( المسألة الرابعة ) إناء وقع فيه روث عصفور وتوضأ به مالكي وصلى يجوز للشافعي أن يصلي خلفه ولا يضر ذلك الشافعي كما لا يضره ترك المالكي البسملة وغيرها مما يعتقده الشافعي ولو اختلط هذا الإناء بإناء طاهر فاجتهد فيه هذا الشافعي مع شافعي آخر لا يجوز لأحدهما أن يقتدي بالآخر إذا اختلفا في الاجتهاد ولو اجتمع مالك والشافعي رضي الله عنهما واجتهدا في روث العصفور فحكم مالك بطهارته والشافعي بنجاسته جاز للشافعي أن يصلي خلف مالك إذا توضأ بالماء الذي هو فيه مع تعين روث العصفور في جهة الإمام وفي المسألة الأولى يجوز المأموم أن يكون ذلك في إناء الإمام من غير تعيين فهو أولى بالجواز من أن يعين ومع ذلك فالإجماع منعقد على امتناع التقليد في الإناءين إذا اجتهدا في الطاهر منهما دون أن يتعين في جهة الإمام .
وهذا أيضا من أشكل المسائل وجوابه أن للشافعيين إذا اجتهدا في الإناءين فهما مقلدان لمن يعتقد نجاسة روث العصفور والإجماع منعقد على أن حكم الله تعالى في حق الشافعي وحق من قلده ما ظهر في اجتهاده فالشافعي يعتقد أن الشافعي الآخر قد أصاب في صلاته ما هو مبطل لصلاته بالإجماع ومن اعتقدنا فيه مخالفة الإجماع لا نقلده بخلاف صلاة هذا الشافعي خلف المالكي حكم الله تعالى في حق مالك والمالكي صحة صلاته بروث العصفور إجماعا وأنه لم يخالف إجماعا بل خالف قياسا مظنونا أو ظاهر نص غير مقطوع به وكذلك الشافعي إذا صلى خلف مالك وعليه روث عصفور أو في مائه الذي توضأ به فإن الشافعي يعتقد أن مالكا لم يخالف إجماعا ولا مقطوعا به بل ظاهر قياس أو ضربا من ضروب الاجتهاد فجاز له الصلاة خلفه بخلاف أن يكون إمامه يعتقد ما يعتقده من إبطال روث العصفور للصلاة فتأمل هذه المسائل وهذه المباحث فهي كلها دائرة على حرف واحد وهو أن من اعتقدنا فيه أنه خالف مقطوعا به لم يجز لنا تقليده وإن لم نعتقد فيه ذلك جاز لنا تقليده والصلاة خلفه وهو روح الفرق وهو فرق جيد جدا ولكن بعد التأمل فهذا هو الفرق بين هاتين القاعدتين وهو أجلى من قولنا إن ذلك يؤدي إلى قلة الجماعات أو كثرتها .


