[ ص: 148 ] فصل . في أنواعه النوع الأول مفهوم اللقب  
وهو تعليق الحكم بالاسم العلم ، نحو : قام زيد ، أو اسم نوع ، نحو : في الغنم زكاة ، فلا يدل على نفي الحكم عما عداه ، وقد نص عليه  الشافعي  ، كما قاله في " البرهان " ، وقال الأستاذ أبو إسحاق  لم يختلف قول  الشافعي  وأصحابه فيه . وخالف فيه أبو بكر الدقاق  ، وبه اشتهر ، وزعم ابن الرفعة  وغيره أنه لم يقل به من أصحابنا غيره ، وليس كذلك ، فقد قال سليم  في " التقريب " : ثار إليه الدقاق  وغيره من أصحابنا ، ورأيت في كتاب  ابن فورك  حكايته عن بعض أصحابنا ، ثم قال : وهو الأصح . وقال إلكيا الطبري  في " التلويح " : إن  أبا بكر بن فورك  كان يميل إليه ، ويقول : إنه الأظهر والأقيس . وحكاه السهيلي  في " نتائج الفكر " عن  أبي بكر الصيرفي  ، ولعله تحرف عليه بالدقاق  ، ونقله عبد العزيز  في التحقيق عن  أبي حامد المروزي  ، والمعروف عن  أبي حامد المروزي  إنكار القول بالمفهوم مطلقا .  [ ص: 149 ] وقال إمام الحرمين  في أوائل المفهوم في " البرهان " : ما صار إليه الدقاق  صار إليه طوائف من أصحابنا ، ونقله أبو الخطاب الحنبلي  في " التمهيد " عن منصوص  أحمد    . قال : وبه قال  مالك  ،  وداود  ، وبعض الشافعية . ا هـ . 
وقال المازري  أشير إلى  مالك  القول به لاستدلاله في " المدونة " على عدم إجزاء الأضحية إذا ذبحت ليلا بقوله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات    } قال : فذكر الأيام ولم يذكر الليالي ، ونقل القول به عن ابن خويز منداد  ، والباجي  ، وابن القصار    . وحكى ابن برهان  في " الوجيز " قولا ثالثا عن بعض علمائنا ، وهو الفرق بين أسماء الأنواع فيدل على نفيه عما عداه ، نحو : في السود من النعم الزكاة ، وبين أسماء الأشخاص ، إلا أن مدلول أسماء الأنواع أكثر ، وهما في الدلالة متساويان . وحكى ابن حمدان  ، وأبو يعلى  من الحنابلة قولا رابعا ، وهو الفرق بين أن تدل قرينة فيكون حجة ، كقوله : { جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا   } إذ قرينة الامتنان تقتضي الحصر فيه . 
قال إمام الحرمين    : وقد سفه الأصوليون الدقاق  ، ومن قال بمقالته ، وقالوا : هذا خروج عن حكم اللسان ، فإن من قال : رأيت زيدا لم يقتض أنه لم ير غيره قطعا ، ولإجماع العلماء على جواز التعليل والقياس ، فهو يقتضي أن تخصيص الربا بالاسم لا يدل على نفيه عما عداه ، ولو قلنا به بطل القياس .  [ ص: 150 ] 
قال : وعندي أن المبالغة في الرد عليه سرف ، لأنه لا يظن بعاقل التخصيص بالذكر من غير غرض . ثم اختار إمام الحرمين  أن التخصيص بالاسم يتضمن غرضا مبهما ، ولا يتعين انتفاء غير المذكور . 
ثم قال : وأنا أقول وراء ذلك ، لا يجوز أن يكون من غرض المتكلم في التخصيص نفي ما عدا المسمى بلقبه ، فإن الإنسان لا يقول : رأيت زيدا ، وهو يريد الإشعار بأنه لم ير غيره . فإن هو أراد ذلك قال : إنما رأيت زيدا ، وما رأيت إلا زيدا ، وحاصله أن التخصيص باللقب يتضمن غرضا مبهما ، ولا يتضمن انتفاء الحكم في المسكوت . والدقاق  يقول : يتضمن غرضا معينا . واختار الغزالي  في " المنخول " أنه حجة مع قرائن الأحوال . قال : ولهذا رددنا على ابن الماجشون  في تعليله تخصيص الأربعة في الربا بالذكر ، حيث علل الربا بالمالية العامة ، إن قلنا : لم تكن الأشياء الأربعة غالب ما يعامل به ، وكان [ الحجاز  مصب التجار ] في الأعصار الخالية ، فلو ارتبط الحكم بالمالية لكان التنصيص عليها أسهل من التخصيص ، كما في العارية { على اليد ما أخذت حتى تؤديه   } فكان هذا مأخوذا من قرائن الأحوال مع التخصيص باللقب . وهاهنا أمور مهمة : أحدها : أن الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني  قال في كتابه " شرح الترتيب " : إن أبا عبد الله البصري  ألزم الدقاق  ذلك في مجلس النظر فالتزمه . 
قال : وكنا نكلمه في هذا في الدرس ، فألزمناه أنه إذا قال له : صم ، يجب  [ ص: 151 ] أن يدل على منع الصلاة . وإذا قال : صل ، يجب أن يمتنع من الصوم والزكاة والحج وغيرها من العبادات . فقال كذلك أقول . فقلنا : إذا قال لواحد من جملة القوم : يا زيد تعال ، ينبغي أن لا يجوز للباقين أن يأتوه . قال : كذلك أقول : فقلنا : إذا وصلنا إلى هذا سقط الكلام . قال الأستاذ    : وهذا الذي ركبه خلاف الإجماع ، وليس مما يتخالج لقبوله في القلوب وجه عند العقلاء ألبتة . قال : ولو تصور دليل الخطاب لم يصر إلى ذلك ، ثم ذكر أن صورته أن يذكر الشيء بلفظه العام مقيدا بأحد أوصافه ، نحو : اقتل أهل الكتاب  اليهود  منهم . 
قال : وكان الدقاق  إذا جرى له كلام في مثله يذكره في مجلس الدرس ، ويعيده ، ويتحجج له ، وينصره ، ورأيناه كأنه استحى من هذا القول الذي ركبه في دليل الخطاب ، فلم نره عاد إليه أو تكلم به في كتاب . ا هـ . وهذا يدل على رجوع الدقاق  عن هذا الرأي أو توقفه فيه . وليس ما ألزم به الدقاق  بعجيب ، لأنه يقول : أقول بذلك ما لم يقم دليل النطق بخلافه . 
الأمر الثاني : إطلاق أن مفهوم اللقب ليس بحجة مطلقا قد استشكل ، فإن أصحابنا قد قالوا به في مواضع واحتجوا به كاحتجاجهم في تعيين الماء في إزالة النجاسة بحديث : ( حتيه ثم اقرصيه بالماء ) . وعلى تعيين التراب بالتيمم بقوله : ( وتربتها طهورا ) . والحق أن ذلك ليس من اللقب ، بل من قاعدة أخرى ، وهي أنه متى انتقل من الاسم العام إلى الخاص أفاد المخالفة ، فلما ترك الاسم العام وهو الأرض إلى الخاص وهو التراب ، جعل دليلا . وأما في الاسم فلأن امتثال المأمور لا يحصل إلا بالمعين . وقال في " شرح الإلمام " : الأمر إذا تعلق بشيء بعينه لا يقع الامتثال إلا بذلك الشيء ، لأنه قبل فعله لم يأت بما أمر به ، فلا يخرج عن العهدة ، وسواء كان الذي تناوله الأمر صفة أو لقبا عندنا لما ذكرناه من توقف الامتثال عليه  [ ص: 152 ] وكان بعض أصحابنا قد اعترض في مسألة تعيين الماء في النجاسة بقوله عليه السلام : ( اغسليه بالماء ) بأنه حكم علق بلقب ، ومفهوم اللقب ليس بحجة . فيقال عليه : متعلق الأمر لا بد له منه لضرورة الامتثال ، ولا نظر هنا لكونه لقبا أو صفة ، وإنما يفرق بينهما في محل الحكم ، وهو الدم مثلا . فلا يقال : إنه يدل على أن غير الدم يجوز غسله بغير الماء ، عملا بالمفهوم ، لأن الدم لقب لا يدل على انتفاء الحكم عما عداه . ا هـ . 
وقال الشريف المرتضى  في " الذريعة " : احتجوا على أن غير الماء لا يطهر بقوله تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء طهورا    } . فنقول : الحكم غير الماء ، وهو متعلق بالاسم لا بالصفة ، ويمكن أن يكون من استدل بهذا إنما عول على أن الاسم يجري فيها مجرى الصفة ، لأن مطلق الاسم الماء ، يخالف اتصافه ، فأجري مجرى كون الإبل سائمة أو عاملة . والتحقيق أن يقال : إنه ليس بحجة ، إذا لم يوجد فيه رائحة التعليل ، فإن وجد كان حجة ، وقد أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد  ، فقال في قوله : ( إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد  فلا يمنعها ) يحتج به على أن الزوج يمنع امرأته من الخروج إلا بإذنه ، لأجل تخصيص النهي بالخروج للمساجد ، فيقتضي بمفهومه جواز المنع في غير المساجد ، ولا يقال : إنه مفهوم لقب ، لأن التعليل هنا موجود ; وهو أن المسجد فيه معنى مناسب وهو محل العبادة ، فلا يمنع من التعبد ، فلا يكون ذلك من مفهوم اللقب . [ ص: 153 ] 
قلت    : ولهذا ينفصل الجواب عن استدلالهم بالحديثين السابقين ، فإن في اختصاص إزالة النجاسة بالماء والتيمم بالتراب معنى لا يوجد في غيرهما . 
وقال الإبياري    : ظن قوم أن المنفي مأخوذ من المفهوم وهو غلط . فإذا قال لوكيله : بع غانما ، لا يتمكن من بيع سالم ، لا لأجل النص على بيع غانم ، ولكنه لا يبيع إلا بإذن ، والحجر سابق ، والإذن قاصر ، فيبقى الحجر على ما كان عليه في غير محل الإذن . 
قلت : قال الأصحاب : لو قال لوكيله : بع هذا من زيد ، تعين عليه بيعه منه . فلا يبيعه من غيره ، لأنه قد يكون للموكل غرض في تخصيصه ، لكون ماله أقرب إلى الحل ونحوه . ففيه رائحة التعليل ، فلهذا قلنا به . ولهذا قال الماوردي    : لو مات ذلك الشخص المعين بطلت الوكالة ، بخلاف ما لو امتنع من الشراء فإنه يجوز أن يرغب بعد ذلك . ولو أوصى بأن تباع العين الفلانية من زيد  ، فإن كانت محاباة صح ، وتعينت لأنه قربة ، وإن لم تكن محاباة فوجهان : أصحهما المنع ، لأنه لا قربة حينئذ . ولو قالت المرأة للأولياء غير المجبرين : رضيت بأن أزوج من فلان  ، فالصحيح أنه يكتفى به ، ولكل منهم تزويجها منه ، فلو عينت بعد ذلك واحدا ، فهل ينعزل الآخرون ؟ وجهان ، الصحيح عدم الانعزال . قال الرافعي    : وبناه بعضهم على أن المفهوم هل هو حجة أم لا  ؟ ولو قال اليهودي : عيسى  رسول الله حكم بإسلامه ، ذكره الرافعي  في كتاب الردة . 
قال : لأن المسلم لو جحد نبوته كفر . وحكاه الإمام  في كتاب الكفارات عن المحققين . قال الرافعي  ثم : والمشهور عند الجمهور خلافه ، وفي هذا نفي القول بمفهوم اللقب .  [ ص: 154 ] 
الثالث : قال ابن الحاج  في تعليقه على " المستصفى " : ينبغي تحقق المراد باللقب . وليس المراد به المرتجل فقط ، بل المرتجل والمنقول من الصفات . وقد جعل الغزالي  منه : لا تبيعوا الطعام بالطعام ، لأن الطعام لقب لجنسه ، وإن كان مشتقا مما يطعم إذ لا يدرك فرق بين قوله : في الغنم زكاة ، وفي الماشية زكاة ، وإن كانت " الماشية " مشتقة . ا هـ . وما ذكره الغزالي  من إلحاق الاسم المشتق الدال على الجنس باللقب تبعه عليه الآمدي  ، لأن الصفة فيه ليست متخيلة ، إذ الطعام لا يناسب حكم الربا . لكن قال  القاضي أبو الطيب    : يلحق بالصفة الصريحة وجها واحدا ، لأن المشتق يتضمن صفة . وجزم به سليم  في " التقريب " ، وجعل الآمدي  اسم الجنس والعلم من باب مفهوم اللقب . قال : لتخصيص الربويات الستة بتحريم التفاضل ، وقولنا : زيد عالم . وقال القرافي    : قال التبريزي    : اللقب كالأعلام ، وألحق بها أسماء الأجناس . قال : وغيره أطلق في الجميع ، كأنه يشير للآمدي    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					