الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة مطلق الأمر يقتضي الفور عند قوم

              مطلق الأمر يقتضي الفور عند قوم ، ولا يقتضيه عند قوم ، وتوقف فيه من الواقفية قوم . ثم منهم من قال : التوقف في المؤخر هل هو ممتثل أم لا أما المبادر فممتثل قطعا ، ومنهم من غلا وقال : يتوقف في المبادر أيضا . ، والمختار أنه لا يقتضي إلا الامتثال ، ويستوي فيه البدار ، والتأخير ، وندل على بطلان الوقف أولا فنقول للمتوقف : المبادر ممتثل أم لا ؟ فإن توقفت فقد خالفت إجماع الأمة قبلك فإنهم متفقون على أن المسارع إلى الامتثال مبالغ في الطاعة مستوجب جميل الثناء ، والمأمور إذا قيل له : قم يعلم نفسه ممتثلا ، ولا يعد به مخطئا باتفاق أهل اللغة قبل ورود الشرع ; وقد أثنى الله تعالى على المسارعين فقال عز من قائل : { سارعوا إلى مغفرة من ربكم } وقال : { يسارعون في الخيرات ، وهم لها سابقون } ، وإذا بطل هذا التوقف فنقول : لا معنى للتوقف في المؤخر لأن قوله : " اغسل هذا الثوب " مثلا لا يقتضي إلا طلب الغسل ، والزمان من ضرورة الغسل كالمكان ، وكالشخص في القتل ، والضرب ، والسوط ، والسيف في الضرب ، ثم لا يقتضي الأمر بالضرب مضروبا مخصوصا ، ولا سوطا ، ولا مكانا للأمر ، فكذلك الزمان ; لأن اللافظ ساكت عن التعرض للزمان ، والمكان فهما سيان ، ويعتضد هذا بطريق ضرب المثال لا بطريق القياس بصدق الوعد إذا قال : " اغسل ، واقتل " فإنه صادق بادر أو أخر ، ولو حلف لأدخلن الدار لم يلزمه البدار .

              وتحقيقه أن مدعي الفور متحكم ، وهو محتاج إلى أن ينقل عن أهل اللغة أن قولهم : افعل للبدار ، ولا سبيل إلى نقل ذلك لا تواترا ، ولا آحادا ، ولهم شبهتان .

              الأولى : أن الأمر للوجوب ، وفي تجويز التأخير ما ينافي الوجوب إما بالتوسع ، وإما بالتخيير في فعل لا بعينه من جملة الأفعال الواقعة في الأوقات ، والتوسع ، والتخيير كلاهما يناقض الوجوب . قلنا : قد بينا في القطب الأول أن الواجب المخير ، والموسع جائز ، ويدل عليه أنه لو صرح وقال : " اغسل الثوب أي وقت شئت فقد أوجبته عليك " لم يتناقض . ثم لا نسلم أن الأمر للوجوب ، ولو كان للوجوب إما بنفسه أو بقرينة فالتوسع لا ينافيه كما سبق .

              الشبهة الثانية : أن الأمر يقتضي وجوب الفعل ، واعتقاد الوجوب ، والعزم على الامتثال ثم وجوب الاعتقاد ، والعزم على الفور ، فليكن كذلك الفعل . قلنا القياس باطل في اللغات ، ثم هو منقوض بقوله : " افعل أي وقت شئت " فإن الاعتقاد ، والعزم فيه على الفور دون الفعل . ثم نقول : وجوب الفور في العزم والاعتقاد معلوم بقرينة ، وأدلة دلت على التصديق للشارع ، والعزم على الانقياد له ، ولم يحصل ذلك بمجرد الصيغة .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية