مسألة [ ] وأما ظهوره بالفعل وحده بأن يتفق أهل الحل والعقد على عمل ، ولم يصدر منهم قول ، فاختلفوا على مذاهب . أحدها : أنه كفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ; لأن العصمة تابعة لإجماعهم كثبوتها للشارع ، فكانت أفعالهم كأفعاله ، وقطع به ظهور الإجماع بالفعل وسكوت الآخرين عليه وغيره ، وقال في المنخول " : إنه المختار ، وقال الشيخ أبو إسحاق أبو الحسين في المعتمد " : يجوز اتفاقهم على القول والفعل والرضى ، ويخبرون عن الرضى في أنفسهم ، فيدل على حسن ما رضوا به ، وقد يجمعون على ترك الفعل ، وترك الفعل يدل على أنه واجب ويجوز أن ما تركوه مندوب إليه ; لأن تركه غير محظور ، وتابعه في المحصول " . [ ص: 476 ] والمذهب الثاني : المنع ، ونقله إمام الحرمين عن القاضي ، قال : بل ربما أنكر تصوره ، إذ لا يتصور تواطؤ قوم لا يحصون عددا على فعل واحد من غير أرب ، فالتواطؤ عليه غير ممكن . نعم ، آحادهم يرتكبون ذلك في أوقات متغايرة ، وذلك لا يعد توافقا أصلا ، فإن تكلف متكلف تصوره في مجلس واحد ، فلا احتفال به لإمكان أن يختص به ، وليس في نفس الفعل دلالة على انتسابه إلى الشرع ، والقول مصرح بانتسابه إلى الشرع ، فإذن ليس في الفعل دلالة على كونه صوابا . ا هـ .
واعلم أن الذي رأيته في التقريب " للقاضي التصريح بالجواز ، فقال : كل ما أجمعت الأمة عليه يقع بوجهين : إما قول ، وإما فعل ، وكلاهما حجة . انتهى . والمذهب الثالث : قول إمام الحرمين بأنه يحمل على الإباحة ما لم تقم قرينة دالة على الندب أو الوجوب ، فإنا نعلم أن الواحد من التابعين لو باشر فعلا ، فروجع فيه ، فقال : كيف لا أفعله ، وقد فعله المهاجرون والأنصار قبل المشورة عليه ، والعادة أيضا تدل على مثل ذلك ، فإن الأمة إذا اتفقت على فعل ، وتكرر الفعل فيما بينهم ، فإن كان معصية اشتهر كونه معصية ، ولا يخفى ، قال إلكيا : والحق ما قاله ، فليلتحق بمسائل الإجماع ، وقال القرافي : إنه تفصيل حسن . والمذهب الرابع : قول ابن السمعاني : إن كل فعل خرج مخرج الحكم والبيان لا ينعقد به الإجماع ، كما أن ما لم يخرج من أفعال الرسول مخرج الشرع لا يثبت فيه الشرع ، وأما الذي خرج من الأفعال مخرج الحكم والبيان يصح أن ينعقد به الإجماع ; لأن الشرع يؤخذ من فعل الرسول عليه السلام ، كما يؤخذ من قوله ، ولا بد من مجيء التفصيل بين أن ينقرض العصر أو لا ، ومن اشترطه في القولي فهاهنا أولى . [ ص: 477 ]
مسألة : وقد يتركب من القول والفعل بأن يقول بعضهم : هذا مباح ، ويقدم الباقي على إباحته بالفعل ، فيعلم أنه إجماع منهم ، وإن كان بعضهم قائلا ، وبعضهم فاعلا ، قاله . تنبيه : إذا القاضي عبد الوهاب ؟ توقف بعضهم فيها من جهة النقل ، والذي يقتضيه قياس المذهب أن حكمه حكم الفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم ; لأنا قد أمرنا باتباعهم ، كما أمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم . فعل أهل الإجماع فعلا ، ولم يعلم أنهم فعلوه على وجه الوجوب أو الندب . فعلام يحمل