ذكر طعام أهل الجنة ، وأكلهم فيها وشربهم نسأل الله من فضله 
قال الله تعالى : كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية    [ الحاقة : 24 ] . وقال : ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا    [ مريم : 62 ] . وقال تعالى : أكلها دائم وظلها    [ الرعد : 35 ] . وقال : وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون    [ الواقعة : 20 ، 21 ] . وقال   [ ص: 318 ] تعالى : يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون    [ الزخرف : 71 ] ، وقال تعالى : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا    [ الإنسان : 5 ، 6 ] . وقال تعالى : ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قواريرا من فضة قدروها تقديرا    [ الإنسان : 15 ، 16 ] . أي : في صفاء الزجاج ، وهي من فضة ، وهذا ما لا نظير له في الدنيا ، وهي مقدرة على قدر كفاية ولي الله في مشربه لا تزيد ولا تنقص ، وهذا يدل على الاعتناء والشرف . وقال تعالى : كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها    [ البقرة : 25 ] أي : كلما جاءهم الخدم بشيء من ثمر الجنة وغيره حسبوه الذي أتوا به قبل ذلك ، لمشابهته له في الظاهر ، وهو في الحقيقة خلافه ، فتشابهت الأشكال ، واختلفت الحقائق والطعوم والروائح . 
قال الإمام أحمد    : حدثنا حسن ،  حدثنا سكين بن عبد العزيز ،  حدثنا الأشعث الضرير ،  عن  شهر بن حوشب  ، عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدنى أهل الجنة منزلة ، إن له لسبع درجات ، وهو على السادسة ، وفوقه السابعة ، وإن له لثلاثمائة خادم ، ويغدى عليه ويراح كل   [ ص: 319 ] يوم بثلاثمائة صحفة - ولا أعلمه إلا قال : من ذهب - في كل صحفة لون ليس في الأخرى ، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء ، وفي كل إناء لون ليس في الآخر ، وإنه ليلذ أوله ، كما يلذ آخره ، وإنه ليقول : يا رب ، لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة ، وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيئا ، وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا ، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض   " . تفرد به أحمد ،  وهو غريب ، وفيه انقطاع ، وله شاهد عن عبادة بن الصامت    . 
قال الإمام أحمد    : ثنا يعمر بن بشر  ، ثنا  عبد الله بن المبارك ،  ثنا  رشدين بن سعد  ، حدثني أبو هانئ الخولاني ،  عن عمرو بن مالك الجنبي  أن فضالة بن عبيد   وعبادة بن الصامت  حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة وفرغ الله تعالى من القضاء بين الخلق ، فيبقى رجلان ، فيؤمر بهما إلى النار ، فيلتفت أحدهما ، فيقول الجبار تعالى : ردوه . فيردونه ، فيقول : لم التفت ؟ قال : كنت أرجو أن تدخلني الجنة " . قال : " فيؤمر به إلى الجنة . فيقول : لقد أعطاني الله ، عز وجل ، حتى لو أني أطعمت أهل الجنة ما نقص ذلك مما عندي شيئا " . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره يرى السرور في وجهه   . تفرد به أحمد    . 
 [ ص: 320 ] وقال الإمام أحمد    : حدثنا أبو معاوية ،  حدثنا الأعمش ،  عن ثمامة بن عقبة ،  عن  زيد بن أرقم  قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود ،  فقال : يا أبا القاسم ، ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ؟ وقال لأصحابه : إن أقر لي بهذا خصمته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بلى ، والذي نفسي بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع " . قال : فقال اليهودي : فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ؟ ! قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " حاجة أحدهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك ، فإذا البطن قد ضمر   " . ثم رواه أحمد ،  عن  وكيع ،  عن الأعمش ،  عن ثمامة ،  سمعت  زيد بن أرقم ،  فذكره . 
وقد رواه  النسائي ،  عن علي بن حجر ،  عن علي بن مسهر ،  عن الأعمش ،  به ، ورواه أبو جعفر الرازي ،  عن الأعمش ،  فذكره ، وعنده : قال اليهودي : فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ، وليس في الجنة أذى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك ، فيضمر بطنه   " . 
قال الحافظ الضياء    : وهذا عندي على شرط مسلم    ; لأن ثمامة  ثقة ، وقد صرح بسماعه من  زيد بن أرقم    . 
 [ ص: 321 ] حديث آخر في ذلك عن جابر    : قال الإمام أحمد    : حدثنا أبو معاوية ،  حدثنا الأعمش ،  عن أبي سفيان ،  عن جابر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ، ولا يتغوطون ، ولا يبولون ، ولا يتمخطون ، ولا يبزقون ، طعامهم جشاء ورشح كرشح المسك   " . 
وقد رواه مسلم  من حديث أبي سفيان طلحة بن نافع ،  عن جابر ،  فذكره . قالوا : فما بال الطعام ؟ قال : " جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد   " . 
وكذا أخرجه من حديث  ابن جريج  ، عن  أبي الزبير ،  عن جابر  ، فذكره ، وقال : " طعامهم ذلك جشاء كريح المسك ، ويلهمون التسبيح والتكبير ، كما يلهمون النفس   " . 
طريق ثالثة عن جابر    : قال أحمد    : حدثنا  الحكم بن نافع  حدثنا إسماعيل بن عياش ،  عن  صفوان بن عمرو ،  عن ماعز التميمي ،  عن  جابر بن عبد الله ،  قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيأكل أهل الجنة ؟ قال : " نعم ،   [ ص: 322 ] ويشربون ، ولا يبولون فيها ، ولا يتغوطون ، ولا يتنخمون ، إنما يكون ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك ، ويلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس   " . 
طريق رابعة عن جابر    : قال البزار    : حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي ،  حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة ،  وهو يعرف بعبدان ، حدثنا أبو حمزة السكري ،  عن الأعمش ،  عن أبي صالح  ، عن  جابر بن عبد الله  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الجنة ليأكلون ويشربون ولا يتغوطون ، ولا يمتخطون ، يلهمون التسبيح والحمد ، كما يلهمون النفس ، يكون طعامهم وشرابهم جشاء كريح المسك   " . ثم قال البزار    : ويروى هذا عن الأعمش ،  عن أبي سفيان ،  ولم يصح سماعه منه ، وسماعه من أبي صالح  صحيح . 
				
						
						
