الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حكم استعمال الذهب والفضة في غير التختم

وعن اتخاذ الأواني من الذهب والفضة، فلما روي عن حذيفة، قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الفضة والذهب، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه. متفق عليه.

وفي حديث ابن عمر يرفعه: "من شرب في إناء ذهب وفضة، وإناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" رواه الدارقطني.

وظاهره: منع استعمال الظرف المموه من ماء الذهب والورق.

قال النووي: أجمعوا على تحريم الأكل والشرب في إنائهما على الرجل والمرأة، ولم يخالف في ذلك أحد إلا الشافعي في قوله القديم: إنه يكره [ ص: 487 ] ولا يحرم. وداود الظاهري: إنه يحرم الشرب لا الأكل وسائر وجوه الاستعمال.

هما باطلان بالنصوص، فيحرم استعمالهما في الأكل والشرب والطهارة، والأكل بالملعقة من أحدهما، والتجمير بمجمره، والبول في إناء منه، وسائر استعمالهما.

قالوا: وإن ابتلي بطعام فيه، فليخرجه إلى إناء آخر من غيرهما، وإن ابتلي بالدهن في قارورة فضة، فليصبه في يده اليسرى، ثم يصبه في اليمنى، ويستعمله، كذا في "المرقاة"، وغيرها.

وأقول: هذا كلام قليل الجدوى، لا مستند له من كتاب ولا سنة. والذي ورد في الخبر أن المحرم منهما الأكل والشرب في إنائهما دون سائر الاستعمالات.

وكان الشارع يعلم أنهما يستعملان في غير هذين الأمرين، لكن لم ينه إلا عن الشرب والأكل في أوانيهما.

فثبت أن استعمال الذهب والفضة في غير تلك الأواني المعدة للأكل والشرب مباح.

والبراءة الأصلية والظاهر تستصحبه، ولا دليل أصلا على المنع في غيرهما. وعلى هذا يجوز استعمال الظروف التي أعدت للطيب وللكحل، ولوضع الحلي ونحوه مثلا.

ومن كان يزعم أن سائر وجوه الاستعمال منهما منهي عنه، فليتفضل علينا بالدليل المقدم، أو المساوي، ولا يكلفنا بالتأويل البارد، ولا بالقياس الفاسد، ولا بالرأي الكاسد، بل بحجة نيرة كالشمس في رابعة النهار، وأنى له مثل هذا الدليل؟!

وقد قرره العلامة الشوكاني في مؤلفاته تقريرا شافيا كافيا، والحق أحق أن يتبع، ونظير هذه المسألة مسألة "الربا" في الأشياء الستة المنصوص عليها؛ فإن [ ص: 488 ] "الربا" مقصور في تلك الأجناس، ولا يتعدى حكمه إلى غيرها؛ لعدم الدليل الواضح والبرهان البين والحجة الساطعة.

وقد قال بها أهل الظاهر، وهم فرقة سنية من فرق الإسلام، وأما ترك ما ليس به بأس خوف البأس، أو ما ليس فيه ريبة إلى ما لا ريبة فيه، فمن باب التقوى دون وادي الفتوى، ولكن الكلام في ثبوت الحكم بالدليل المحكم، وإذ ليس فليس.

التالي السابق


الخدمات العلمية