57 - ( فصل ) 
وإذا قضى بالشاهد واليمين ، فالحكم بالشاهد وحده ، واليمين تقوية وتوكيد . هذا منصوص  أحمد  ، فلو رجع الشاهد ، كان الضمان كله عليه . قال  الخلال  في " الجامع " : باب إذا قضى باليمين مع الشاهد ، فرجع الشاهد    - ثم ذكر من رواية ابن مشيش    - سئل  أحمد  عن الشاهد واليمين : تقول به ؟ قال . أي لعمري . قيل له : فإن رجع الشاهد ؟ قال : تكون المتالف على الشاهد وحده . قيل : كيف لا تكون على الطالب ، لأنه قد استحق بيمينه ، ويكون بمنزلة الشاهدين ؟ قال : لا ، إنما هو السنة - يعني اليمين . 
 [ ص: 119 ] وقال  الأثرم    : سمعت  أبا عبد الله  سئل عن رجل قضي عليه بشهادة شاهدين ، فرجع أحد الشاهدين ؟ قال : يلزمه ، ويرد الحكم . قيل له : فإن قضى بالشاهد ويمين المدعي ، ثم رجع الشاهد ؟ قال : إن أتلف الشيء كان على الشاهد ; لأنه إنما ثبت هاهنا بشهادته ، ليست اليمين من الشهادة في شيء . 
وقال أبو الحارث    : قلت  لأحمد    : فإن رجع الشاهد عن شهادته بعد ؟ قال : يضمن المال كله ، به كان الحكم . 
وقال ابن مشيش    : سألت  أبا عبد الله  ، فقلت : إذا استحق الرجل المال بشهادة شاهد مع يمينه ، ثم رجع الشاهد ؟ فقال : إذا كانا شاهدين ، ثم رجع شاهد : غرم نصف المال . فإن كانت شهادة شاهد مع يمين الطالب ، ثم رجع الشاهد : غرم المال كله . قلت : المال كله ؟ قال : نعم . 
وقال يعقوب بن بختان    : سألت  أحمد  عن الرجل إذا استحق المال بشهادة شاهد مع يمينه ، ثم رجع الشاهد ؟ فقال : يرد المال . قلت . أيش معنى اليمين ؟ فقال : قضاء النبي صلى الله عليه وسلم . 
وقال أحمد بن القاسم     : قلت  لأبي عبد الله    : فإن رجع الشاهد عن الشهادة كم يغرم ؟ قال : المال كله ; لأنه شاهد واحد قضي بشهادته ، ثم قال : كيف قول  مالك  فيها ؟ قلت : لا أحفظه . قلت له - بعد هذا المجلس - إن  مالكا  يقول : إن رجع الشاهد فعليه نصف الحق ، لأني إنما حكمت بمقتضى شهادته ، ويمين الطالب ، فلم أره رجع عن قوله . 
وقال  الشافعي    - كقول  مالك    - : بناء على أن اليمين قامت مقام الشاهد ، فوقع الحكم بهما .  وأحمد  أنكر ذلك ، ويؤيده من وجوه : منها : أن الشاهد حجة الدعوى ، فكان منفردا بالضمان . ومنها : أن اليمين قول الخصم ، وقوله ليس بحجة على خصمه ، وإنما هو شرط للحكم ، فجرى مجرى مطالبة الحكم به . ومنها : أنا لو جعلناها حجة لكنا إنما جعلناها حجة بشهادة الشاهد . ومنها : أنها لو كانت كالشاهد لجاز تقديمها على شهادة الشاهد الآخر ، مع أن في ذلك وجهين لنا وللشافعية . 
قال  القاضي  في " التعليق " : واحتج - يعني : المنازع في القضاء بالشاهد واليمين - بأنه لو كانت يمين المدعي كشاهد آخر لجاز له أن يقدمها على الشاهد الذي عنده ، كما لو كان عنده شاهدان جاز أن يقدم أيهما شاء . 
 [ ص: 120 ] قال : والجواب أنا لا نقول : إنهما بمنزلة شاهد آخر ، ولهذا يتعلق الضمان بالشاهد وإنما اعتبرناها احتياطا . قال : فإن قيل : ما ذهبتم إليه يؤدي إلى أن يثبت الحق بشاهد واحد . قيل : هذا غير ممتنع ، كما قاله المخالف في الهلال في الغيم ، وفي القابلة ، وهو ضرورة أيضا ; لأن المعاملات تكثر وتتكرر ، فلا يتفق كل وقت شاهدان ، وقياسها على احتياط الحنفية بالحبس مع الشاهد للإعسار ويمين المدعي على الغائب مع البينة . 
قال : وأما جواز تقديم اليمين على الشاهد  ، فقال : لا نعرف الرواية بمنع الجواز . قال : ويحتمل أن نقول بجواز الحلف أولا ، ثم تسمع الشهادة ، وهو قول  أبي هريرة  ، ويحتمل أنه لا يجوز تقدمة اليمين على الشاهد ، وهو ظاهر كلام  أحمد  في رواية أبي الحارث  ، قال : إذا ثبت له شاهد واحد حلف وأعطي ، فأثبت اليمين بعد ثبوت الشاهد ، لأن اليمين تكون في جنبة أقوى المتداعيين ، وإنما تقوى حينئذ بالشاهد ، ولأن اليمين يجوز أن ترتب على ما لا ترتب عليه الشهادة ، فيكون من شرط اليمين : تقدم شهادة الشاهد ، ولا يعتبر هذا المعنى في الشاهدين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					