( الفرق الثاني والستون والمائتان بين
nindex.php?page=treesubj&link=19625_19626_19627قاعدة الرضا بالقضاء ، وبين قاعدة عدم الرضا بالمقضي ) اعلم أن كثيرا من الناس يلتبسان عليه فلا يفرق بين السخط بالقضاء وعدم الرضا به ، والسخط
[ ص: 229 ] بالمقضي وعدم الرضا به اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19627السخط بالقضاء حرام إجماعا والرضا بالقضاء واجب إجماعا بخلاف المقضي ، والفرق بين القضاء والمقضي والقدر والمقدور أن الطبيب إذا وصف للعليل دواء مرا ، أو قطع يده المتآكلة ، فإن قال : بئس ترتيب الطبيب ، ومعالجته ، وكان غير هذا يقوم مقامه مما هو أيسر منه فهو تسخط بقضاء الطبيب وأذية له ، وجناية عليه بحيث لو سمعه الطبيب كره ذلك وشق عليه ، وإن قال : هذا دواء مر قاسيت منه شدائد ، وقطع اليد حصل لي منها آلام عظيمة مبرحة فهذا تسخط بالمقضي الذي هو الدواء والقطع لا بالقضاء الذي هو ترتيب الطبيب ، ومعالجته فهذا ليس قدحا في الطبيب ، ولا يؤلمه إذا سمع ذلك بل يقول له : صدقت الأمر كذلك فعلى هذا إذا ابتلي الإنسان بمرض فتألم من المرض بمقتضى طبعه فهذا ليس عدم رضا بالقضاء بل عدم رضا بالمقضي ، وإن قال : أي شيء عملت حتى أصابني مثل هذا ، وما ذنبي وما كنت أستأهل هذا فهذا عدم رضا بالقضاء فنحن مأمورون بالرضا بالقضاء ، ولا نتعرض لجهة ربنا إلا بالإجلال والتعظيم ، ولا نعترض عليه في ملكه وأما أنا أمرنا بأن تطيب لنا البلايا والرزايا
[ ص: 230 ] ومؤلمات الحوادث فليس كذلك ، ولم ترد الشريعة بتكليف أحد بما ليس في طبعه ، ولم يؤمر الأرمد باستطابة الرمد المؤلم ، ولا غيره من المرض بل ذم الله قوما لا يتألمون ، ولا يجدون للبأساء وقعا فذمهم بقوله - تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } فمن لم يسكن ولم يذل للمؤلمات ويظهر الجزع منها ويسأل ربه إقالة العثرة منها فهو جبار عنيد بعيد عن طرق الخير فالمقضي والمقدور أثر القضاء والقدر فالواجب هو الرضا بالقضاء فقط أما المقضي فقد يكون الرضا به واجبا كالإيمان بالله - تعالى - والواجبات إذا قدرها الله - تعالى - للإنسان ، وقد يكون مندوبا في المندوبات وحراما في المحرمات والرضا بالكفر كفر ومباحا في المباحات ، وأما بالقضاء فواجب على الإطلاق من تفصيل فمن قضي عليه بالمعصية أو الكفر الواجب عليه أن يلاحظ جهة المعصية والكفر فيكرههما وأما قدر الله فيهما فالرضا به ليس إلا ومتى سخطه وسفه الربوبية في ذلك كان ذلك معصية أو كفرا منضما إلى معصيته وكفره على حسب حاله في ذلك فتأمل هذه الفروق ، وإذا وضحت لك فاعلم أن كثيرا من الناس يعتقد أن الرضا بالقضاء إنما يحصل من الأولياء وخاصة عباد الله - تعالى ؛ لأنه من العزيز الوجود ، وليس كذلك بل أكثر العوام من المؤمنين إنما يتألمون من المقضي فقط ، وأما التوجه إلى جهة الربوبية بالتجوير والقضاء بغير العدل ، فهذا لا يكاد يوجد إلا نادرا من الفجار والمردة وإنما يبعث
[ ص: 231 ] هؤلاء على قولهم : إن الرضا بالقضاء إنما يكون من جهة الأولياء خاصة أنهم يعتقدون أن الرضا بالقضاء هو الرضا بالمقضي وعلى هذا التفسير هو عزيز الوجود بل هو كالمتعذر فإنا نجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تألم لقتل عمه
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة وموت ولده
إبراهيم ورمي
عائشة بما رميت به إلى غير ذلك ؛ لأن هذا كله من المقضي ونجزم بأن الأنبياء عليهم السلام طباعهم تتألم وتتوجع من المؤلمات وتسر بالمسرات وإذا كان الرضا بالمقضيات غير حاصل في طبائع الأنبياء فغيرهم بطريق الأولى فالرضا بهذا التفسير لا طمع فيه ، وهذا التفسير غلط بل الحق ما تقدم ، وهو متيسر على أكثر العوام من المؤمنين فضلا عن الأنبياء والصالحين فاعلم ذلك
( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=19625_19626_19627قَاعِدَةِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ ) اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَلْتَبِسَانِ عَلَيْهِ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّخَطِ بِالْقَضَاءِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِهِ ، وَالسَّخَطِ
[ ص: 229 ] بِالْمَقْضِيِّ وَعَدَمِ الرِّضَا بِهِ اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19627السَّخَطَ بِالْقَضَاءِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْمَقْضِيِّ وَالْقَدَرِ وَالْمَقْدُورِ أَنَّ الطَّبِيبَ إذَا وَصَفَ لِلْعَلِيلِ دَوَاءً مُرًّا ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْمُتَآكِلَةَ ، فَإِنْ قَالَ : بِئْسَ تَرْتِيبُ الطَّبِيبِ ، وَمُعَالَجَتُهُ ، وَكَانَ غَيْرُ هَذَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا هُوَ أَيْسَرُ مِنْهُ فَهُوَ تَسَخُّطٌ بِقَضَاءِ الطَّبِيبِ وَأَذِيَّةٌ لَهُ ، وَجِنَايَةٌ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ سَمِعَهُ الطَّبِيبُ كَرِهَ ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيْهِ ، وَإِنْ قَالَ : هَذَا دَوَاءٌ مُرٌّ قَاسَيْت مِنْهُ شَدَائِدَ ، وَقَطْعُ الْيَدِ حَصَلَ لِي مِنْهَا آلَامٌ عَظِيمَةٌ مُبَرِّحَةٌ فَهَذَا تَسَخُّطٌ بِالْمَقْضِيِّ الَّذِي هُوَ الدَّوَاءُ وَالْقَطْعُ لَا بِالْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ تَرْتِيبُ الطَّبِيبِ ، وَمُعَالَجَتُهُ فَهَذَا لَيْسَ قَدْحًا فِي الطَّبِيبِ ، وَلَا يُؤْلِمُهُ إذَا سَمِعَ ذَلِكَ بَلْ يَقُولُ لَهُ : صَدَقْت الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَعَلَى هَذَا إذَا اُبْتُلِيَ الْإِنْسَانُ بِمَرَضٍ فَتَأَلَّمَ مِنْ الْمَرَضِ بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ فَهَذَا لَيْسَ عَدَمَ رِضًا بِالْقَضَاءِ بَلْ عَدَمُ رِضًا بِالْمَقْضِيِّ ، وَإِنْ قَالَ : أَيَّ شَيْءٍ عَمِلْت حَتَّى أَصَابَنِي مِثْلُ هَذَا ، وَمَا ذَنْبِي وَمَا كُنْت أَسْتَأْهِلُ هَذَا فَهَذَا عَدَمُ رِضًا بِالْقَضَاءِ فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالرِّضَا بِالْقَضَاءِ ، وَلَا نَتَعَرَّضُ لِجِهَةِ رَبِّنَا إلَّا بِالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ ، وَلَا نَعْتَرِضُ عَلَيْهِ فِي مُلْكِهِ وَأَمَّا أَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ تَطِيبَ لَنَا الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا
[ ص: 230 ] وَمُؤْلِمَاتُ الْحَوَادِثِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَمْ تَرِدْ الشَّرِيعَةُ بِتَكْلِيفِ أَحَدٍ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِهِ ، وَلَمْ يُؤْمَرْ الْأَرْمَدُ بِاسْتِطَابَةِ الرَّمَدِ الْمُؤْلِمِ ، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْمَرَضِ بَلْ ذَمَّ اللَّهُ قَوْمًا لَا يَتَأَلَّمُونَ ، وَلَا يَجِدُونَ لِلْبَأْسَاءِ وَقْعًا فَذَمَّهُمْ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } فَمَنْ لَمْ يَسْكُنْ وَلَمْ يَذِلَّ لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُظْهِرْ الْجَزَعَ مِنْهَا وَيَسْأَلْ رَبَّهُ إقَالَةَ الْعَثْرَةِ مِنْهَا فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ بَعِيدٌ عَنْ طُرُقِ الْخَيْرِ فَالْمَقْضِيُّ وَالْمَقْدُورُ أَثَرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَالْوَاجِبُ هُوَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ فَقَطْ أَمَّا الْمَقْضِيُّ فَقَدْ يَكُونُ الرِّضَا بِهِ وَاجِبًا كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَالْوَاجِبَاتِ إذَا قَدَّرَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْإِنْسَانِ ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَحَرَامًا فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَمُبَاحًا فِي الْمُبَاحَاتِ ، وَأَمَّا بِالْقَضَاءِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ تَفْصِيلٍ فَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْ الْكُفْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يُلَاحِظَ جِهَةَ الْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ فَيُكْرِهُهُمَا وَأَمَّا قَدَرُ اللَّهِ فِيهِمَا فَالرِّضَا بِهِ لَيْسَ إلَّا وَمَتَى سَخِطَهُ وَسَفَّهَ الرُّبُوبِيَّةَ فِي ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً أَوْ كُفْرًا مُنْضَمًّا إلَى مَعْصِيَتِهِ وَكُفْرِهِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ ، وَإِذَا وَضَحَتْ لَك فَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَخَاصَّةِ عِبَادِ اللَّهِ - تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَزِيزِ الْوُجُودِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَكْثَرُ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا يَتَأَلَّمُونَ مِنْ الْمَقْضِيِّ فَقَطْ ، وَأَمَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ الرُّبُوبِيَّةِ بِالتَّجْوِيرِ وَالْقَضَاءِ بِغَيْرِ الْعَدْلِ ، فَهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا مِنْ الْفُجَّارِ وَالْمَرَدَةِ وَإِنَّمَا يَبْعَثُ
[ ص: 231 ] هَؤُلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ : إنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلِيَاءِ خَاصَّةً أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ هُوَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ هُوَ عَزِيزُ الْوُجُودِ بَلْ هُوَ كَالْمُتَعَذِّرِ فَإِنَّا نَجْزِمُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَلَّمَ لِقَتْلِ عَمِّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=135حَمْزَةَ وَمَوْتِ وَلَدِهِ
إبْرَاهِيمَ وَرَمْيِ
عَائِشَةَ بِمَا رُمِيَتْ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ وَنَجْزِمُ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ طِبَاعُهُمْ تَتَأَلَّمُ وَتَتَوَجَّعُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَتُسَرُّ بِالْمَسَرَّاتِ وَإِذَا كَانَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيَّاتِ غَيْرَ حَاصِلٍ فِي طَبَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ فَغَيْرُهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَالرِّضَا بِهَذَا التَّفْسِيرِ لَا طَمَعَ فِيهِ ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ غَلَطٌ بَلْ الْحَقُّ مَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ مُتَيَسِّرٌ عَلَى أَكْثَرِ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