الفصل الرابع في الأسماء الشرعية 
الأسماء الشرعية    . 
قالت المعتزلة  والخوارج  وطائفة من الفقهاء : الأسماء لغوية ودينية وشرعية ; أما اللغوية فظاهرة ، وأما الدينية فما نقلته الشريعة إلى أصل الدين كلفظ 
الإيمان والكفر والفسق ، وأما الشرعية فكالصلاة والصوم والحج والزكاة ، واستدل  القاضي  على إفساد مذهبهم بمسلكين : 
الأول : أن هذه الألفاظ يشتمل عليها القرآن  [ ص: 183 ] والقرآن نزل بلغة العرب  قال الله تعالى : { إنا جعلناه قرآنا عربيا    } و { بلسان عربي مبين    } { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه    } ولو قال : أطعموا العلماء وأراد الفقراء لم يكن هذا بلسانهم ، وإن كان اللفظ المنقول عربيا ، فكذلك إذا نقل اللفظ عن موضوعه إلى غير موضوعه أو جعل عبارة عن بعض موضوعه أو متناولا لموضوعه وغير موضوعه فكل ذلك ليس من لسان العرب    . 
الثاني : أن الشارع لو فعل ذلك للزمه تعريف الأمة بالتوقيف نقل تلك الأسامي ، فإنه إذا خاطبهم بلغتهم لم يفهموا إلا موضوعها ، ولو ورد فيه توقيف لكان متواترا فإن الحجة لا تقوم بالآحاد ، احتجوا بقوله تعالى { وما كان الله ليضيع إيمانكم    } وأراد به الصلاة نحو بيت المقدس    { وقال صلى الله عليه وسلم : نهيت عن قتل المصلين   } وأراد به المؤمنين ، وهو خلاف اللغة . قلنا    : أراد بالإيمان التصديق بالصلاة والقبلة وأراد بالمصلين المصدقين بالصلاة ، وسمى التصديق بالصلاة صلاة على سبيل التجوز وعادة العرب  تسمية الشيء بما يتعلق به نوعا من التعلق والتجوز من نفس اللغة . احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : { الإيمان بضع وسبعون بابا أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق   } ، وتسمية الإماطة إيمانا خلاف الوضع . 
قلنا    : هذا من أخبار الآحاد فلا يثبت به مثل هذه القاعدة ، وإن ثبتت فهي دلالة الإيمان فيتجوز بتسميته إيمانا . احتجوا بأن الشرع وضع عبادات لم تكن معهودة فافتقرت إلى أسام وكان استعارتها من اللغة أقرب من نقلها من لغة أخرى أو إبداع أسام لها . قلنا    : لا نسلم أنه حدث في الشريعة عبادة لم يكن لها اسم في اللغة . فإن قيل : فالصلاة في اللغة ليست عبارة عن الركوع والسجود ولا الحج عبارة عن الطواف والسعي . قلنا  عنه جوابان : 
الأول : أنه ليس الصلاة في الشرع أيضا عبارة عنه بل الصلاة عبارة عن الدعاء كما في اللغة ، والحج عبارة عن القصد ، والصوم عبارة عن الإمساك ، والزكاة عبارة عن النمو ; لكن الشرع شرط في إجزاء هذه الأمور أمورا أخر تنضم إليها ، فشرط في الاعتداد بالدعاء الواجب انضمام الركوع والسجود إليه ، وفي قصد البيت  أن ينضم إليه الوقوف والطواف ، والاسم غير متناول له لكنه شرط الاعتداد بما ينطلق عليه الاسم ، فالشرع تصرف بوضع الشرط لا بتغير الوضع . 
الثاني : أنه يمكن أن يقال : سميت جميع الأفعال صلاة لكونها متبعا بها فعل الإمام ، فإن التالي للسابق في الخيل يسمى مصليا لكونه متبعا ، هذا كلام  القاضي  رحمه الله والمختار عندنا أنه لا سبيل إلى إنكار تصرف الشرع في هذه الأسامي ، ولا سبيل إلى دعوى كونها منقولة عن اللغة بالكلية كما ظنه قوم ، ولكن عرف اللغة تصرف في الأسامي من وجهين : 
أحدهما : التخصيص ببعض المسميات كما في الدابة فتصرف الشرع في الحج والصوم والإيمان من هذا الجنس إذ للشرع عرف في الاستعمال كما للعرب  
والثاني : في إطلاقهم الاسم على ما يتعلق به الشيء ويتصل به ، كتسميتهم الخمر محرمة والمحرم شربها والأم محرمة والمحرم وطؤها فتصرفه في الصلاة كذلك ; لأن الركوع والسجود شرطه الشرع في تمام الصلاة فشمله الاسم بعرف استعمال الشرع ، إذ إنكار كون الركوع والسجود ركن الصلاة ومن نفسها بعيد . 
فتسليم هذا القدر من التصرف بتعارف الاستعمال للشرع أهون من  [ ص: 184 ] إخراج السجود والركوع من نفس الصلاة ، وهو كالمهم المحتاج إليه ، إذ ما يصوره الشرع من العبادات ينبغي أن يكون لها أسام معروفة ولا يوجد ذلك في اللغة إلا بنوع تصرف فيه . وأما ما استدل به من أن القرآن عربي فهذا لا يخرج هذه الأسامي عن أن تكون عربية ولا يسلب اسم العربي عن القرآن ، فإنه لو اشتمل على مثل هذه الكلمات بالعجمية لكان لا يخرجه عن كونه عربيا أيضا كما ذكرناه في القطب الأول من الكتاب . 
وأما قوله : إنه كان يجب عليه التوقيف على تصرفه ، فهذا أيضا إنما يجب إذا لم يفهم مقصوده من هذه الألفاظ بالتكرير والقرائن مرة بعد أخرى ، فإذا فهم هذا فقد حصل الغرض ، فهذا أقرب عندنا مما ذكره  القاضي  رحمه الله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					