56 - ( فصل ) 
الطريق السابع الحكم بالشاهد واليمين    . 
وهو مذهب فقهاء الحديث كلهم ، ومذهب فقهاء الأمصار ، ما خلا  أبا حنيفة  وأصحابه . 
وقد روى  مسلم  في صحيحه " من حديث عمرو بن دينار  ، عن  ابن عباس    : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين   } قال عمرو    : في الأموال . 
وقال  الشافعي    : حديث  ابن عباس  ثابت ومعه ما يشده . قال ابن عبد الحكم    : سمعت  الشافعي  يقول : قال لي محمد بن الحسن     : لو علمت أن  سيف بن سليمان  يروي حديث اليمين مع الشاهد لأفسدته ، فقلت : يا أبا عبد الله  ، وإذا أفسدته فسد ؟ قال  علي بن المديني    : سألت يحيى بن سعيد  عن  سيف بن سليمان  ؟ فقال : هو عندنا ممن يصدق ويحفظ ، كان ثبتا .  [ ص: 114 ] قلت : هو رواه عن قيس بن سعد  ، عن عمرو بن دينار    . 
وقد رواه أبو داود  من حديث  عبد الرزاق  أخبرنا  محمد بن مسلم   عن عمرو    . 
وقال  الشافعي    : أخبرنا إبراهيم بن محمد  ، عن ربيعة بن عثمان  ، عن معاذ بن عبد الرحمن  ، عن  ابن عباس  ، وآخر له صحبة : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد   } . 
وعن  أبي هريرة  رضي الله عنه : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد   } . رواه الترمذي  ،  وابن ماجه  ، وأبو داود  ،  والشافعي    . 
وقال الترمذي    : حسن غريب . 
وقد روي القضاء بالشاهد مع اليمين من رواية  عمر بن الخطاب  ،  وعلي بن أبي طالب  ،  وعبد الله بن عمر  ،  وعبد الله بن عباس  ،  وسعد بن عبادة  ،  والمغيرة بن شعبة  ، وجابر بن عبد الله  ، وزيد بن ثعلبة  ، وجماعة من الصحابة . قال أبو بكر الخطيب  في مصنف أفرده لهذه المسألة : روى { عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قضى بشاهد ويمين   }  ابن عباس  ،  وجابر بن عبد الله  ، وعمارة بن حزم  ،  وسعد بن عبادة  ،  وعلي بن أبي طالب  ،  وأبو هريرة  ، وسرق  ،  وزيد بن ثابت  ،  وعمر بن الخطاب  ،  وعبد الله بن عمر بن الخطاب  ،  وعبد الله بن عمرو  ،  وأبو سعيد الخدري  ، وزيد بن ثعلبة  ،  وعامر بن ربيعة  ،  وسهل بن سعد الساعدي  ، وعمرو بن حزم  ،  والمغيرة بن شعبة  ، وبلال بن الحارث  ،  وتميم الداري  ، ومسلم بن قيس  ،  وأنس بن مالك    ; ثم ذكر أحاديثهم بإسناده . وفي مراسيل  مالك    : عن جعفر بن محمد  عن أبيه ، عن  جابر    : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد   } . 
وقضى به  علي  رضي الله عنه بالعراق    . وقال  الشافعي  لبعض مناظريه : روى  عبد الوهاب الثقفي  ، عن جعفر بن محمد  عن أبيه ، عن  جابر    : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد   } . وكذلك رواه ابن المديني  ، وإسحاق  وغيرهما ، عن الثقفي  ، عن جعفر بن محمد  عن أبيه عن  جابر    . ورواه القاضي  إسماعيل    : حدثنا  إسماعيل بن أبي أويس  ، حدثنا  سليمان بن بلال  ، عن جعفر بن محمد  ، عن أبيه ، عن جده : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد   } . 
وتابعه عبد العزيز بن مسلمة  ، عن جعفر  به ، إسنادا ومتنا . 
وقال  الشافعي    : أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن ربيعة  ، عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل  ، عن سعيد بن سعد بن عبادة  ، عن أبيه ، عن جده ، قال : وجدنا في كتاب  سعد    : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد   } . 
وقال  ابن وهب    : أخبرني  ابن لهيعة  ، ونافع بن يزيد  ، عن  عمارة بن غزية  ، عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل   [ ص: 115 ] أنه وجد في كتاب آبائه : " هذا ما ذكر عمرو بن حزم  ،  والمغيرة بن شعبة  قالا {   : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل رجلان يختصمان ، مع أحدهما شاهد له على حقه ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمين صاحب الحق مع شاهده ، فاقتطع بذلك حقه   } 
وقال  الشافعي    : أخبرنا إبراهيم بن محمد  ، عن  عمرو بن أبي عمرو  ، عن  ابن المسيب    : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد   } . قال : وأخبرنا مسلم بن خالد الزنجي  ، عن  ابن جريج  ، عن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده : أن { النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشهادة : فإن جاء بشاهد حلف مع شاهده   } . ورواه مطرف بن مازن    - ضعيف - حدثنا  ابن جريج  عن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين في الحقوق   } . 
وقال  ابن وهب    : حدثنا : عثمان بن الحكم  ، حدثني  زهير بن محمد  ، عن  سهيل بن أبي صالح  ، عن أبيه عن  زيد بن ثابت    : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين   } . 
وروى  جويرية بن أسماء  ، عن عبد الله بن زيد مولى المنبعث    - عن رجل ، عن سرق  قال : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيمين وشاهد   } . رواه  البيهقي    . 
وروى  البيهقي  أيضا من حديث جعفر بن محمد  ، عن أبيه ، عن  علي    : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأبا بكر   وعثمان  ، كانوا يقضون بشهادة الشاهد الواحد ، ويمين المدعي   } . 
قال جعفر    : والقضاة يقضون بذلك عندنا اليوم . وذكر  أبو الزناد  ، عن عبد الله بن عامر  ، فقال : " حضرت  أبا بكر  ،  وعمر   وعثمان  يقضون بشهادة الشاهد واليمين " . 
وقال الزنجي    : حدثنا { جعفر بن محمد  ، قال : سمعت الحكم بن عيينة  يسأل  أبي    - وقد وضع يده على جدار القبر ليقوم - أقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد ؟ قال : نعم ، وقضى به علي بين أظهركم   } . وكتب  عمر بن عبد العزيز  إلى عامله بالكوفة    : " اقض بالشاهد مع اليمين فإنها السنة " رواه  الشافعي    . 
قال  الشافعي    : واليمين مع الشاهد لا تخالف من ظاهر القرآن شيئا لأنا نحكم بشاهدين ، وشاهد  [ ص: 116 ] وامرأتين ، فإذا كان شاهد واحد : حكمنا بشاهد ويمين ، وليس ذا يخالف القرآن ; لأنه لم يحرم أن يكون أقل مما نص عليه في كتابه . ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما أراد الله ، وقد أمرنا الله أن نأخذ ما آتانا . قلت : وليس في القرآن ما يقتضي أنه لا يحكم إلا بشاهدين ، أو شاهد وامرأتين ; فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق : أن يحفظوا حقوقهم بهذا النصاب ، ولم يأمر بذلك الحكام : أن يحكموا به ، فضلا عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك . ولهذا يحكم الحاكم بالنكول واليمين المردودة ، والمرأة الواحدة ، والنساء المنفردات لا رجل معهن ، وبمعاقد القمط ، ووجوه الآجر ، وغير ذلك من طرق الحكم التي لم تذكر في القرآن . فإن كان الحكم بالشاهد واليمين مخالفا لكتاب الله ، فهذه أشد مخالفة لكتاب الله منه ، وإن لم تكن هذه الأشياء مخالفة للقرآن ، فالحكم بالشاهد واليمين أولى ألا يكون مخالفا للقرآن . فطرق الحكم شيء ، وطرق حفظ الحقوق شيء آخر ، وليس بينهما تلازم ، فتحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه ، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه ، ولا خطر على باله : من نكول ، ورد يمين وغير ذلك ، والقضاء واليمن ، مما أراه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ; فإنه سبحانه قال : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله    } ، وقد حكم بالشاهد واليمين وهو مما أراه الله إياه قطعا . 
ومن العجائب : رد الشاهد واليمين ، والحكم بمجرد النكول الذي هو سكوت ، ولا ينسب إلى ساكت قول ، والحكم لمدعي الحائط إذا كانت إليه الدواخل والخوارج وهو الصحاح من الآجر ، أو إليه معاقد القمط في الخص ، كما يقول  أبو يوسف    : فأين هذا من الشاهد العدل المبرز في العدالة ، الذي يكاد يحصل العلم بشهادته ، إذا انضاف إليها يمين المدعي ؟ وأين الحكم بلحوق النسب بمجرد العقد ، وإن علمنا قطعا أن الرجل لم يصل إلى المرأة ، من الحكم بالشاهد واليمين ؟ وأين الحكم بشهادة مجهولين ، لا يعرف حالهما ، من الحكم بشهادة العدل المبرز الثقة ، مع يمين الطالب ؟ وأين الحكم لمدعي الحائط بينه وبين جاره ، تكون ثلاثة جذوع فصاعدا عليه له من الحكم بالشاهد واليمين ؟ ومعلوم : أن الشاهد واليمين أقوى في الدلالة والبينة من ثلاثة جذوع على الحائط الذي ادعاه ، فإذا أقام جاره شاهدا ، وحلف معه : كان ذلك أقوى من شهادة الجذوع ؟ وهذا شأن كل من خالف سنة صحيحة لا معارض لها ، لا بد أن يقول قولا يعلم أن القول بتلك السنة أقوى منه بكثير . 
