قلت: المقصود أن الطائفة الأولى
nindex.php?page=treesubj&link=22302_28670الذين قالوا: إن العامة عليهم العلم، قالوا: إنه قد يحصل لهم ضرورة، وقد يحصل بالنظر. والطائفة الثانية الذين اكتفوا بالاعتقاد، اعترفوا بأن من الناس من يحصل له المعرفة ضرورة، كسادات
الصوفية. وأما ذكره من أن الحجاج الذي في القرآن يكتفي به العامي، وإن لم يكن فيه الغلبة والفلج، فهذا الكلام يقوله مثل هذا الرجل وأمثاله من أهل الكلام الجاهلين بحقائق ما جاء به التنزيل، وما بعث به الرسول، حتى قد يقول بعضهم: إن الطريقة البرهانية ليست في القرآن، وهؤلاء جهلهم بمعاني الأدلة البرهانية التي دل عليها القرآن، كجهلهم بحقائق ما أخبر به القرآن، بل جهلهم بحقائق ما دل عليه الشرع من الدلائل العقلية والمطالب الخبرية، أعظم من جهلهم بما سلكوه من الطرق البدعية التي سموها عقلية.
وقد رأيت في كلام هذا الرجل وأمثاله من ذلك عجائب يخالفون بها صريح المعقول، مع مخالفتهم لصحيح المنقول، ونقص علمهم وإيمانهم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع.
[ ص: 362 ]
وقد بينا في غير هذا الموضع أن الطرق التي جاء بها القرآن هي الطرق البرهانية التي تحصل العلم في المطالب الإلهية، مثال ذلك أنه يستدل بقياس الأولى البرهاني، لا يستدل بقياس التمثيل والتعديل، وذلك أن الله تعالى ليس مماثلا لشيء من الموجودات، فلا يمكن أن يستعمل في حقه قياس شمول منطقي تستوي أفراده في الحكم، كما لا يستعمل في حقه قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع، فإنه سبحانه لا مثل له، وإنما يستعمل في حقه من هذا وهذا قياس الأولى، مثل أن يقال: كل نقص ينزه عنه مخلوق من المخلوقات، فالخالق تعالى أولى بتنزيهه عنه، وكل كمال مطلق ثبت لموجود من الموجودات، فالخالق تعالى أولى بثبوت الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، لأنه سبحانه واجب الوجود، فوجوده أكمل من الوجود الممكن من كل وجه، ولأنه مبدع الممكنات وخالقها، فكل كمال لها فهو منه وهو معطيه، والذي خلق الكمال وأبدعه وأعطاه أحق بأن يكون له الكمال، كما يقولون: كل كمال في المعلول فهو من العلة.
وكان المشركون يقولون: إن الملائكة بنات الله، كما حكى الله ذلك عنهم بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [سورة الزخرف: 19]، وهم مع هذا يجعلون البنات نقصا وعيبا، ويرون الذكر كمالا، فقال لهم: كيف تصفون ربكم بأنقص الوصفين، وأنتم مع هذا لا ترضون هذا لأنفسكم؟ فهذا احتجاج عليه بطريق
[ ص: 363 ] الأولى في بطلان قولهم: إن له البنات ولهم البنين، لم يحتج بذلك على نفي الولد مطلقا كما يقول من يفتري على القرآن.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون [سورة النحل: 56]،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=59يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم إلى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون [سورة النحل: 57 -62].
فبين سبحانه [وتعالى] أنهم يفضلون أنفسهم على ربهم، ويجعلون له ما يكرهون، ويقولون بوصفهم الكذب أن لهم الحسنى، وأنهم يجعلون لأنفسهم ما يشتهون، وأن ما جعلوا لله نظيره إذا بشر به أحدهم ظل وجهه مسودا يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون. فبين سبحانه أن هذا الحكم حكم سيء.
كما قال تعالى في الآية الأخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21ألكم الذكر وله الأنثى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22تلك إذا قسمة ضيزى [سورة النجم: 21 - 22]، أي قسمة جائرة. وقال في
[ ص: 364 ] الآية الأخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=15وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=16أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=17وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون [سورة الزخرف: 15 - 19]، فقال تعالى مقيما للحجة مخاطبا باستفهام الإنكار المبين لبطلان ما أنكره وامتناعه، وأن ذلك مستقر في الفطر:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=16أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين [سورة الزخرف: 16]، فإنه لو قدر على سبيل الفرض أن يتخذ ولدا، أكان يتخذ مما يخلق بنات ويصفيكم بالبنين؟! أي يجعل البنين صافين لكم لا يشرككم في اتخاذ البنين، بل تكونون أنتم مخصوصون بخير الصنفين، وهو سبحانه مخصوص بالصنف المنقوص؟!
