ومن المستقر في بدائه العقول أن خلق السماوات والأرض أعظم من خلق الآدميين، فإذا كان فيها من الدلالة على علم خالقها وقدرته وحكمته ما بهر العقل، أفلا يكون ذلك دالا على أنه قادر على إحياء الموتى لا يعيى بذلك كما لم يعي بالأول بطريق الأولى والأحرى؟
ولعل هذا الجاهل لم يفهم هذه الآية، فظن أن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=33ولم يعي بخلقهن [سورة الأحقاف: 33]، وهو من الإعياء: الذي هو النصب واللغوب، وأن المعنى إذا كنا ما تعبنا في الخلق الأول، فكيف نتعب في الثاني؟ فإن كان هذا هو الذي فهمه من الآية، كما يفهم ذلك جهال العامة الذين لا يعرفون لغة العرب ولا تفسير القرآن، ولا يفرقون بين عيي وأعيا، فقد أوتي من جهة جهله بالعقل والسمع.
وهؤلاء المبتدعون يجهلون حقائق ما جاء به الرسول، ويعرضون عنه، ثم يحكمون بموجب جهلهم أن ليس في ذلك من البراهين من
[ ص: 382 ] جنس ما في كلامهم، ولو أوتوا العقل والفهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لتبينوا أنه الجامع لكل خير.
وأما فساد طرقهم المخالفة للنصوص، فهو بين لكل ذكي فاضل منهم ومن غيرهم. ويكفيك أن عمدتهم في أصول الدين إما دليل الأعراض، وقد علم ما فيه من الاعتراض، وإما دليل الوجوب المستلزم للواجب.
وقد بينا في غير هذا الوضع أن تلك الطريقة لا تدل على وجود واجب، فإن ذلك إنما يدل إذا ثبت وجود الممكن الذي يستلزم الواجب. والممكن عندهم هو متناول القديم والحادث، فجعلوا القديم الأزلي داخلا في مسمى الممكن، وخالفوا بذلك سائر العقلاء من سلفهم وغيرهم، مع تناقضهم في ذلك.
وبهذا التقدير لا يمكنهم أن يقيموا دليلا على أن الممكن بهذا الاعتبار يحتاج إلى فاعل. وقد أوردوا على هذه الطريقة من الاعتراضات ما أوردوه، ولم يمكنهم أن يجيبوا عنه بجواب صحيح، كما قد بسط في موضعه. ثم غايته إثبات وجود واجب لا يتميز عن المخلوقات، ولهذا صار كثير منهم إلى أن الوجود الواجب لا يتميز على المخلوقات. ولهذا صار كثير منهم إلى أن الوجود الواجب هو وجود المخلوقات، فكثير
[ ص: 383 ] من نظارهم يطعن في دليل إثبات واجب الوجود، وكثير من محققيهم وعارفيهم يقول: إن الوجود الواجب هو وجود المخلوقات.
ومآل القولين واحد، وهو قول
فرعون الذي أنكر رب العالمين، فإن
فرعون وغيره لم ينكروا وجود هذا العالم المشهود، فمن جعله هو الوجود الواجب، أو كان قوله لا يدل إلا على ذلك، كان منكرا للصانع. ثم إذا كان هذا الوجود الواجب، كان ما يلزمهم على ذلك من المحالات أضعاف ما فروا منه، كما بينا ذلك في غير هذا الموضع.
فمن جعله وجود كل موجود، كان فيه الشهادة على نفس الوجود المحدث الكائن بعد أن لم يكن بأنه واجب، ومن جعله وجود الفلك كان فيه من افتقار واجب الوجود إلى غيره، ومن حدوث الحوادث بلا سبب فاعل، ومن غير ذلك ما يناقض أصولهم وأصول غيرهم المتفق على صحتها، ويوقعهم في شر مما منه فروا.
والمقصود هنا أنه سبحانه لما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=15أفعيينا بالخلق الأول [سورة ق: 15]، لم يرد الإعياء الذي هو التعب، وإنما أراد العي، كما تقول العرب: عيي بأمره إذا لم يهتد لوجهه. وحينئذ فيكون في الآية من الدلالة على علم الخالق وحكمته ما يبين أنه خلقه بمشيئته وقدرته وحكمته وعلمه.
nindex.php?page=treesubj&link=28760ومن كان خالقا لهذا العالم بمشيئته وقدرته وحكمته وعلمه، كان بأن يقدر على إحياء الموتى أولى وأحرى. [ ص: 384 ] nindex.php?page=treesubj&link=28760والملاحدة المنكرون للمعاد تعود شبههم كلها إلى ما ينفي علم الرب تعالى أو قدرته أو مشيئته أو حكمته. ونفي العي يثبت هذه الصفات، فتنتفي أصول شبههم.
فالفلاسفة الإلهيون الذين هم أشهر هذه الطوائف بالحكمة والنظر والعلم - رهط
nindex.php?page=showalam&ids=14868الفارابي nindex.php?page=showalam&ids=13251وابن سينا وأمثالهما - عمدتهم في إنكار المعاد هو اعتقادهم قدم العالم، وأن الفاعل علة تامة موجبة بالذات، لا يختلف فعلها، فلا يجوز أن يتغير العالم لأجل ذلك.
وهؤلاء في كلامهم من نفي قدرته وعلمه ومشيئته ما هو مبسوط في غير هذا الموضع. ومن أيسر ذلك أنهم في الحقيقة ينكرون أن يكون خالقا للمحدثات.
وإذا كان قد عرف بضرورة العقل أن المحدثات، وما فيها من التخصيص والإتقان والحكمة، دل على الخالق العليم القدير الحكيم، علم فساد قول هؤلاء، فإن قولهم يستلزم أن تكون المحدثات كلها حدثت بلا محدث، لأن العلة القديمة التامة التي جعلوها الأول لا يتأخر عنها شيء من معلولاتها، فلا يكون شيء من الحوادث معلولا لها، فلا يكون مفعولا لها، ولا يجوز أن تكون الحوادث معلولة لعلة أخرى تامة موجبة بذاتها، لأن القول في تلك
[ ص: 385 ] العلة كالقول في هذه، ولا يجوز أن يكون صدرت عن ممكن لا علة له، لأن الممكن لا يكون موجودا بنفسه، بل لا بد له من موجد - سمي علة أو لم يسم - ولا يجوز أن يكون صدرت عن ممكن بنفسه، لأن كون ذلك الممكن محدثا لها أمر ممكن محدث، فلا بد له من محدث، فإذا استحال على أصولهم صدور الحوادث عن العلة التامة الواجبة بواسطة أو غير واسطة، فقد تعذر صدورها عن ممكن لا موجب له، وعن موجب لا يستند فعله إلى الواجب بنفسه، لزم على قولهم أن لا يكون لها فاعل.
ووجه الحصر أن يقال: محدث الحوادث: إما أن يكون هو الواجب بنفسه، بوسط أو بغير وسط، أو غير الواجب بنفسه. وما ليس بواجب بنفسه فهو الممكن. والممكن إما أن يكون له موجد، وإما أن لا يكون. والثاني ممتنع. والأول نفس إحداثه للمحدثات أمر حادث ممكن، فلا بد له من موجد.
فتبين أن المحدثات لا بد لها من محدث، يكون واجبا بنفسه، ولا يكون علة تامة مستلزمة لمعلولها، وهذا يبطل أصل قولهم.
وهذا قول حذاقهم -
nindex.php?page=showalam&ids=13251كابن سينا وأمثاله - الذين يقولون: إنه صدر عن موجب بالذات. 0 ويحكى هذا القول عن
برقلس. وأما
أرسطو وأتباعه فعندهم الأول لا يوجب شيئا ولا يفعل شيئا، بل
[ ص: 386 ] الفلك يتحرك للتشبه به - وهذا أفسد من ذاك من طرق متعددة وليس هذا موضع بسط ذلك.
وإنما المقصود هنا التنبيه على [أن] قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=33ولم يعي بخلقهن [سورة الأحقاف: 33]، فيه تنبيه على ثبوت الأمور التي توجب وصف خالق السماوات والأرض بصفات الكمال وبإحداث الأفعال، وذلك هو الذي يستلزم قدرته على إحياء الموتى، وبسط ذلك يطول.
ومما يبين خذلان الله لأهل البدع، والمخالفين للكتاب والسنة، أن هذين الأصلين: أمر الولادة، وأمر المعاد، هما من أعظم أصول أهل الضلال
nindex.php?page=treesubj&link=28839كالدهرية من الفلاسفة وغيرهم، الذين يقولون: إن العقول تولدت عن الله، وينكرون إحياء الله الموتى.
وفي الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=654592عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، وكذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك. فأما شتمه إياي فقوله: إني اتخذت ولدا، وأنا الأحد الصمد، الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد. وأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته. وهذا في الصحيح من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس. [ ص: 387 ] وهؤلاء الملاحدة شتموه بما ذكروه من تولد الموجودات عنه، وكذبوه بقولهم: لن يعيدنا كما بدأنا، وضاهوا في ذلك أشباههم من ملاحدة العرب.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=78أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=79كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80ونرثه ما يقول ويأتينا فردا إلى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وقالوا اتخذ الرحمن ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=89لقد جئتم شيئا إدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أن دعوا للرحمن ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=94لقد أحصاهم وعدهم عدا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=95وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [سورة مريم: 66 - 95].
فذكر سبحانه في هذا الكلام الرد على من أنكر المعاد، وعلى من قال: إنه اتخذ ولدا، كما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في الحديث.
[ ص: 388 ]
وهذا المبتدع ذكر في دلالة القرآن على هذا وعلى هذا ما تقدم التنبيه على فرط ضلال قائله عن حقائق ما أنزل الله على رسوله.
ولهذا كانت طريقة القرآن فيما يثبته للرب تعالى وينفيه عنه مبنية على برهان الأولى، لا على البرهان الذي تستوي أفراده، أو يماثل فرعه أصله.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى [سورة النحل: 60]، بعد قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم [سورة النحل: 58].
وقال تعالى في الآية الأخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=17وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن [سورة الزخرف: 17]، أي بما ضربوه للرحمن مثلا، والمثل الذي ضربوه له هو البنات، وهو عندهم مثل سوء مذموم معيب.
فقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء [سورة النحل: 60]، ومن قال: إنه ولد الملائكة، أو قال: إنه ولد العقول أو النفوس، فإنه لا يؤمن بالآخرة، فله مثل السوء.
والله تعالى له المثل الأعلى، فلا يضرب له المثل المساوي، إذ لا كفو له ولا ند، فضلا عن أن يضرب له المثل الناقص، ولا يكتفى في حقه بالمثل العالي، بل له المثل الأعلى، إذ هو الأعلى سبحانه، والعلم به أعلى العلوم، وذكره أعلى الأذكار، وحبه أعلى الحب.
[ ص: 389 ]
والذي يبتغي وجه ربه الأعلى [هو أعلى] إذ هو الأتقى الذي هو أكرم الخلق على الله، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13إن أكرمكم عند الله أتقاكم [سورة الحجرات: 13]، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وسيجنبها الأتقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الذي يؤتي ماله يتزكى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=19وما لأحد عنده من نعمة تجزى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=20إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى [سورة الليل: 17 - 20].
ونظير ما ذكره سبحانه في الأولاد، ما ذكره في الشركاء في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم [سورة الروم: 28]، يقول تعالى: إذا كان الواحد منكم ليس له من مماليكه شريك في ما رزقه الله، بحيث يخاف ذلك المملوك، كما يخاف السادة بعضهم بعضا، فكيف تجعلون لي شريكا هو مملوكي، وتجعلونه شريكا فيما يختص بي من العبادة والمخافة والرجاء حتى تخافوه كما تخافوني؟.
ومن المعلوم أن ملك الناس بعضهم بعضا ملك ناقص، فإن السيد لا يملك من عبده إلا بعض منافعه، لا يملك عينه، وهو شبيه بملك الرجل بعض منافع امرأته، وملك المستأجر بعض منافع أجيره. ولهذا
[ ص: 390 ] يشبه النكاح بملك اليمين، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله، وقرأ قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25وألفيا سيدها لدا الباب [سورة يوسف: 25]، فإذا كان هذا الملك الناقص لا يكون المملوك فيه شريكا للمالك، فكيف بالملك الحق التام لكل شيء؟ ملك المالك للأعيان والصفات، والمنافع والأفعال، الذي لا يخرج عن ملكه شيء بوجه من الوجوه، ولا لغيره ملك مفرد، ولا شريك في ملك ولا معاونة له بوجه من الوجوه، كيف يسوغ في مثل هذا، أن يجعل مملوكه شريكه بوجه من الوجوه؟.
وَمِنَ الْمُسْتَقِرِّ فِي بَدَائِهِ الْعُقُولِ أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِذَا كَانَ فِيهَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى عِلْمِ خَالِقِهَا وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ مَا بَهَرَ الْعَقْلَ، أَفَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى لَا يَعْيَى بِذَلِكَ كَمَا لَمْ يَعْيَ بِالْأَوَّلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؟
وَلَعَلَّ هَذَا الْجَاهِلَ لَمْ يَفْهَمْ هَذِهِ الْآيَةَ، فَظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=33وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ [سُورَةَ الْأَحْقَافِ: 33]، وَهُوَ مِنَ الْإِعْيَاءِ: الَّذِي هُوَ النَّصَبُ وَاللُّغُوبُ، وَأَنَّ الْمَعْنَى إِذَا كُنَّا مَا تَعِبْنَا فِي الْخَلْقِ الْأَوَّلِ، فَكَيْفَ نَتْعَبُ فِي الثَّانِي؟ فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ مِنَ الْآيَةِ، كَمَا يَفْهَمُ ذَلِكَ جُهَّالُ الْعَامَّةِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ لُغَةَ الْعَرَبِ وَلَا تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ، وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ عَيِيَ وَأَعْيَا، فَقَدْ أُوتِيَ مِنْ جِهَةِ جَهْلِهِ بِالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ.
وَهَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعُونَ يَجْهَلُونَ حَقَائِقَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَيُعْرِضُونَ عَنْهُ، ثُمَّ يَحْكُمُونَ بِمُوجِبِ جَهْلِهِمْ أَنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْبَرَاهِينِ مِنْ
[ ص: 382 ] جِنْسِ مَا فِي كَلَامِهِمْ، وَلَوْ أُوتُوا الْعَقْلَ وَالْفَهْمَ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَتَبَيَّنُوا أَنَّهُ الْجَامِعُ لِكُلِّ خَيْرٍ.
وَأَمَّا فَسَادُ طُرُقِهِمُ الْمُخَالِفَةِ لِلنُّصُوصِ، فَهُوَ بَيِّنٌ لِكُلِّ ذَكِيٍّ فَاضِلٍ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ. وَيَكْفِيكَ أَنَّ عُمْدَتَهُمْ فِي أُصُولِ الدِّينِ إِمَّا دَلِيلُ الْأَعْرَاضِ، وَقَدْ عُلِمَ مَا فِيهِ مِنَ الِاعْتِرَاضِ، وَإِمَّا دَلِيلُ الْوُجُوبِ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْوَاجِبِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْوَضْعِ أَنَّ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى وُجُودٍ وَاجِبٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَدُلُّ إِذَا ثَبَتَ وُجُودُ الْمُمْكِنِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْوَاجِبَ. وَالْمُمْكِنُ عِنْدَهُمْ هُوَ مُتَنَاوَلٌ الْقَدِيمَ وَالْحَادِثَ، فَجَعَلُوا الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى الْمُمْكِنِ، وَخَالَفُوا بِذَلِكَ سَائِرَ الْعُقَلَاءِ مِنْ سَلَفِهِمْ وَغَيْرِهِمْ، مَعَ تُنَاقُضِهِمْ فِي ذَلِكَ.
وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُقِيمُوا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَحْتَاجُ إِلَى فَاعِلٍ. وَقَدْ أَوْرَدُوا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنَ الِاعْتِرَاضَاتِ مَا أَوْرَدُوهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يُجِيبُوا عَنْهُ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. ثُمَّ غَايَتُهُ إِثْبَاتُ وُجُودٍ وَاجِبٍ لَا يَتَمَيَّزُ عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلِهَذَا صَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ لَا يَتَمَيَّزُ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ. وَلِهَذَا صَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ، فَكَثِيرٌ
[ ص: 383 ] مِنْ نُظَّارِهِمْ يَطْعَنُ فِي دَلِيلِ إِثْبَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَكَثِيرٌ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ وَعَارِفِيهِمْ يَقُولُ: إِنَّ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَمَآلُ الْقَوْلَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ
فِرْعَوْنَ الَّذِي أَنْكَرَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّ
فِرْعَوْنَ وَغَيْرَهُ لَمْ يُنْكِرُوا وُجُودَ هَذَا الْعَالَمِ الْمَشْهُودِ، فَمَنْ جَعَلَهُ هُوَ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ، أَوْ كَانَ قَوْلُهُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، كَانَ مُنْكِرًا لِلصَّانِعِ. ثُمَّ إِذَا كَانَ هَذَا الْوُجُودَ الْوَاجِبَ، كَانَ مَا يَلْزَمُهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمُحَالَاتِ أَضْعَافَ مَا فَرُّوا مِنْهُ، كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
فَمَنْ جَعَلَهُ وُجُودَ كُلِّ مَوْجُودٍ، كَانَ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى نَفْسِ الْوُجُودِ الْمُحْدَثِ الْكَائِنِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَمَنْ جَعَلَهُ وُجُودَ الْفَلَكِ كَانَ فِيهِ مِنَ افْتِقَارِ وَاجِبِ الْوُجُودِ إِلَى غَيْرِهِ، وَمِنْ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ فَاعِلٍ، وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَا يُنَاقِضُ أُصُولَهُمْ وَأُصُولَ غَيْرِهِمُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهَا، وَيُوقِعُهُمْ فِي شَرٍّ مِمَّا مِنْهُ فَرُّوا.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=15أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ [سُورَةَ ق: 15]، لَمْ يُرِدِ الْإِعْيَاءَ الَّذِي هُوَ التَّعَبُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَيَّ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: عَيِيَ بِأَمْرِهِ إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لِوَجْهِهِ. وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ فِي الْآيَةِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى عِلْمِ الْخَالِقِ وَحِكْمَتِهِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ.
nindex.php?page=treesubj&link=28760وَمَنْ كَانَ خَالِقًا لِهَذَا الْعَالَمِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ، كَانَ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى أَوْلَى وَأَحْرَى. [ ص: 384 ] nindex.php?page=treesubj&link=28760وَالْمَلَاحِدَةُ الْمُنْكِرُونَ لِلْمَعَادِ تَعُودُ شُبَهُهُمْ كُلُّهَا إِلَى مَا يَنْفِي عِلْمَ الرَّبِّ تَعَالَى أَوْ قُدْرَتَهُ أَوْ مَشِيئَتَهُ أَوْ حِكْمَتَهُ. وَنَفْيُ الْعَيِّ يُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَتَنْتَفِي أُصُولُ شُبَهِهِمْ.
فَالْفَلَاسِفَةُ الْإِلَهِيُّونَ الَّذِينَ هُمْ أَشْهَرُ هَذِهِ الطَّوَائِفِ بِالْحِكْمَةِ وَالنَّظَرِ وَالْعِلْمِ - رَهْطُ
nindex.php?page=showalam&ids=14868الْفَارَابِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=13251وَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِمَا - عُمْدَتُهُمْ فِي إِنْكَارِ الْمَعَادِ هُوَ اعْتِقَادُهُمْ قِدَمَ الْعَالَمِ، وَأَنَّ الْفَاعِلَ عِلَّةٌ تَامَّةٌ مُوجِبَةٌ بِالذَّاتِ، لَا يَخْتَلِفُ فِعْلُهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَغَيَّرَ الْعَالَمُ لِأَجْلِ ذَلِكَ.
وَهَؤُلَاءِ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ نَفْيِ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَمِنْ أَيْسَرِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِلْمُحْدَثَاتِ.
وَإِذَا كَانَ قَدْ عُرِفَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَنَّ الْمُحْدَثَاتِ، وَمَا فِيهَا مِنَ التَّخْصِيصِ وَالْإِتْقَانِ وَالْحِكْمَةَ، دَلَّ عَلَى الْخَالِقِ الْعَلِيمِ الْقَدِيرِ الْحَكِيمِ، عُلَمَ فَسَادُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْمُحْدَثَاتُ كُلُّهَا حَدَثَتْ بِلَا مُحْدِثٍ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْقَدِيمَةَ التَّامَّةَ الَّتِي جَعَلُوهَا الْأَوَّلَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْلُولَاتِهَا، فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ مَعْلُولًا لَهَا، فَلَا يَكُونُ مَفْعُولًا لَهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْحَوَادِثُ مَعْلُولَةً لِعِلَّةٍ أُخْرَى تَامَّةٍ مُوجِبَةٍ بِذَاتِهَا، لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي تِلْكَ
[ ص: 385 ] الْعِلَّةِ كَالْقَوْلِ فِي هَذِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَرَتْ عَنْ مُمْكِنٍ لَا عِلَّةَ لَهُ، لِأَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِدٍ - سُمِّيَ عِلَّةً أَوْ لَمْ يُسَمَّ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَرَتْ عَنْ مُمْكِنٍ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّ كَوْنَ ذَلِكَ الْمُمْكِنِ مُحْدِثًا لَهَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ مُحْدَثٌ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ، فَإِذَا اسْتَحَالَ عَلَى أُصُولِهِمْ صُدُورُ الْحَوَادِثِ عَنِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ الْوَاجِبَةِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَقَدْ تَعَذَّرَ صُدُورُهَا عَنْ مُمْكِنٍ لَا مُوجِبَ لَهُ، وَعَنْ مُوجِبٍ لَا يَسْتَنِدُ فِعْلُهُ إِلَى الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ، لَزِمَ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فَاعِلٌ.
وَوَجْهُ الْحَصْرِ أَنْ يُقَالَ: مُحْدِثُ الْحَوَادِثِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاجِبَ بِنَفْسِهِ، بِوَسَطٍ أَوْ بِغَيْرِ وَسَطٍ، أَوْ غَيْرَ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ. وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِنَفْسِهِ فَهُوَ الْمُمْكِنُ. وَالْمُمْكِنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مُوجِدٌ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونُ. وَالثَّانِي مُمْتَنِعٌ. وَالْأَوَّلُ نَفْسُ إِحْدَاثِهِ لِلْمُحْدَثَاتِ أَمْرٌ حَادِثٌ مُمْكِنٌ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِدٍ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُحْدَثَاتِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُحَدِثٍ، يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ عِلَّةً تَامَّةً مُسْتَلْزِمَةً لِمَعْلُولِهَا، وَهَذَا يُبْطِلُ أَصْلَ قَوْلِهِمْ.
وَهَذَا قَوْلُ حُذَّاقِهِمْ -
nindex.php?page=showalam&ids=13251كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ - الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ صَدَرَ عَنْ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ. 0 وَيُحْكَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ
بَرْقِلِسَ. وَأَمَّا
أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ فَعِنْدُهُمُ الْأَوَّلُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا، بَلِ
[ ص: 386 ] الْفَلَكُ يَتَحَرَّكُ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ - وَهَذَا أَفْسَدُ مِنْ ذَاكَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى [أَنَّ] قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=33وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ [سُورَةَ الْأَحْقَافِ: 33]، فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى ثُبُوتِ الْأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ وَصْفَ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَبِإِحْدَاثِ الْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ قُدْرَتَهُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَبَسْطُ ذَلِكَ يَطُولُ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ خُذْلَانَ اللَّهِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ، وَالْمُخَالِفِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَنَّ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ: أَمْرُ الْوِلَادَةِ، وَأَمْرُ الْمَعَادِ، هُمَا مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ أَهْلِ الضَّلَالِ
nindex.php?page=treesubj&link=28839كَالدَّهْرِيَّةِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمُ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعُقُولَ تَوَلَّدَتْ عَنِ اللَّهِ، وَيُنْكِرُونَ إِحْيَاءَ اللَّهِ الْمَوْتَى.
وَفِي الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=654592عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: إِنِّي اتَّخَذْتُ وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَهَذَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ، nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ. [ ص: 387 ] وَهَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ شَتَمُوهُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَوَلُّدِ الْمَوْجُودَاتِ عَنْهُ، وَكَذَّبُوهُ بِقَوْلِهِمْ: لَنْ يُعِيدَنَا كَمَا بَدَأَنَا، وَضَاهَوْا فِي ذَلِكَ أَشْبَاهَهُمْ مِنْ مَلَاحِدَةِ الْعَرَبِ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=66وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=67أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=77أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=78أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=79كَلا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=80وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=88وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=89لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=90تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=91أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=92وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=93إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=94لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=95وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [سُورَةَ مَرْيَمَ: 66 - 95].
فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْمَعَادَ، وَعَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّهُ اتَّخَذَ وَلَدًا، كَمَا جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَدِيثِ.
[ ص: 388 ]
وَهَذَا الْمُبْتَدِعُ ذَكَرَ فِي دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى فَرْطِ ضَلَالِ قَائِلِهِ عَنْ حَقَائِقِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ.
وَلِهَذَا كَانَتْ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ فِيمَا يُثْبِتُهُ لِلرَّبِّ تَعَالَى وَيَنْفِيهِ عَنْهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى بُرْهَانِ الْأَوْلَى، لَا عَلَى الْبُرْهَانِ الَّذِي تَسْتَوِي أَفْرَادُهُ، أَوْ يُمَاثِلُ فَرْعُهُ أَصْلَهُ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [سُورَةَ النَّحْلِ: 60]، بَعْدَ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [سُورَةَ النَّحْلِ: 58].
وَقَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=17وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ [سُورَةَ الزُّخْرُفِ: 17]، أَيْ بِمَا ضَرَبُوهُ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا، وَالْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبُوهُ لَهُ هُوَ الْبَنَاتُ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَثَلُ سَوْءٍ مَذْمُومٍ مَعِيبٍ.
فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=60لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ [سُورَةَ النَّحْلِ: 60]، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ وَلَدَ الْمَلَائِكَةَ، أَوْ قَالَ: إِنَّهُ وَلَدَ الْعُقُولَ أَوِ النُّفُوسَ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ، فَلَهُ مَثَلُ السَّوْءِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، فَلَا يُضْرَبُ لَهُ الْمَثَلُ الْمُسَاوِي، إِذْ لَا كُفُوَ لَهُ وَلَا نِدَّ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُضْرَبَ لَهُ الْمَثَلُ النَّاقِصُ، وَلَا يُكْتَفَى فِي حَقِّهِ بِالْمَثَلِ الْعَالِي، بَلْ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، إِذْ هُوَ الْأَعْلَى سُبْحَانَهُ، وَالْعِلْمُ بِهِ أَعْلَى الْعُلُومِ، وَذِكْرُهُ أَعْلَى الْأَذْكَارِ، وَحُبُّهُ أَعْلَى الْحُبِّ.
[ ص: 389 ]
وَالَّذِي يَبْتَغِي وَجْهَ رَبِّهِ الْأَعْلَى [هُوَ أَعْلَى] إِذْ هُوَ الْأَتْقَى الَّذِي هُوَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [سُورَةَ الْحُجُرَاتِ: 13]، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=19وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=20إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى [سُورَةَ اللَّيْلِ: 17 - 20].
وَنَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ فِي الْأَوْلَادِ، مَا ذَكَرَهُ فِي الشُّرَكَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسِكُمْ [سُورَةَ الرُّومِ: 28]، يَقُولُ تَعَالَى: إِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْكُمْ لَيْسَ لَهُ مِنْ مَمَالِيكِهِ شَرِيكٌ فِي مَا رَزَقَهُ اللَّهُ، بِحَيْثُ يَخَافُ ذَلِكَ الْمَمْلُوكَ، كَمَا يَخَافُ السَّادَةُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ لِي شَرِيكًا هُوَ مَمْلُوكِي، وَتَجْعَلُونَهُ شَرِيكًا فِيمَا يَخْتَصُّ بِي مِنَ الْعِبَادَةِ وَالْمَخَافَةِ وَالرَّجَاءِ حَتَّى تَخَافُوهُ كَمَا تَخَافُونِي؟.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مِلْكَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مَلِكٌ نَاقِصٌ، فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مِنْ عَبْدِهِ إِلَّا بَعْضَ مَنَافِعِهِ، لَا يَمْلِكُ عَيْنَهُ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِمِلْكِ الرَّجُلِ بَعْضَ مَنَافِعِ امْرَأَتِهِ، وَمِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْضَ مَنَافِعِ أَجِيرِهِ. وَلِهَذَا
[ ص: 390 ] يُشَبَّهُ النِّكَاحُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: النِّكَاحُ رِقٌّ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يَرِقُّ كَرِيمَتَهُ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=25وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ [سُورَةَ يُوسُفَ: 25]، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْمِلْكُ النَّاقِصُ لَا يَكُونُ الْمَمْلُوكُ فِيهِ شَرِيكًا لِلْمَالِكِ، فَكَيْفَ بِالْمِلْكِ الْحَقِّ التَّامِّ لِكُلِّ شَيْءٍ؟ مِلْكُ الْمَالِكِ لِلْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ، وَالْمَنَافِعِ وَالْأَفْعَالِ، الَّذِي لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ شَيْءٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِلْكٌ مُفْرَدٌ، وَلَا شَرِيكَ فِي مِلْكٍ وَلَا مُعَاوَنَةَ لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، كَيْفَ يَسُوغُ فِي مِثْلِ هَذَا، أَنْ يُجْعَلَ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ؟.