وقد نسب إلى  البخاري  إنكار الحكم بشاهد ويمين ، فإنه قال : في " باب يمين المدعى عليه " من كتاب الشهادات : قال  قتيبة    : حدثنا  سفيان بن عيينة  ، عن  ابن شبرمة  ، قال : كلمني  أبو الزناد  في شهادة الشاهد ويمين المدعي ، فقلت : قال الله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم ; فإن  [ ص: 117 ] لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى    } . قلت : إذا كان يكتفى بشهادة شاهد ويمين ، يحتاج أن تذكر إحداهما الأخرى ، ما كان يصنع بذكر هذه الأخرى ؟ فترجمة الباب بأن اليمين من جهة المدعى عليه ، وذكر هذه المناظرة ، وعدم رواية حديث أو أثر في الشاهد واليمين ، ظاهر في أنه لا يذهب إليه ، وهذا ليس بصريح أنه مذهبه ، ولو صرح به فالحجة فيما يرويه لا فيما يراه . 
قال الإسماعيلي  ، عند ذكره هذه الحكاية : ليس فيما ذكره  ابن شبرمة  معنى . فإن الحاجة إلى إذكار إحداهما الأخرى إنما هو فيما إذا شهدتا ، فإن لم تشهدا قامت مقامهما يمين الطالب ببيان السنة الثابتة . واليمين ممن هي عليه - لو انفردت - لحلت محل البينة في الأداء والإبراء . فكذلك حلت اليمين هاهنا محل الشاهد ومحل المرأتين في الاستحقاق ، بانضمامهما إلى الشاهد الواحد ، ولو وجب إسقاط السنة الثابتة ، في الشاهد واليمين - كما ذكر  ابن شبرمة    - لسقط الشاهد والمرأتان لقوله صلى الله عليه وسلم : { شاهداك أو يمينه   } فنقله عن الشاهدين إلى يمين خصمه بلا ذكر رجل وامرأتين . 
قلت    : مراده : أن قوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم    } - الآية لو كان مانعا من الحكم بالشاهد واليمين ، ومعارضا له ، لكان قوله صلى الله عليه وسلم : { شاهداك أو يمينه   } مانعا من الحكم بالشاهد والمرأتين ، ومعارضا له ، وليس الأمر كذلك ، فلا تعارض بين كتاب الله وسنة رسوله ، ولا اختلاف ولا تناقض بوجه من الوجوه ، بل الكل من عند الله { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا    } . فإن قيل : أصح حديث في الباب : حديث  ابن عباس    . 
وقد قال  عباس الدوري  قال يحيى    : حديث  ابن عباس    : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين   } ليس محفوظا . قيل : هذا ليس بشيء . 
قال أبو عبد الله الحاكم :  شيخنا أبو زكريا  لم يطلق هذا القول على حديث  سيف بن سليمان  عن قيس بن سعد  عن عمرو بن دينار  عن  ابن عباس  ، أو الحديث الذي تفرد به إبراهيم بن محمد  عن  ابن أبي ذئب    . وأما حديث  سيف بن سليمان  فليس في إسناده من جرح ، ولا نعلم له علة يعلل بها ، وأبو زكريا  أعلم بهذا الشأن من أن يظن به تهوين حديث يرويه الثقات الأثبات . 
قال  علي بن المديني    : سألت  يحيى بن سعيد القطان  عن  سيف بن سليمان  ، فقال : كان عندنا  [ ص: 118 ] أثبت ممن يحفظ عنه ويصدق . 
وقال أبو بكر  في " الشافي " : " باب قضاء القاضي بالشاهد واليمين " : حدثنا عبد الله بن سليمان  ، حدثنا إسماعيل بن أسد  ، حدثنا  شبابة  ، حدثنا  عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون  ، عن جعفر بن محمد  ، عن أبيه ، عن  علي  رضي الله عنه : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة رجل واحد مع يمين صاحب الحق   } . وقضى به  علي  بالعراق    . ثم ذكر من رواية  حنبل    : سمعت  أبا عبد الله  يقول ، في الشاهد واليمين : جائز الحكم به . فقيل  لأبي عبد الله    : أيش معنى اليمين ؟ قال : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين   } ، قال  أبو عبد الله    : وهم لعلهم يقضون في مواضع بغير شهادة شاهد ، في مثل رجل اكترى من رجل دارا ، فوجد صاحب الدار في الدار شيئا ، فقال : هذا لي ، وقال الساكن : هو لي    . ومثل رجل اكترى من رجل دارا فوجد فيها دفونا ، فقال الساكن : هي لي ، وقال صاحب الدار : هي لي    . فقيل : لمن تكون ؟ فقال هذا كله لصاحب الدار . 
وقال أبو طالب    : سئل  أبو عبد الله  عن شهادة الرجل ويمين صاحب الحق ، فقال : هم يقولون : لا تجوز شهادة رجل واحد ويمين ، وهم يجوزون شهادة المرأة الواحدة ، ويجيزون الحكم بغير شهادة    . قلت : مثل أيش ؟ قال : مثل الخص إذا ادعاه رجلان  يعطونه للذي القمط مما يليه . فمن قضى بهذا ؟ وفي الحائط إذا ادعاه رجلان نظروا إلى اللبنة لمن هي ؟ فقضوا به لأحدهما بلا بينة . والزبل إذا كان في الدار ، وقال صاحب الدار : أكريتك الدار ، وليس فيها زبل . 
وقال الساكن : كان فيها ، لزمه أخذها بلا بينة . والقابلة تقبل شهادتها في استهلال الصبي . فهذا يدخل عليهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					