الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      تنبيه ( الحرمة ليست ملازمة للذم ) الحرمة ليست ملازمة للذم والإثم لا طردا ولا عكسا ، فقد يأثم الإنسان على ما ليس بحرام ، كما إذا قدم على زوجه يظنها أجنبية ، وقد يحرم ما ليس فيه إثم ، كما إذا قدم على أجنبية يظنها زوجته . وتحقيق ذلك : أن الحل والحرمة تابعان لمقاصد الشريعة ، والله تعالى أحل الأبضاع ، والأموال ، والأزواج في أحوال بشروط ، وحرمها بدون ذلك ، غير أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، جعل الإثم يتوقف على العلم ، فإذا قدم العبد على فعل يعتقده حلالا وهو حرام لا إثم عليه تخفيفا على العبد ، وإذا أقدم على فعل يظنه حراما وهو حلال عاقبه على الجرأة ، فمعنى قولنا : هذا الفعل حرام أن الشارع له تشوف إلى تركه ، ومعنى قولنا : حلال خلاف ذلك . [ ص: 338 ] والحل والحرمة يطلقان تارة على ما فيه إثم وما ليس فيه ، وهو مراد الأصوليين بقولهم : الحرام ما يذم عليه ، وتارة على ما للشارع فيه تشوف إلى تركه ، ومنه قول أكثر الفقهاء ، وطء الشبهة ، أعني شبهة المحل حرام مع القطع بأنه لا إثم فيه ، ومنه قول الشيخ أبي حامد : أجمعوا على أن قتل الخطأ حرام ، وكذلك أكل الميتة في حال الاضطرار على رأي ، وهذا يمكن رد كلام الأصوليين إليه في حد الحرام بأنه ما يذم فاعله ، بأن يكون المراد يذم بالقوة . أو يكون المراد ، يذم بشرط العلم بحاله ، وإن استنكرت إطلاق الحرمة على كل من المعنيين ، فانظر إلى قول الأصوليين : لو اشتبهت المنكوحة بأجنبية حرمتا على معنى أنه يجب الكف عنهما .

                                                      وقوله : إذا قال : إحداكما طالق حرمتا تغليبا للحرمة ، فإحدى المرأتين في الفرعين حرام باعتبار الإثم على الجرأة ، وهي التي في علم الله أنها الزوجة في الأولى ، والتي سيعينها في الثانية ، والأخرى حرام باعتبار أنها أجنبية ، فقولهم : حرمتا على معنى أنه يأثم بالإقدام على كل منهما ، وقولهم : تغليبا للحرمة على المعنى الآخر ، فتأمل كيف أثبتوا التحرم للزوجة بالاعتبار الأول ، وصرفوه عنها بالاعتبار الثاني . وما ذكرناه ليس ذهابا إلى موافقة من يقول : الحل والحرمة يوصف بهما الذوات بل هو توسط . وتحقيقه : أن الحل والحرمة يوصف بهما ذوات الأفعال طابقت الاعتقاد أم لا . وهذا إذا تبين لك في الحرام نقلته إلى بقية الأحكام الخمسة .

                                                      وانظر قول البيضاوي : قال الفقهاء : يجب الصوم على الحائض ، والمريض ، والمسافر ، فرب واجب يأثم الإنسان بتركه باعتبار ظنه ، ويكون في [ ص: 339 ] نفس الأمر حراما ، وبالعكس . قال الشيخ أبو حامد فيمن صلى وهو يظن أنه متطهر : لقي الله وعليه تلك الصلاة غير أنه لا يعاقبه ، فهذا ترك الواجب ولا عقاب عليه ; لأنه ترك الواجب باعتبار الوجوب بمعنى تشوف الشارع ، ولم يتركه بمعنى التكليف .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية