الموطن الثاني في أن صدق الخبر وكذبه بماذا يكونان  ؟ اعلم أنه لا يعرف صدق الخبر وكذبه بنفس الخبر ، وإنما يعرف بدليل يضاف إليه ، والمشهور على القول بعدم الواسطة أن صدق الخبر مطابقته للواقع ، سواء وافق الاعتقاد أم لا ، وكذبه عدم مطابقته ، وعن صورة الجهل احترز النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { من كذب علي متعمدا   } ، الحديث . وقال  النظام    : صدقه مطابقته لاعتقاد المخبر ، سواء وافق الواقع أم لا ، واحتج عليه بوجهين : الأول : أن من اعتقد شيئا فأخبر به ، ثم ظهر على خلاف الواقع ، يقال له : ما كذب ، ولكن أخطأ ، كما روي عن  عائشة  فيمن شأنه كذلك ، ورد بأن المنفي تعمد الكذب ، لا الكذب مطلقا . الثاني في قوله تعالى : { والله يشهد إن المنافقين لكاذبون    } كذبهم في قولهم : { إنك لرسول الله    } مع كونه مطابقا للواقع ; لأنهم لم يعتقدوه ، فلو كانت العبرة بما في نفس الأمر لم يكذبهم ، وأجيب بأن المعنى : لكاذبون في الشهادة ; لأنها تتضمن التصديق بالقلب ، فهي إخبار عن اعتقادهم ، وهو غير  [ ص: 82 ] موجود ، أو كاذبون في تسميتهم إخبارهم شهادة ; لأن الإخبار إذا خلا عن مواطأة القلب لم يكن في الحقيقة شهادة ، أو لكاذبون في المشهود به في زعمهم ; لاعتقادهم أنه خبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه ; لأنهم كانوا يعتقدون أنه غير مطابق للواقع ، فيكون كذبا عندهم ، وقد يقال : إن المنافقين كانوا يعلمون نبوة الرسول ، وإنما ينكرونها بألسنتهم ، واحتج  القاضي أبو بكر  للمشهور ب { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد    } ولقد علم أن القائلين لذلك غير عالمين بأنه تعالى ليس ما أخبروا عنه ، فدل على أن التكذيب باعتبار الواقع ، وأصرح منها قوله : { وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين    } فإنه يدل على أن الاعتبار في الكذب بالمطابقة الخارجية ، أو بها مع الاعتقاد . 
				
						
						
