر ، وإن زل خصمه فليوقفه على زلله ، غير مخجل له بالتشنيع عليه . فإن أصر أمسك ، إلا أن يكون ذلك الزلل مما يحاذر استقراره عند السامعين ، فينبههم على الصواب فيه بألطف الوجوه جمعا بين المصلحتين . انتهى .
ويدل على الأمر به القرآن قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125وجادلهم بالتي هي أحسن } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=46ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } ( وفعله الصحابة ) رضي الله تعالى عنهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=11كابن عباس لما جادل
الخوارج والحرورية ، ورجع منهم خلق كثير ( و ) فعله (
السلف ) أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=16673كعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فإنه جادل
الخوارج أيضا . ذكره
ابن كثير في تاريخه ( فأما ) إذا كان الجدل ( على وجه الغلبة والخصومة والغضب و ) وجه ( المراء وهو ) أي
[ ص: 579 ] المراء ( استخراج غضب المجادل : فمزيل عن طريق الحق ، وإليه انصرف النهي عن قيل وقال وفيه ) أي في المراء ( غلق باب الفائدة ، وفي المجالسة للمناصحة فتحه ) أي فتح باب الفائدة قال
nindex.php?page=showalam&ids=13841البربهاري وهو الحسن بن علي من أئمة أصحابنا المتقدمين - في كتاب شرح السنة له : واعلم أنه ليس في السنة قياس ولا يضرب لها الأمثال ، ولا يتبع فيها الأهواء ، بل هو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح ، ولا يقال : لم ؟ ولا كيف ؟ فالكلام والخصومة والجدال والمراء محدث ، يقدح الشك في القلب ، وإن أصاب صاحبه السنة والحق - إلى أن قال - وإذا سألك رجل عن مسألة في هذا الباب ، وهو مسترشد ، فكلمه وأرشده ، وإن جاءك يناظرك فاحذره فإن في المناظرة المراء والجدال والمغالبة والخصومة والغضب ، وقد نهيت عن جميع هذا ، وهو يزيل عن طريق الحق ، ولم يبلغنا عن أحد من فقهائنا وعلمائنا أنه جادل أو ناظر أو خاصم وقال أيضا : المجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة ، والمجالسة للمناظرة غلق باب الفائدة . انتهى .
فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19152_28431أَحْكَامِ الْجَدَلِ ، وَآدَابِهِ ، وَحَدِّهِ ، وَصِفَتِهِ . ثُمَّ ( الْجَدَلُ ) فِي اللُّغَةِ : اللَّدَدُ فِي الْخُصُومَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهَا - جَادَلَهُ ، فَهُوَ جَدِلٌ - كَكَتِفٍ - وَمِجْدَلٌ - كَمِنْبَرٍ - وَمِجْدَالٌ - كَمِحْرَابٍ وَجَدَلْتُ الْحَبْلَ - أَجْدِلُهُ جَدْلًا : كَفَتَلْتُهُ أَفْتِلُهُ فَتْلًا ، أَيْ
[ ص: 578 ] فَتَلْتُهُ فَتْلًا مُحْكَمًا ، وَالْجَدَالَةُ الْأَرْضُ . يُقَالُ : طَعَنَهُ فَجَدَّلَهُ : أَيْ رَمَاهُ فِي الْأَرْضِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْجَدَلُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ ( فَتْلُ الْخَصْمِ ) أَيْ رَدُّهُ بِالْكَلَامِ ( عَنْ قَصْدِهِ ) أَيْ مَا يَقْصِدُهُ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ مِنْ حُكْمٍ ( لِطَلَبِ صِحَّةِ قَوْلِهِ ) أَيْ قَوْلِ الْقَائِلِ لَهُ ( وَإِبْطَالِ ) قَوْلِ ( غَيْرِهِ ) ( مَأْمُورٌ بِهِ ) خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ الْجَدَلُ ( عَلَى وَجْهِ الْإِنْصَافِ ، وَإِظْهَارِ الْحَقِّ ) قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الْإِيضَاحِ : اعْلَمْ - وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا الْعِلْمِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا نَاظِرٌ ، وَلَا يَتَمَشَّى بِدُونِهَا كَلَامُ مُنَاظِرٍ ; لِأَنَّ بِهِ تَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الدَّلِيلِ مِنْ فَسَادِهِ ، تَحْرِيرًا وَتَقْرِيرًا . وَتَتَّضِحُ الْأَسْئِلَةُ الْوَارِدَةُ مِنْ الْمَرْدُودَةِ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا ، وَلَوْلَاهُ لَاشْتَبَهَ التَّحْقِيقُ فِي الْمُنَاظَرَةِ بِالْمُكَابَرَةِ ، وَلَوْ خُلِّيَ كُلُّ مُدَّعٍ وَمُدَّعَى مَا يَرُومُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَخْتَارُ ، وَلَوْ مُكِّنَ كُلُّ مَانِعٍ مِنْ مُمَانَعَةِ مَا يَسْمَعُهُ مَتَى شَاءَ : لَأَدَّى إلَى الْخَبْطِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ .
وَإِنَّمَا الْمَرَاسِمُ الْجَدَلِيَّةُ تَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَتُبَيِّنُ الْمُسْتَقِيمَ مِنْ السَّقِيمِ فَمَنْ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا كَانَ فِي مُنَاظَرَاتِهِ كَحَاطِبِ لَيْلٍ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الِاشْتِقَاقُ . فَإِنَّ الْجَدَلَ مِنْ قَوْلِك : جَدَلْتُ الْحَبْلَ أَجْدِلُهُ جَدْلًا إذَا فَتَلْته فَتْلًا مُحْكَمًا . وَقَالَ أَيْضًا : أَوَّلُ مَا تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِ : حُسْنُ الْقَصْدِ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ طَلَبًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ آنَسَ مِنْ نَفْسِهِ الْحَيْدَ عَنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ فَلْيَكُفَّهَا بِجَهْدِهِ ، فَإِنْ مَلَكَهَا ، وَإِلَّا فَلْيَتْرُكْ الْمُنَاظَرَةَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، وَلْيَتَّقِ السِّبَابَ وَالْمُنَافَرَةَ فَإِنَّهُمَا يَضَعَانِ الْقَدْرَ ، وَيُكْسِبَانِ الْوِزْرَ ، وَإِنْ زَلَّ خَصْمُهُ فَلْيُوقِفْهُ عَلَى زَلَلِهِ ، غَيْرَ مُخْجِلٍ لَهُ بِالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ . فَإِنْ أَصَرَّ أَمْسَكَ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الزَّلَلُ مِمَّا يُحَاذِرُ اسْتِقْرَارَهُ عِنْدَ السَّامِعِينَ ، فَيُنَبِّهُهُمْ عَلَى الصَّوَابِ فِيهِ بِأَلْطَفِ الْوُجُوهِ جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ . انْتَهَى .
وَيَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=46وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ( وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11كَابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا جَادَلَ
الْخَوَارِجَ وَالْحَرُورِيَّةَ ، وَرَجَعَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ ( وَ ) فَعَلَهُ (
السَّلَفُ ) أَيْضًا
nindex.php?page=showalam&ids=16673كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ جَادَلَ
الْخَوَارِجَ أَيْضًا . ذَكَرَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَارِيخِهِ ( فَأَمَّا ) إذَا كَانَ الْجَدَلُ ( عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ وَالْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ وَ ) وَجْهِ ( الْمِرَاءِ وَهُوَ ) أَيْ
[ ص: 579 ] الْمِرَاءُ ( اسْتِخْرَاجُ غَضَبِ الْمُجَادَلِ : فَمُزِيلٌ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَإِلَيْهِ انْصَرَفَ النَّهْيُ عَنْ قِيلَ وَقَالَ وَفِيهِ ) أَيْ فِي الْمِرَاءِ ( غَلْقُ بَابِ الْفَائِدَةِ ، وَفِي الْمُجَالَسَةِ لِلْمُنَاصَحَةِ فَتْحُهُ ) أَيْ فَتْحُ بَابِ الْفَائِدَةِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13841الْبَرْبَهَارِيُّ وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ - فِي كِتَابِ شَرْحِ السُّنَّةِ لَهُ : وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّنَّةِ قِيَاسٌ وَلَا يُضْرَبُ لَهَا الْأَمْثَالُ ، وَلَا يُتَّبَعُ فِيهَا الْأَهْوَاءُ ، بَلْ هُوَ التَّصْدِيقُ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا كَيْفَ وَلَا شَرْحٍ ، وَلَا يُقَالُ : لِمَ ؟ وَلَا كَيْفَ ؟ فَالْكَلَامُ وَالْخُصُومَةُ وَالْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ مُحْدَثٌ ، يَقْدَحُ الشَّكَّ فِي الْقَلْبِ ، وَإِنْ أَصَابَ صَاحِبُهُ السُّنَّةَ وَالْحَقَّ - إلَى أَنْ قَالَ - وَإِذَا سَأَلَك رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَهُوَ مُسْتَرْشِدٌ ، فَكَلِّمْهُ وَأَرْشِدْهُ ، وَإِنْ جَاءَك يُنَاظِرُك فَاحْذَرْهُ فَإِنَّ فِي الْمُنَاظَرَةِ الْمِرَاءَ وَالْجِدَالَ وَالْمُغَالَبَةَ وَالْخُصُومَةَ وَالْغَضَبَ ، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ جَمِيعِ هَذَا ، وَهُوَ يُزِيلُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَائِنَا وَعُلَمَائِنَا أَنَّهُ جَادَلَ أَوْ نَاظَرَ أَوْ خَاصَمَ وَقَالَ أَيْضًا : الْمُجَالَسَةُ لِلْمُنَاصَحَةِ فَتْحُ بَابِ الْفَائِدَةِ ، وَالْمُجَالَسَةُ لِلْمُنَاظَرَةِ غَلْقُ بَابِ الْفَائِدَةِ . انْتَهَى .