وقد ذكرنا في غير هذا الموضع ما ذكره من ذلك في (الأربعين) . وقال في النهاية: (اعلم أن الاستدلال على ما لا يعلم بالضرورة إنما يكون بما يعلم بالضرورة، والمعلوم بالضرورة: الأجسام، والأعراض القائمة بها، وكل منهما إما أن يعتبر إمكانه أو حدوثه، فلا جرم كانت الأدلة الدالة على الصانع تعالى هذه المسالك الأربعة) .
وذكر أن الأول هو الاستدلال بحدوث الأجسام لقيام الأعراض بها أو بعضها بها، فهذه هي الطريقة المشهورة عند الجهمية والمعتزلة، ومن اتبعهم من الأشعرية والكرامية، ومن دخل في ذلك من الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم. [ ص: 230 ]
وهذه هي التي ذكر أنها طريقة الأشعري الفلاسفة، ومن اتبعهم من القدرية، وذكر أنها مبتدعة مذمومة في الدين، لم يسلكها السلف الصالح، وذكر أنها خطرة مبتدعة، وأنه لا حاجة إليها.
قال الرازي: والثاني: . (الاستدلال بإمكان الأجسام على وجود الصانع تعالى)
قال: (وهذه عمدة الفلاسفة) .
قلت: هذه طريقة ومن وافقه، ليست طريقة قدماء ابن سينا الفلاسفة. وهي مبنية على أصلهم الفاسد في التوحيد ونفي الصفات، الذين بين الناس فساده وتناقضهم فيه، وهو طريقة التركيب الذي يقولون: إن المتصف بالصفات مركب، والمركب مفتقر إلى أجزائه، قد تكلمنا عليها في مواضع.
قال الرازي: (والمسلك الثالث: سواء كانت الأجسام واجبة أو ممكنة، قديمة أو حادثة) . [ ص: 231 ] الاستدلال بإمكان الصفات على وجود الصانع
قلت: وهذه الحجة مبنية على تماثل الأجسام، وقد بين الناس فساد هذه الحجة، وبين الرازي نفسه فسادها، بل وجمهور العقلاء على فسادها. وقد بين ذلك في موضع آخر على وجه لا يبقي في القلب شبهة.