وها هنا ثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) أنكر جماعة من الفقهاء دخول قالوا : لأنه إن اعتقد [ ص: 215 ] الوجوب فقد ترك الندب فلم يجمع بين المذهبين ، بل هذا مذهب الورع في مسح الشافعي مثلا جميع رأسه فقط ، وإن لم يعتقد الوجوب لم يجزه المسح إلا بنية الندب فما حصل الجمع بين المذهبين ، وكذلك المالكي إذا بسمل ، وكل موضع اختلف فيه على هذا النحو يوردون فيه هذا السؤال ، وليس بوارد بسبب أنا نقول : يعتقد في مسح رأسه كله الندب على رأي مالك والوجوب على رأي الشافعي وليس في ذلك الجمع بين الضدين فإن الندب والوجوب والأحكام الشرعية أضداد لكن الجمع بين الضدين إنما يمتنع إذا اتحد المتعلق مع اتحاد المحل أما اتحاد المحل فقط فلا يمتنع الجمع ؛ لأن الصداقة ضد العداوة ، والبغضة ضد المحبة ، ويمكن أن يجتمع في القلب العداوة للكافرين ، والصداقة للمؤمنين [ ص: 216 ] والمحبة للصالحين ، والبغضة للطالحين بسبب أن متعلق أحد الضدين غير متعلق الآخر كذلك ها هنا اختلفت الإضافة فنقول : اعتقد هذا الفعل واجبا على مذهب مالك ، ومندوبا على مذهب مالك فيجمعهما في ذهنه باعتبار جهتين وإضافتين كما يصدق أن زيدا أب لعمرو ليس أبا لخالد فاجتمع فيه النقيضان باعتبار إضافتين ، وقد أجمع أرباب المعقول على أن من شروط التناقض والتضاد اتحاد الإضافة كما تقدم مثاله في الأبوة ، فإذا تعددت الإضافة اجتمع النقيضان والضدان ، وعلى هذا التقدير يجتمع في الذهن الواحد في الزمن الواحد في الفعل الواحد الوجوب والتحريم والكراهة والندب والإباحة باعتبار خمسة من العلماء القائلين بتلك الأحكام فعلى هذا التقدير تصورنا الجمع [ ص: 217 ] بين المذاهب على وجه يحصل الإجزاء والاستيفاء للمقاصد والورع والخروج عن العهدة من غير تناقض فتأمله فقد نازعني فيه جمع كثير من الفضلاء [ ص: 218 ] الشافعي