( الفرق الثاني والمائة بين قاعدة
nindex.php?page=treesubj&link=1379أوقات الصلوات يجوز إثباتها بالحساب والآلات وكل ما دل عليها وبين قاعدة
nindex.php?page=treesubj&link=2391الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب ) وفيه قولان عندنا وعند الشافعية رحمهم الله تعالى والمشهور في المذهبين عدم اعتبار الحساب فإذا دل حساب تسيير الكواكب على خروج الهلال من الشعاع من جهة علم الهيئة لا يجب الصوم قال
سند من أصحابنا فلو
nindex.php?page=treesubj&link=2391كان الإمام يرى الحساب فأثبت الهلال به لم يتبع لإجماع
السلف على خلافه مع أن حساب الأهلة والكسوفات والخسوفات قطعي فإن الله تعالى أجرى عادته بأن حركات الأفلاك وانتقالات الكواكب السبعة السيارة على نظام واحد طول الدهر بتقدير العزيز العليم .
قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم } وقال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=5الشمس والقمر بحسبان } أي هما ذوا حساب فلا ينخرم ذلك أبدا ، وكذلك الفصول الأربعة لا ينخرم حسابها ، والعوائد إذا استمرت أفادت القطع كما إذا رأينا شيخا نجزم بأنه لم يولد كذلك
[ ص: 179 ] بل طفلا لأجل عادة الله تعالى بذلك وإلا فالعقل يجوز ولادته كذلك ، والقطع الحاصل فيه إنما هو لأجل العادة ، وإذا حصل القطع بالحساب ينبغي أن يعتمد عليه كأوقات الصلوات فإنه لا غاية بعد حصول القطع والفرق وهو المطلوب هاهنا وهو عمدة
السلف والخلف أن الله تعالى نصب زوال الشمس سبب وجوب الظهر .
وكذلك بقية الأوقات لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أقم الصلاة لدلوك الشمس } أي لأجله ، وكذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=17فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } قال المفسرون هذا خبر معناه الأمر بالصلوات الخمس في هذه الأوقات حين تمسون المغرب والعشاء وحين تصبحون الصبح وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر والصلاة تسمى سبحة ، ومنه سبحة الضحى أي صلاتها فالآية أمر بإيقاع هذه الصلوات في هذه الأوقات وغير ذلك من الكتاب والسنة الدال على أن نفس الوقت سبب فمن علم السبب بأي طريق كان لزمه حكمه ، فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات ، .
وأما الأهلة فلم ينصب صاحب الشرع خروجها من الشعاع سببا للصوم بل رؤية الهلال خارجا من شعاع الشمس هو السبب ، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم ، ويدل على أن صاحب الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال عن شعاع الشمس سببا للصوم قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21241صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته } ولم يقل لخروجه عن شعاع الشمس ، كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أقم الصلاة لدلوك الشمس } ثم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23695فإن غم عليكم } أي خفيت عليكم رؤيته {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23909فاقدروا له } في رواية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23362فأكملوا العدة ثلاثين } فنصب رؤية الهلال أو إكمال العدة ثلاثين ، ولم يتعرض لخروج الهلال عن الشعاع ، .
وأما قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فلا دلالة فيه على هذا المطلوب قال
أبو علي ؛ لأن شهد لها ثلاث معان شهد بمعنى حضر ومنه شهدنا صلاة العيد ، وشهد بدرا ، وشهد
[ ص: 180 ] بمعنى أخبر ومنه شهد عند الحاكم أي أخبره بما يعلمه ، وشهد بمعنى علم ومنه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6والله على كل شيء شهيد } أي عليم وهو في الآية بمعنى حضر قال وتقدير الآية فمن حضر منكم المصر في الشهر فليصمه أي حاضرا مقيما احترازا من المسافر فإنه لا يلزمه الصوم ، وإذا كان شهد بمعنى حضر لا بمعنى شاهد ورأى لم يكن فيه دلالة على اعتبار الرؤية ولا على اعتبار الحساب أيضا فإن الحضور في الشهر أعم من كونه ثبت بالرؤية أو بالحساب فلأجل هذا الفرق قال الفقهاء رحمهم الله تعالى إن كان هذا الحساب غير منضبط فلا عبرة به ، وإن كان منضبطا لكنه لم ينصبه صاحب الشرع سببا فلم يجب به صوم والحق من ترديد الفقهاء رحمهم الله هو القسم الثاني دون الأول غير أن هاهنا إشكالين أحدهما في أوقات الصلوات والآخر في رؤية الأهلة .
الإشكال الأول في أوقات الصلوات وذلك أنه جرت عادة المؤذنين وأرباب المواقيت بتيسير درج الفلك فإذا شاهدوا المتوسط من درج الفلك أو غيرها من درج الفلك الذي يقتضي أن درجة الشمس قربت من الأفق قربا يقتضي أن الفجر طلع أمروا الناس بالصلاة والصوم مع أن الأفق يكون صاحيا لا يخفى فيه طلوع الفجر لو طلع ، ومع ذلك فلا يجد الإنسان للفجر أثرا ألبتة ، وهذا لا يجوز فإن الله تعالى إنما نصب سبب وجوب للصلاة ظهور الفجر فوق الأفق ، ولم يظهر فلا تجوز الصلاة حينئذ فإنه إيقاع للصلاة قبل وقتها وبدون سببها ، وكذلك القول في بقية إثبات أوقات الصلوات ( فإن قلت ) هذا جنوح منك إلى أنه لا بد من الرؤية ، وأنت قد فرقت بين البابين ، وميزت بين القاعدتين بالرؤية وعدمها ، وقلت السبب في الأهلة الرؤية وفي أوقات الصلوات تحقيق الوقت دون رؤيته فحيث اشترطت الرؤية فقد أبطلت ما ذكرته من الفرق .
قلت سؤال حسن ( والجواب عنه ) أني لم أشترط الرؤية في أوقات الصلوات لكني جعلت عدم اطلاع الحس على عدم الفجر دليلا على
[ ص: 181 ] عدمه وأنه في نفسه لم يتحقق ؛ لأن الرؤية هي السبب ونظيره في الأهلة لو كانت السماء مصحية والجمع ثير ولم ير الهلال جعلت ذلك دليلا على عدم خلوص الهلال من شعاع الشمس .
وكذلك لو رأيت الظل عند الزوال مائل لجهة المغرب ، ولم أره مائلا إلى جهة المشرق بل متوسطا بين الجهتين جعلت ذلك دليلا على عدم دخول الوقت وعدم السبب ففرق بين كون الحس سببا وبين كونه دالا على عدم السبب فإني في الفجر جعلته دليلا على عدم السبب لا أني اشترطت الرؤية ، ولذلك أني لم أستشكل ذلك إلا والسماء مصحية والحس لا يجد شيئان من الفجر ، أما لو كان حسابهم يظهر معه الفجر مع الصحو طالعا من الأفق ويخفى مع الغيم لم أستشكله ، وقلت : إنما يخفى لأجل الغيم لا لأجل عدمه في نفسه لكن لما رأيت حسابهم في الصحو لا يظهر معه الفجر علمت أن حسابهم يقارن عدم السبب فإن الحس كما يدل على وجود الفجر يدل أيضا على عدمه باتساق الظلمة وعدم الضياء ، فهذا جواب هذا السؤال لا أني سويت بين الأهلة وأوقات الصلوات فتأمل ذلك الإشكال الثاني أن المالكية جعلوا رؤية الهلال في بلد من البلاد سببا لوجوب الصوم على جميع أقطار الأرض ووافقتهم الحنابلة رحمهم الله على ذلك .
وقالت الشافعية رحمهم الله لكل قوم رؤيتهم واتفق الجميع على أن لكل قوم فجرهم وزوالهم وعصرهم ومغربهم وعشاءهم فإن الفجر إذا طلع على قوم يكون عند آخرين نصف الليل وعند آخرين نصف النهار وعند آخرين غروب الشمس إلى غير ذلك من الأوقات وما من درجة تطلع من الفلك أو تتوسط أو تغرب إلا فيها جميع الأوقات بحسب آفاق مختلفة وأقطار متباينة فإذا طلعت الشمس في أقصى المشرق كان نصف الليل عند البلاد المغربية منهم أو أقل من ذلك أو أكثر على حسب البعد عن ذلك الأفق غربت الشمس في أقصى المغرب
[ ص: 182 ] كان نصف الليل عند البلاد المشرقية أو أقل أو أكثر بحسب قرب ذلك القطر من القطر الذي غربت فيه الشمس ، وكذلك بقية الأوقات تختلف هذا الاختلاف .
وكذلك وقع في الفتاوى الفقهية مسألة أشكلت على جماعة من الفقهاء رحمهم الله في
nindex.php?page=treesubj&link=13657أخوين ماتا عند الزوال أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب أيهما يرث صاحبه فأفتى الفضلاء من الفقهاء بأن المغربي يرث المشرقي ؛ لأن زوال المشرق قبل زوال المغرب فالمشرقي مات أولا فيرثه المتأخر لبقائه بعده حيا متأخر الحياة فيرث المغربي المشرقي إذا تقرر الاتفاق على أن
nindex.php?page=treesubj&link=1379أوقات الصلوات تختلف باختلاف الآفاق ، وأن لكل قوم فجرهم وزوالهم وغير ذلك من الأوقات فيلزم ذلك في الأهلة بسبب أن البلاد المشرقية إذا كان الهلال فيها في الشعاع وبقيت الشمس تتحرك مع القمر إلى الجهة الغربية فما تصل الشمس إلى أفق المغرب إلا وقد خرج الهلال من الشعاع فيراه أهل المغرب ولا يراه أهل المشرق هذا أحد أسباب اختلاف رؤية الهلال وله أسباب أخر مذكورة في علم الهيئة لا يليق ذكرها هاهنا إنما ذكرت ما يقرب فهمه ، وإذا كان الهلال يختلف باختلاف الآفاق وجب أن يكون لكل قوم رؤيتهم في الأهلة كما أن لكل قوم فجرهم وغير ذلك من أوقات الصلوات ، وهذا حق ظاهر وصواب متعين أما وجوب الصوم على جميع الأقاليم برؤية الهلال بقطر منها فبعيد عن القواعد ، والأدلة لم تقتض ذلك فاعلمه .
( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=1379أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ وَالْآلَاتِ وَكُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=2391الْأَهِلَّةُ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ ) وَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِسَابِ فَإِذَا دَلَّ حِسَابُ تَسْيِيرِ الْكَوَاكِبِ عَلَى خُرُوجِ الْهِلَالِ مِنْ الشُّعَاعِ مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْهَيْئَةِ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ قَالَ
سَنَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=2391كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ
السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ مَعَ أَنَّ حِسَابَ الْأَهِلَّةِ وَالْكُسُوفَاتِ وَالْخُسُوفَاتِ قَطْعِيٌّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِأَنَّ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَانْتِقَالَاتِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ طُولَ الدَّهْرِ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=39وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } وَقَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=5الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } أَيْ هُمَا ذَوَا حِسَابٍ فَلَا يَنْخَرِم ذَلِكَ أَبَدًا ، وَكَذَلِكَ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ لَا يَنْخَرِمُ حِسَابُهَا ، وَالْعَوَائِدُ إذَا اسْتَمَرَّتْ أَفَادَتْ الْقَطْعَ كَمَا إذَا رَأَيْنَا شَيْخًا نَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ كَذَلِكَ
[ ص: 179 ] بَلْ طِفْلًا لِأَجْلِ عَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ يُجَوِّزُ وِلَادَتَهُ كَذَلِكَ ، وَالْقَطْعُ الْحَاصِلُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْعَادَةِ ، وَإِذَا حَصَلَ الْقَطْعُ بِالْحِسَابِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْقَطْعِ وَالْفَرْقُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ هَاهُنَا وَهُوَ عُمْدَةُ
السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبَ وُجُوبِ الظُّهْرِ .
وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَوْقَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } أَيْ لِأَجْلِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=17فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حِينَ تُمْسُونَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَحِينَ تُصْبِحُونَ الصُّبْحُ وَعَشِيًّا الْعَصْرُ وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظُّهْرُ وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى سُبْحَةً ، وَمِنْهُ سُبْحَةُ الضُّحَى أَيْ صَلَاتُهَا فَالْآيَةُ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْوَقْتِ سَبَبٌ فَمَنْ عَلِمَ السَّبَبَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ لَزِمَهُ حُكْمُهُ ، فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْحِسَابُ الْمُفِيدُ لِلْقَطْعِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ، .
وَأَمَّا الْأَهِلَّةُ فَلَمْ يَنْصِبْ صَاحِبُ الشَّرْعِ خُرُوجَهَا مِنْ الشُّعَاعِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ بَلْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ خَارِجًا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ هُوَ السَّبَبُ ، فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ الرُّؤْيَةُ لَمْ يَحْصُلْ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَ خُرُوجِ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21241صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } وَلَمْ يَقُلْ لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } ثُمَّ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23695فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ } أَيْ خَفِيَتْ عَلَيْكُمْ رُؤْيَتُهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23909فَاقْدِرُوا لَهُ } فِي رِوَايَةٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23362فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ } فَنَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالَ أَوْ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِخُرُوجِ الْهِلَالِ عَنْ الشُّعَاعِ ، .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ ؛ لِأَنَّ شَهِدَ لَهَا ثَلَاثُ مَعَانٍ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ وَمِنْهُ شَهِدْنَا صَلَاةَ الْعِيدِ ، وَشَهِدَ بَدْرًا ، وَشَهِدَ
[ ص: 180 ] بِمَعْنَى أَخْبَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَعْلَمُهُ ، وَشَهِدَ بِمَعْنَى عَلِمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أَيْ عَلِيمٌ وَهُوَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى حَضَرَ قَالَ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ فَمَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ أَيْ حَاضِرًا مُقِيمًا احْتِرَازًا مِنْ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ ، وَإِذَا كَانَ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ لَا بِمَعْنَى شَاهَدَ وَرَأَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى اعْتِبَارِ الْحِسَابِ أَيْضًا فَإِنَّ الْحُضُور فِي الشَّهْرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ ثَبَتَ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالْحِسَابِ فَلِأَجْلِ هَذَا الْفَرْقِ قَالَ الْفُقَهَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ هَذَا الْحِسَابُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُنْضَبِطًا لَكِنَّهُ لَمْ يَنْصِبْهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا فَلَمْ يَجِبْ بِهِ صَوْمٌ وَالْحَقُّ مِنْ تَرْدِيدِ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا إشْكَالَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْآخَرُ فِي رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ .
الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ بِتَيْسِيرِ دَرَجِ الْفَلَكِ فَإِذَا شَاهَدُوا الْمُتَوَسِّطَ مِنْ دَرَجِ الْفَلَكِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ دَرَجِ الْفَلَكِ الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّ دَرَجَةَ الشَّمْسِ قَرُبَتْ مِنْ الْأُفُقِ قُرْبًا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ أَمَرُوا النَّاسَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مَعَ أَنَّ الْأُفُقَ يَكُونُ صَاحِيًا لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَصَبَ سَبَبَ وُجُوبٍ لِلصَّلَاةِ ظُهُورَ الْفَجْرِ فَوْقَ الْأُفُقِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُ إيقَاعٌ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَبِدُونِ سَبَبِهَا ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ إثْبَاتِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ( فَإِنْ قُلْت ) هَذَا جُنُوحٌ مِنْك إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ ، وَأَنْتَ قَدْ فَرَّقْت بَيْنَ الْبَابَيْنِ ، وَمَيَّزْت بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ وَعَدَمِهَا ، وَقُلْت السَّبَبُ فِي الْأَهِلَّةِ الرُّؤْيَةُ وَفِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ تَحْقِيقُ الْوَقْتِ دُونَ رُؤْيَتِهِ فَحَيْثُ اشْتَرَطْت الرُّؤْيَةَ فَقَدْ أَبْطَلْت مَا ذَكَرْته مِنْ الْفَرْقِ .
قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ ( وَالْجَوَابُ عَنْهُ ) أَنِّي لَمْ أَشْتَرِطْ الرُّؤْيَةَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لَكِنِّي جَعَلَتْ عَدَمَ اطِّلَاعِ الْحِسِّ عَلَى عَدَمِ الْفَجْرِ دَلِيلًا عَلَى
[ ص: 181 ] عَدَمِهِ وَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ هِيَ السَّبَبُ وَنَظِيرُهُ فِي الْأَهِلَّةِ لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَالْجَمْعُ ثير وَلَمْ يُرَ الْهِلَالَ جَعَلْت ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ خُلُوصِ الْهِلَالِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَيْت الظِّلَّ عِنْدَ الزَّوَالِ مَائِلً لِجِهَةِ الْمَغْرِبِ ، وَلَمْ أَرَهُ مَائِلًا إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ بَلْ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ جَعَلْت ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَعَدَم السَّبَبِ فَفَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ الْحِسِّ سَبَبًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ فَإِنِّي فِي الْفَجْرِ جَعَلْته دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ لَا أَنِّي اشْتَرَطْت الرُّؤْيَةَ ، وَلِذَلِكَ أَنِّي لَمْ أَسْتَشْكِلْ ذَلِكَ إلَّا وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَالْحِسُّ لَا يَجِدُ شَيْئَانِ مِنْ الْفَجْرِ ، أَمَّا لَوْ كَانَ حِسَابُهُمْ يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ مَعَ الصَّحْوِ طَالِعًا مِنْ الْأُفُقِ وَيَخْفَى مَعَ الْغَيْمِ لَمْ أَسْتَشْكِلْهُ ، وَقُلْت : إنَّمَا يَخْفَى لِأَجْلِ الْغَيْم لَا لِأَجْلِ عَدَمِهِ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ لَمَّا رَأَيْت حِسَابَهُمْ فِي الصَّحْوِ لَا يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ عَلِمْت أَنَّ حِسَابَهُمْ يُقَارِنُ عَدَمَ السَّبَبِ فَإِنَّ الْحِسَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْفَجْرِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى عَدَمِهِ بِاتِّسَاقِ الظُّلْمَةِ وَعَدَمِ الضِّيَاءِ ، فَهَذَا جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ لَا أَنِّي سَوَّيْت بَيْنَ الْأَهِلَّةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ الْإِشْكَالَ الثَّانِيَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ جَعَلُوا رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَوَافَقَتْهُمْ الْحَنَابِلَةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَزَوَالَهُمْ وَعَصْرَهُمْ وَمَغْرِبَهُمْ وَعِشَاءَهُمْ فَإِنَّ الْفَجْرَ إذَا طَلَعَ عَلَى قَوْمٍ يَكُونُ عِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَعِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ النَّهَارِ وَعِنْدَ آخَرِينَ غُرُوبَ الشَّمْسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَمَا مِنْ دَرَجَةٍ تَطْلُعُ مِنْ الْفَلَكِ أَوْ تَتَوَسَّطُ أَوْ تَغْرُبُ إلَّا فِيهَا جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ بِحَسَبِ آفَاقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَقْطَارٍ مُتَبَايِنَةٍ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي أَقْصَى الْمَشْرِقِ كَانَ نِصْفَ اللَّيْلِ عِنْدَ الْبِلَادِ الْمَغْرِبِيَّةِ مِنْهُمْ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الْبُعْدِ عَنْ ذَلِكَ الْأُفُقِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي أَقْصَى الْمَغْرِبِ
[ ص: 182 ] كَانَ نِصْفَ اللَّيْلِ عِنْدَ الْبِلَادِ الْمَشْرِقِيَّةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ قُرْبِ ذَلِكَ الْقُطْرِ مِنْ الْقُطْرِ الَّذِي غَرَبَتْ فِيهِ الشَّمْسُ ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَوْقَاتِ تَخْتَلِفُ هَذَا الِاخْتِلَافَ .
وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ مَسْأَلَةٌ أَشْكَلَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=13657أَخَوَيْنِ مَاتَا عِنْدَ الزَّوَالِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ أَيُّهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ فَأَفْتَى الْفُضَلَاءُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْمَغْرِبِيَّ يَرِثُ الْمَشْرِقِيَّ ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمَشْرِقِ قَبْلَ زَوَال الْمَغْرِبِ فَالْمَشْرِقِيُّ مَاتَ أَوَّلًا فَيَرِثُهُ الْمُتَأَخِّرُ لِبَقَائِهِ بَعْدَهُ حَيًّا مُتَأَخِّرَ الْحَيَاةِ فَيَرِثُ الْمَغْرِبِيُّ الْمَشْرِقِيَّ إذَا تَقَرَّرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=1379أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآفَاقِ ، وَأَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَزَوَالَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْأَهِلَّةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْبِلَادَ الْمَشْرِقِيَّةَ إذَا كَانَ الْهِلَالُ فِيهَا فِي الشُّعَاعِ وَبَقِيَتْ الشَّمْسُ تَتَحَرَّكُ مَعَ الْقَمَرِ إلَى الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ فَمَا تَصِلُ الشَّمْسُ إلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ إلَّا وَقَدْ خَرَجَ الْهِلَالُ مِنْ الشُّعَاعِ فَيَرَاهُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَرَاهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ هَذَا أَحَدُ أَسْبَابِ اخْتِلَافِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهَا هَاهُنَا إنَّمَا ذَكَرْت مَا يَقْرُبُ فَهْمُهُ ، وَإِذَا كَانَ الْهِلَالُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآفَاقِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ فِي الْأَهِلَّةِ كَمَا أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ، وَهَذَا حَقٌّ ظَاهِرٌ وَصَوَابٌ مُتَعَيِّنٌ أَمَّا وُجُوبُ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِقُطْرٍ مِنْهَا فَبَعِيدٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ ، وَالْأَدِلَّةُ لَمْ تَقْتَضِ ذَلِكَ فَاعْلَمْهُ .