ثم ذكر عنهم ما يبين فرط نقص البنات عندهم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=17وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا [سورة الزخرف: 17]، وهن الإناث، كما ذكر ذلك في سورة النحل، أي بالذي جعله مثلا للرحمن وهن البنات اللاتي جعل للرحمن مثلهن فضربه للرحمن مثلا أي جعله له مثلا حيث مثل به الملائكة الذين جعلهم بنات الله، فجعلهن يماثلن البنات اللاتي [جعل للرحمن مثلهن، فضرب للرحمن - أي
[ ص: 365 ] جعل له - مثلا، يماثل البنات اللاتي] إذا بشر أحدهم بها ظل وجهه مسودا وهو كظيم.
ثم بين نقص النساء فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18أومن ينشأ في الحلية [سورة الزخرف: 18]، وهن النساء تربين في الحلية:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18وهو في الخصام غير مبين [سورة الزخرف: 18]، وهي المرأة لا تكاد تتكلم بحجة لها إلا كانت عليها، فبين أنهن من نقصهن يكملن بالحلية التي تزينهن في أعين الرجال، وهي لا تبين في الخصام.
وعدم البيان صفة نقص، فإن الله ميز الإنسان بالنطق والبيان، الذي فضله به على سائر الحيوان، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرحمن nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2علم القرآن nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خلق الإنسان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4علمه البيان [سورة الرحمن: 1 - 4]، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=3اقرأ وربك الأكرم nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=4الذي علم بالقلم nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=5علم الإنسان ما لم يعلم [سورة العلق: 3 - 5].
nindex.php?page=treesubj&link=28598وأهل المنطق يقولون: الإنسان هو الحيوان الناطق، ولما كان هذا أظهر صفاته قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون [سورة الذاريات: 23]، وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أفرأيتم اللات والعزى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20ومناة الثالثة الأخرى [سورة النجم: 19 - 20]، وهذه هي الأصنام الكبرى التي كانت بمدائن
الحجاز، فإنه كانت
[ ص: 366 ] اللات لأهل
المدينة، والعزى لأهل
مكة، ومناة الثالثة الأخرى لأهل
الطائف.
وهذه كلها مؤنثة، كما قال في الآية الأخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=117إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا [سورة النساء: 117].
وهذه جعلوها شركاء له تعبد من دونه، وسموها بأسمائه مع التأنيث، كما قيل: إن اللات من الإله، والعزى من العزيز، ومناة من مني يمنى إذا قدر، وكانوا يسمونها الربة، وهم سموها بهذه الأسماء التي فيها وصفها لها بالإلهية والعزة والتقدير والربوبية، وهي أسماء سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان، أي من كتاب وحجة، فإن الله تعالى لم يأمر أحدا بأن يعبد أحدا غيره، ولم يجعل لغيره شركاء في إلهيته.
كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [سورة الزخرف: 45].
[ ص: 367 ] nindex.php?page=treesubj&link=28675وهو سبحانه دائما ينزه نفسه في كتابه العزيز عن الشريك والولد، كما ذكره في سورة النحل، حيث قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم [سورة النحل: 56] الآية، وما بعدها.
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا [سورة الإسراء: 111].
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك [سورة الفرقان: 1 ، 2].
وقال [تعالى]:
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قل هو الله أحد nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=2الله الصمد nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لم يلد ولم يولد nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد [سورة الإخلاص].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون [سورة الأنعام: 100].
وقالت الجن:
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا [سورة الجن: 3].
وإذا أراد أن يحتج سبحانه على نفي الولد مطلقا لم يذكر هذه الحجة التي لن يفهم وجهها من لم يعرف ما في القرآن من الحجاج، وظن هو
[ ص: 368 ] وأمثاله من أهل الضلال أن حجاجهم أكمل من حجاج القرآن، وأنهم حققوا أصول الدين أعظم من تحقيق الصحابة والتابعين.
بل يذكر سبحانه الحجة المناسبة للمطلوب كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=116وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=117بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [سورة البقرة: 116 - 117].
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم [سورة الأنعام: 100 - 101].
والكلام على هذه الآيات وما فيها من الأسرار مذكور في غير هذا الموضع، وقد بين هناك أن هؤلاء الآيات تضمنت إبطال قول المبطلين من المشركين
والصابئين وأهل الكتاب، وتضمنت إبطال ما كان يقوله مشركو العرب، وما يقوله النصارى، وما يقوله مشركو
الصابئة وفلاسفتهم، الذين يقولون بتولد العقول، أو العقول والنفوس عنه.
ومن أراد الجمع بين كلامهم وبين النبوات سماها ملائكة، ويقول: العقل كالذكر، والنفس كالأنثى. فهؤلاء خرقوا له بنين وبنات بغير علم.
قُلْتُ: الْمَقْصُودُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى
nindex.php?page=treesubj&link=22302_28670الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْعَامَّةَ عَلَيْهِمُ الْعِلْمُ، قَالُوا: إِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ ضَرُورَةً، وَقَدْ يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ. وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّذِينَ اكْتَفَوْا بِالِاعْتِقَادِ، اعْتَرَفُوا بِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْمَعْرِفَةُ ضَرُورَةً، كَسَادَاتِ
الصُّوفِيَّةِ. وَأَمَّا ذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ الْحِجَاجَ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ يَكْتَفِي بِهِ الْعَامِّيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْغَلَبَةُ وَالْفَلْجُ، فَهَذَا الْكَلَامُ يَقُولُهُ مِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْجَاهِلِينَ بِحَقَائِقِ مَا جَاءَ بِهِ التَّنْزِيلُ، وَمَا بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ، حَتَّى قَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الطَّرِيقَةَ الْبُرْهَانِيَّةَ لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ، وَهَؤُلَاءِ جَهْلُهُمْ بِمَعَانِي الْأَدِلَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، كَجَهْلِهِمْ بِحَقَائِقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ، بَلْ جَهْلُهُمْ بِحَقَائِقِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ مِنَ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْمَطَالِبِ الْخَبَرِيَّةِ، أَعْظَمُ مِنْ جَهْلِهِمْ بِمَا سَلَكُوهُ مِنَ الطُّرُقِ الْبِدْعِيَّةِ الَّتِي سَمَّوْهَا عَقْلِيَّةً.
وَقَدْ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ وَأَمْثَالِهِ مِنْ ذَلِكَ عَجَائِبَ يُخَالِفُونَ بِهَا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ، مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ، وَنَقْصِ عِلْمِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
[ ص: 362 ]
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الطُّرُقَ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ هِيَ الطُّرُقُ الْبُرْهَانِيَّةُ الَّتِي تُحَصِّلُ الْعِلْمَ فِي الْمَطَالِبِ الْإِلَهِيَّةِ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى الْبُرْهَانِيِّ، لَا يَسْتَدِلُّ بِقِيَاسِ التَّمْثِيلِ وَالتَّعْدِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ مُمَاثِلًا لِشَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَقِّهِ قِيَاسُ شُمُولٍ مَنْطِقِيٍّ تَسْتَوِي أَفْرَادُهُ فِي الْحُكْمِ، كَمَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّهِ قِيَاسُ تَمْثِيلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّهِ مِنْ هَذَا وَهَذَا قِيَاسُ الْأَوْلَى، مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ نَقْصٍ يُنَزِّهُ عَنْهُ مَخْلُوقٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَالْخَالِقُ تَعَالَى أَوْلَى بِتَنْزِيهِهِ عَنْهُ، وَكُلُّ كَمَالٍ مُطْلَقٍ ثَبَتَ لِمَوْجُودٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، فَالْخَالِقُ تَعَالَى أَوْلَى بِثُبُوتِ الْكَمَالِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ، فَوُجُودُهُ أَكْمَلُ مِنَ الْوُجُودِ الْمُمْكِنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِأَنَّهُ مُبْدِعُ الْمُمْكِنَاتِ وَخَالِقُهَا، فَكُلُّ كَمَالٍ لَهَا فَهُوَ مِنْهُ وَهُوَ مُعْطِيهِ، وَالَّذِي خَلَقَ الْكَمَالَ وَأَبْدَعَهُ وَأَعْطَاهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ الْكَمَالُ، كَمَا يَقُولُونَ: كُلُّ كَمَالٍ فِي الْمَعْلُولِ فَهُوَ مِنَ الْعِلَّةِ.
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، كَمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا [سُورَةَ الزُّخْرُفِ: 19]، وَهُمْ مَعَ هَذَا يَجْعَلُونَ الْبَنَاتَ نَقْصًا وَعَيْبًا، وَيَرَوْنَ الذَّكَرَ كَمَالًا، فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ تَصِفُونَ رَبَّكُمْ بِأَنْقَصِ الْوَصْفَيْنِ، وَأَنْتُمْ مَعَ هَذَا لَا تَرْضَوْنَ هَذَا لِأَنْفُسِكُمْ؟ فَهَذَا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ
[ ص: 363 ] الْأَوْلَى فِي بُطْلَانِ قَوْلِهِمْ: إِنَّ لَهُ الْبَنَاتَ وَلَهُمُ الْبَنِينَ، لَمْ يَحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ مُطْلَقًا كَمَا يَقُولُ مَنْ يَفْتَرِي عَلَى الْقُرْآنِ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ [سُورَةَ النَّحْلِ: 56]،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=57وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=59يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنَ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=62وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ [سُورَةَ النَّحْلِ: 57 -62].
فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ [وَتَعَالَى] أَنَّهُمْ يُفَضِّلُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى رَبِّهِمْ، وَيَجْعَلُونَ لَهُ مَا يَكْرَهُونَ، وَيَقُولُونَ بِوَصْفِهِمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمَ الْحُسْنَى، وَأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا يَشْتَهُونَ، وَأَنَّ مَا جَعَلُوا لِلَّهِ نَظِيرُهُ إِذَا بُشِّرَ بِهِ أَحَدُهُمْ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءٍ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ حُكْمٌ سَيِّءٌ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=21أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=22تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [سُورَةَ النَّجْمِ: 21 - 22]، أَيْ قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ. وَقَالَ فِي
[ ص: 364 ] الْآيَةِ الْأُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=15وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=16أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=17وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=19وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [سُورَةَ الزُّخْرُفِ: 15 - 19]، فَقَالَ تَعَالَى مُقِيمًا لِلْحُجَّةِ مُخَاطِبًا بِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ الْمُبَيِّنِ لِبُطْلَانِ مَا أَنْكَرَهُ وَامْتِنَاعِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَقِرٌّ فِي الْفِطَرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=16أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ [سُورَةَ الزُّخْرُفِ: 16]، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، أَكَانَ يَتَّخِذُ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَيَصْفِيكُمْ بِالْبَنِينَ؟! أَيْ يَجْعَلُ الْبَنِينَ صَافِينَ لَكُمْ لَا يَشْرَكُكُمْ فِي اتِّخَاذِ الْبَنِينَ، بَلْ تَكُونُونَ أَنْتُمْ مَخْصُوصُونَ بِخَيْرِ الصِّنْفَيْنِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَخْصُوصٌ بِالصِّنْفِ الْمَنْقُوصِ؟!
ثُمَّ ذَكَرَ عَنْهُمْ مَا يُبَيِّنُ فَرْطَ نَقْصِ الْبَنَاتِ عِنْدَهُمْ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=17وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا [سُورَةَ الزُّخْرُفِ: 17]، وَهُنَّ الْإِنَاثُ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ، أَيْ بِالَّذِي جَعَلَهُ مَثَلًا لِلرَّحْمَنِ وَهُنَّ الْبَنَاتُ اللَّاتِي جَعَلَ لِلرَّحْمَنِ مِثْلَهُنَّ فَضَرَبَهُ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا أَيْ جَعَلَهُ لَهُ مَثَلًا حَيْثُ مَثَّلَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ بَنَاتَ اللَّهِ، فَجَعَلَهُنَّ يُمَاثِلْنَ الْبَنَاتَ اللَّاتِي [جَعَلَ لِلرَّحْمَنِ مِثْلَهُنَّ، فَضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ - أَيْ
[ ص: 365 ] جَعَلَ لَهُ - مَثَلًا، يُمَاثِلُ الْبَنَاتَ اللَّاتِي] إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِهَا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسَوَّدًا وَهُوَ كَظِيمٌ.
ثُمَّ بَيَّنَ نَقْصَ النِّسَاءِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ [سُورَةَ الزُّخْرُفِ: 18]، وَهُنَّ النِّسَاءُ تُرَبَّيْنَ فِي الْحِلْيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=18وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [سُورَةَ الزُّخْرُفِ: 18]، وَهِيَ الْمَرْأَةُ لَا تَكَادُ تَتَكَلَّمُ بِحُجَّةٍ لَهَا إِلَّا كَانَتْ عَلَيْهَا، فَبَيَّنَ أَنَّهُنَّ مِنْ نَقْصِهِنَّ يَكْمُلْنَ بِالْحِلْيَةِ الَّتِي تُزَيِّنُهُنَّ فِي أَعْيُنِ الرِّجَالِ، وَهِيَ لَا تُبِينُ فِي الْخِصَامِ.
وَعَدَمُ الْبَيَانِ صِفَةُ نَقْصٍ، فَإِنَّ اللَّهَ مَيَّزَ الْإِنْسَانَ بِالنُّطْقِ وَالْبَيَانِ، الَّذِي فَضَّلَهُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرَّحْمَنُ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2عَلَّمَ الْقُرْآنَ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خَلَقَ الإِنْسَانَ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [سُورَةَ الرَّحْمَنِ: 1 - 4]، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=3اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=4الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=5عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [سُورَةَ الْعَلَقِ: 3 - 5].
nindex.php?page=treesubj&link=28598وَأَهْلُ الْمَنْطِقِ يَقُولُونَ: الْإِنْسَانُ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا أَظْهَرُ صِفَاتِهِ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=23فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [سُورَةَ الذَّارِيَاتِ: 23]، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=19أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=20وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [سُورَةَ النَّجْمِ: 19 - 20]، وَهَذِهِ هِيَ الْأَصْنَامُ الْكُبْرَى الَّتِي كَانَتْ بِمَدَائِنِ
الْحِجَازِ، فَإِنَّهُ كَانَتِ
[ ص: 366 ] اللَّاتُ لِأَهْلِ
الْمَدِينَةِ، وَالْعُزَّى لِأَهْلِ
مَكَّةَ، وَمَنَاةُ الثَّالِثَةُ الْأُخْرَى لِأَهْلِ
الطَّائِفِ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا مُؤَنَّثَةٌ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=117إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا [سُورَةَ النِّسَاءِ: 117].
وَهَذِهِ جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لَهُ تُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ، وَسَمَّوْهَا بِأَسْمَائِهِ مَعَ التَّأْنِيثِ، كَمَا قِيلَ: إِنَّ اللَّاتَ مِنَ الْإِلَهِ، وَالْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ، وَمَنَاةَ مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى إِذَا قَدَّرَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا الرَّبَّةَ، وَهُمْ سَمَّوْهَا بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي فِيهَا وَصْفُهَا لَهَا بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْعِزَّةِ وَالتَّقْدِيرِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَهِيَ أَسْمَاءٌ سَمَّوْهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، أَيْ مِنْ كِتَابٍ وَحُجَّةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِأَنْ يَعْبُدَ أَحَدًا غَيْرَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِ شُرَكَاءَ فِي إِلَهِيَّتِهِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مَنْ قَبْلِكَ مَنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مَنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [سُورَةَ الزُّخْرُفِ: 45].
[ ص: 367 ] nindex.php?page=treesubj&link=28675وَهُوَ سُبْحَانَهُ دَائِمًا يُنَزِّهُ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ، حَيْثُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ [سُورَةَ النَّحْلِ: 56] الْآيَةَ، وَمَا بَعْدَهَا.
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=111وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [سُورَةَ الْإِسْرَاءِ: 111].
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [سُورَةَ الْفُرْقَانِ: 1 ، 2].
وَقَالَ [تَعَالَى]:
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=2اللَّهُ الصَّمَدُ nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=3لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [سُورَةَ الْإِخْلَاصِ].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ [سُورَةَ الْأَنْعَامِ: 100].
وَقَالَتِ الْجِنُّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=3وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا [سُورَةَ الْجِنِّ: 3].
وَإِذَا أَرَادَ أَنَّ يَحْتَجَّ سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكَرْ هَذِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي لَنْ يَفْهَمَ وَجْهَهَا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْحِجَاجِ، وَظَنَّ هُوَ
[ ص: 368 ] وَأَمْثَالُهُ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ أَنَّ حِجَاجَهُمْ أَكْمَلُ مِنْ حِجَاجِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُمْ حَقَّقُوا أُصُولَ الدِّينِ أَعْظَمَ مِنْ تَحْقِيقِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
بَلْ يَذْكُرُ سُبْحَانَهُ الْحُجَّةَ الْمُنَاسِبَةَ لِلْمَطْلُوبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=116وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=117بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سُورَةَ الْبَقَرَةِ: 116 - 117].
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=101بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [سُورَةَ الْأَنْعَامِ: 100 - 101].
وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَسْرَارِ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ بُيِّنَ هُنَاكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ تَضَمَّنَتْ إِبْطَالَ قَوْلِ الْمُبْطِلِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَالصَّابِئِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَضَمَّنَتْ إِبْطَالَ مَا كَانَ يَقُولُهُ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَمَا يَقُولُهُ النَّصَارَى، وَمَا يَقُولُهُ مُشْرِكُو
الصَّابِئَةِ وَفَلَاسِفَتُهُمُ، الَّذِينَ يَقُولُونَ بِتَوَلُّدِ الْعُقُولِ، أَوِ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ عَنْهُ.
وَمَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَبَيْنَ النُّبُوَّاتِ سَمَّاهَا مَلَائِكَةً، وَيَقُولُ: الْعَقْلُ كَالذَّكَرِ، وَالنَّفْسُ كَالْأُنْثَى. فَهَؤُلَاءِ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ.