الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة : يجوز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس ويكون حجة وقال قوم : الخلق الكثير لا يتصور اتفاقهم في مظنة الظن ولو تصور لكان حجة ، وإليه ذهب ابن جرير الطبري وقال قوم : هو متصور وليس بحجة ; لأن القول بالاجتهاد يفتح باب الاجتهاد ولا يحرمه ، والمختار أنه متصور وأنه حجة .

              وقولهم : إن الخلق الكثير كيف يتفقون على حكم واحد في مظنة الظن ؟ قلنا : هذا إنما يستنكر فيما يتساوى فيه الاحتمال ، وأما الظن الأغلب فيميل إليه كل واحد ، فأي بعد في أن يتفقوا على أن النبيذ في معنى الخمر في الإسكار فهو في معناه في التحريم ؟ كيف وأكثر الإجماعات مستندة إلى عمومات وظواهر وأخبار آحاد صحت عند المحدثين ، والاحتمال يتطرق إليها ؟ كيف وقد أجمعوا على التوحيد والنبوة وفيهما من الشبه ما هو أعظم جدبا لأكثر الطباع من الاحتمال الذي في مقابلة الظن الأظهر ؟ وقد أجمعت على إبطال النبوة مذاهب باطلة ليس لها دليل قطعي ولا ظني ، فكيف لا يجوز الاتفاق على دليل ظاهر وظن غالب ويدل عليه جواز الاتفاق عن اجتهاد لا بطريق القياس كالاتفاق على جزاء الصيد ومقدار أرش الجناية وتقدير النفقة وعدالة الأئمة والقضاة وكل ذلك مظنون ، وإن لم يكن قياسا ؟ ولهم شبه

              الأولى : قولهم : كيف تتفق الأمة على اختلاف طباعها وتفاوت أفهامها في الذكاء والبلادة على مظنون ؟

              قلنا : إنما يمتنع مثل هذا الاتفاق في زمان واحد وساعة معينة ; لأنهم في مهلة النظر قد يختلفون ، أما في أزمنة متمادية فلا يبعد أن يسبق الأذكياء إلى الدلالة الظاهرة ويقررون ذلك عند ذوي البلادة فيقبلونه منهم ويساعدون عليه ، وأهل هذا المذهب قد جوزوا الإجماع على نفي القياس وإبطاله مع ظهور أدلة صحته ، فكيف يمتنع الإجماع على هذا ؟

              [ ص: 154 ] الشبهة الثانية : قولهم : كيف تجتمع الأمة على قياس وأصل القياس مختلف فيه ؟ قلنا : إنما يفرض ذلك من الصحابة وهم متفقون عليه والخلاف حدث بعدهم ، وإن فرض بعد حدوث الخلاف فيستند القائلون بالقياس إلى القياس والمنكرون له إلى اجتهاد ظنوا أنه ليس بقياس ، وهو على التحقيق قياس ; إذ قد يتوهم غير العموم عموما وغير الأمر أمرا وغير القياس قياسا ، وكذا عكسه .

              الشبهة الثالثة : قولهم : إن الخطأ في الاجتهاد جائز ، فكيف تجتمع الأمة على ما يجوز فيه الخطأ ؟ وربما قالوا : الإجماع منعقد على جواز مخالفة المجتهد ، فلو انعقد الإجماع عن قياس لحرمت المخالفة التي هي جائزة بالإجماع ولتناقض الإجماعان . قلنا : إنما يجوز الخطأ في اجتهاد ينفرد به الآحاد ، أما اجتهاد الأمة المعصومة فلا يحتمل الخطأ كاجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقياسه فإنه لا يجوز خلافه لثبوت عصمته ، فكذا عصمة الأمة من غير فرق .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية