[ ص: 100 ] باب
في رد بدعات التقليد
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين المجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار عن سائر الموحدين.
وفيه إشعار على
nindex.php?page=treesubj&link=28821التزام جماعة السنة، وإطلاق العبادة والاستعانة لقصد التعميم; ليتناول كل معبود به، ومستعان فيه، واستحسنه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري.
أفادت الآية الشريفة
nindex.php?page=treesubj&link=22311_28681_28680_28678تخصيص العبادة لله، والاستعانة بالله، وترك التقليد; لأن التقليد العرفي المصطلح عليه إذا تأملت فيه، وجدته نوعا من أنواع العبادة لغير الله، والاستعانة بدونه -سبحانه وتعالى- لكونه اتباعا للهوى، ومن اتبع هواه فقد اتخذها معبودا له.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أفرأيت من اتخذ إلهه هواه [الجاثية: 23] وإطلاق "الهوى" على التقليد مشعر بكونه من أبواب الشرك المخالف للتوحيد؛ ولهذا جزم
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم -رحمه الله- بكون التقليد شركا، وأنه حرام على الإطلاق.
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة يرفعه:
nindex.php?page=hadith&LINKID=63784 "يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل" إلى قوله: "فإذا قال: nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل" الحديث، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم.
فهذه الآية الكريمة، كما دلت على التوحيد ونفي الشرك، فهكذا دلت بالإشارة إلى نفي التقليد.
[ ص: 101 ] ويا لله العجب من أقوام يقرؤون هذه الآية في سورة الفاتحة كل يوم خمس مرات فصاعدا، في كل صلاة، ويقرون بتخصيص العبادة لله، والاستعانة به، ثم يشركون خارج الصلوات، ويقلدون في الشرائع الأموات، ولا يخطر ببالهم أن ذلك يقع منهم موقع الكذب بين يدي الله سبحانه، فما أعظم إثم ذلك!! أعاذنا الله مما هنالك.
وهذه
nindex.php?page=treesubj&link=22311_28678أول آية في القرآن الشريف ترد الشرك والتقليد.
والثانية: قوله تعالى في هذه السورة:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم .
قال
ابن كثير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا، على أن الصراط المستقيم، هو الطريق الواضح، الذي لا اعوجاج فيه، وهو كذلك في لغة العرب جميعا، وهي الملة الحنيفية السمحة المتوسطة بين الإفراط والتفريط. انتهى.
والتقليد العرفي، من وادي الإفراط أو التفريط، على حسب مفاهيمه عند القائلين.
ففيه سؤال لإيثار الحق وترك الباطل.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود -رضي الله عنه-: هو كتاب الله. وقيل: السنة.
قلت: ولا مانع من إرادتهما معا.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: معناه: ألهمنا دينك الحق. انتهى.
وهو اتباع القرآن والحديث، في كل نقير وقطمير، وحقير وجليل، وصغير وكبير.
ومن ترك اتباعهما، وقلد الناس -أي ناس كانوا- فقد بعد عن الصراط المستقيم، والتنصيص على أن صراط المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة والاستواء على آكد وجه وأبلغه، بحيث لا يذهب الوهم عند ذكره إلا إليه.
والمراد بالموصول: هم الأربعة المذكورة في سورة النساء حيث قال:
[ ص: 102 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا [النساء: 19].
وهذا يرشدك إلى أن المطيع لله ولرسوله، هو الذي يتبع الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، دون من يطيع الأحبار والرهبان، فإنه ليس من هذه الإطاعة المشار إليها في شيء.
وفيه: أن معية هؤلاء الأربعة إنما تحصل في إطاعة الله; أي: إطاعة كتابه، وإطاعة الرسول; أي: اتباع أحاديثه. ومفهومه أنها لا تحصل لمن قلد غيرهما.
فالآية الشريفة حاملة لهم على سؤال اتباع الكتاب والسنة، ومشيرة إلى ترك التقليد، وكذا ما بعدها، وهو قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير المغضوب عليهم ولا الضالين المراد بهم: اليهود والنصارى، كما ورد بذلك الحديث.
[ ص: 100 ] بَابٌ
فِي رَدِّ بِدْعَاتِ التَّقْلِيدِ
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الْمَجِيءُ بِالنُّونِ فِي الْفِعْلَيْنِ لِقَصْدِ الْإِخْبَارِ عَنْ سَائِرِ الْمُوَحِّدِينَ.
وَفِيهِ إِشْعَارٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28821الْتِزَامِ جَمَاعَةِ السُّنَّةِ، وَإِطْلَاقِ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ; لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَعْبُودٍ بِهِ، وَمُسْتَعَانٍ فِيهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ.
أَفَادَتِ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=22311_28681_28680_28678تَخْصِيصَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ، وَتَرْكَ التَّقْلِيدِ; لِأَنَّ التَّقْلِيدَ الْعُرْفِيَّ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ إِذَا تَأَمَّلْتَ فِيهِ، وَجَدْتَهُ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِدُونِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِكَوْنِهِ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى، وَمَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ فَقَدِ اتَّخَذَهَا مَعْبُودًا لَهُ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الْجَاثِيَةِ: 23] وَإِطْلَاقُ "الْهَوَى" عَلَى التَّقْلِيدِ مُشْعِرٌ بِكَوْنِهِ مِنْ أَبْوَابِ الشِّرْكِ الْمُخَالِفِ لِلتَّوْحِيدِ؛ وَلِهَذَا جَزَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بِكَوْنِ التَّقْلِيدِ شِرْكًا، وَأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=63784 "يَقُولُ اللَّهُ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ" إِلَى قَوْلِهِ: "فَإِذَا قَالَ: nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ" الْحَدِيثَ، أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ.
فَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَنَفْيِ الشِّرْكِ، فَهَكَذَا دَلَّتْ بِالْإِشَارَةِ إِلَى نَفْيِ التَّقْلِيدِ.
[ ص: 101 ] وَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ أَقْوَامٍ يَقْرَؤُونَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَصَاعِدًا، فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَيُقِرُّونَ بِتَخْصِيصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، ثُمَّ يُشْرِكُونَ خَارِجَ الصَّلَوَاتِ، وَيُقَلِّدُونَ فِي الشَّرَائِعِ الْأَمْوَاتَ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ مِنْهُمْ مَوْقِعَ الْكَذِبِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَمَا أَعْظَمَ إِثْمَ ذَلِكَ!! أَعَاذَنَا اللَّهُ مِمَّا هُنَالِكَ.
وَهَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=22311_28678أَوَّلُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ الشَّرِيفِ تَرُدُّ الشِّرْكَ وَالتَّقْلِيدَ.
وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ .
قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ جَمِيعًا، عَلَى أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَمِيعًا، وَهِيَ الْمِلَّةُ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ. انْتَهَى.
وَالتَّقْلِيدُ الْعُرْفِيُّ، مِنْ وَادِي الْإِفْرَاطِ أَوِ التَّفْرِيطِ، عَلَى حَسَبِ مَفَاهِيمِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ.
فَفِيهِ سُؤَالٌ لِإِيثَارِ الْحَقِّ وَتَرْكِ الْبَاطِلِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: هُوَ كِتَابُ اللَّهِ. وَقِيلَ: السُّنَّةُ.
قُلْتُ: وَلَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَتِهِمَا مَعًا.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ: أَلْهِمْنَا دِينَكَ الْحَقَّ. انْتَهَى.
وَهُوَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، فِي كُلِّ نَقِيرٍ وَقِطْمِيرٍ، وَحَقِيرٍ وَجَلِيلٍ، وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ.
وَمَنْ تَرَكَ اتِّبَاعَهُمَا، وَقَلَّدَ النَّاسَ -أَيَّ نَاسٍ كَانُوا- فَقَدْ بَعُدَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ صِرَاطَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى آكَدِ وَجْهٍ وَأَبْلَغِهِ، بِحَيْثُ لَا يَذْهَبُ الْوَهْمُ عِنْدَ ذِكْرِهِ إِلَّا إِلَيْهِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَوْصُولِ: هُمُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ حَيْثُ قَالَ:
[ ص: 102 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النِّسَاءِ: 19].
وَهَذَا يُرْشِدُكَ إِلَى أَنَّ الْمُطِيعَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، هُوَ الَّذِي يَتَّبِعُ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ، وَالسُّنَّةَ الْمُطَهَّرَةَ، دُونَ مَنْ يُطِيعُ الْأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْإِطَاعَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي شَيْءٍ.
وَفِيهِ: أَنَّ مَعِيَّةَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ إِنَّمَا تَحْصُلُ فِي إِطَاعَةِ اللَّهِ; أَيْ: إِطَاعَةِ كِتَابِهِ، وَإِطَاعَةِ الرَّسُولِ; أَيِ: اتِّبَاعِ أَحَادِيثِهِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ لِمَنْ قَلَّدَ غَيْرَهُمَا.
فَالْآيَةُ الشَّرِيفَةُ حَامِلَةٌ لَهُمْ عَلَى سُؤَالِ اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمُشِيرَةٌ إِلَى تَرْكِ التَّقْلِيدِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ الْمُرَادُ بِهِمُ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ.