[ ص: 186 ] فصل في عدالة الصحابة  وما ذكره مما سبق من شرط البحث عن العدالة في الراوي إنما هو في غير الصحابة ، فأما فيهم فلا ، فإن الأصل فيهم العدالة عندنا ، لقوله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس    } وفي الصحيح : { خير القرون قرني   } . فتقبل روايتهم من غير بحث عن أحوالهم . قال القاضي    : هو قول السلف  ، وجمهور السلف  ، وقال إمام الحرمين    : بالإجماع . قال : ولعل السبب فيه أنهم نقلة الشريعة ، ولو ثبت توقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصر الرسول عليه السلام ، ولما استرسلت على سائر الأعصار ، وقال إلكيا الطبري    : وعليه كافة أصحابنا . وأما ما وقع بينهم من الحروب والفتن فتلك أمور مبنية على الاجتهاد ،  [ ص: 187 ] وكل مجتهد مصيب ، أو المصيب واحد ، والمخطئ معذور ، بل ومأجور ، وكما قال  عمر بن عبد العزيز    : تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا نخضب بها ألسنتنا . قال الصيرفي  ،  والقاضي أبو الطيب  ،  والشيخ أبو إسحاق  وغيرهم : وأما أمر أبي بكرة  وأصحابه ، فلما نقص العدد أجراهم  عمر    ( رضي الله عنه ) مجرى القذفة ، وحده لأبي بكرة  بالتأويل ، ولا يوجب ذلك تفسيقا ; لأنهم جاءوا مجيء الشهادة ، وليس بصريح في القذف ، وقد اختلفوا في وجوب الحد فيه ، وسوغ فيه الاجتهاد ، ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد . ومن الناس من يزعم أن حكمهم في العدالة كحكم غيرهم . فيجب البحث عنها ، وهو قضية كلام أبي الحسين بن القطان  من أصحابنا ، فإنه قال : وحشي  قتل  حمزة  ، وله صحبة . والوليد  شرب الخمر . قلنا : من ظهر منه خلاف العدالة لم يقع عليه اسم الصحبة . والوليد  ليس  [ ص: 188 ] بصحابي ; لأن الصحابة إنما هم الذين كانوا على الطريقة . ا هـ . 
وهو غريب فقد ذكرهما المحدثون في كتب الصحابة . وقيل : حكمهم العدالة قبل الفتن لا بعدها ، فيجب البحث عنهم ، وقيل : عدول إلا من قاتل  عليا    . فلا تقبل روايته ولا شهادته ، وقيل به في الفريق الآخر . وقيل : الحديث بالعدالة يختص بمن اشتهر منهم ، والباقون كسائر الناس ، منهم عدول وغير عدول . وكل هذه الأقوال باطلة . والصحيح الأول وعليه جمهور السلف  والخلف ، ومن الفوائد ما قاله الحافظ جمال الدين المزي    : إنه لم توجد رواية عمن يلمز بالنفاق من الصحابة . وقال المازري    : العدالة لمن اشتهر منهم بالصحبة دون من قلت صحبته ، أو كان له مجرد الرؤية ، فقال : لا نعني بالعدل كل من رآه اتفاقا أو زاره لماما ، أو ألم به ، وانصرف من قريب ، لكن إنما نريد به الصحابة الذين لازموه ، وعزروه ونصروه ، واتبعوا النور الذي أنزل معه ، وهذا قول غريب ، يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة  كوائل بن حجر  ، ومالك بن الحويرث  ،  وعثمان بن أبي العاص  ،  [ ص: 189 ] وأمثالهم ، ممن وفد عليه صلى الله عليه وسلم ، ولم يقم إلا أياما قلائل ، ثم انصرف ، وكذلك من لم يعرف إلا برواية الواحد أو الاثنين ، فالقول بالتعميم هو الصواب كما هو قضية إطلاق الجمهور . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					