(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) المعنى : مثل ما جعل هؤلاء الكفار المقترحين الآيات وغيرهم أعداء لك ،
nindex.php?page=treesubj&link=32024جعلنا لمن قبلك من الأنبياء أعداء شياطين الإنس والجن ، أي متمردي الصنفين . ( يوحي ) : يلقي في خفية بعضهم إلى بعض ، أي : بعض الصنف الجني إلى بعض الصنف الإنسي ، أو يوحي شياطين الجن إلى شياطين الإنس زخرف القول ، أي محسنه ومزينه ، وثمرة هذا الجعل الامتحان فيظهر الصبر على ما منوا به ممن يعاديهم فيعظم
[ ص: 207 ] الثواب والأجر ، وفي هذا تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأس بمن تقدمه من الأنبياء ، وأنك لست منفردا بعداوة من عاصرك ، بل هذه سنة من قبلك من الأنبياء . و ( عدو ) كما قلنا قبل في معنى أعداء . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) ، وقال الشاعر :
إذا أنا لم أنفع صديقي بوده فإن عدوي لن يضرهم بغضي
وأعرب
الحوفي nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري وابن عطية وأبو البقاء هنا كإعرابهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وجعلوا لله شركاء الجن ) ، وجوزوا في ( شياطين ) البدلية من ( عدوا ) كما جوزوا هناك بدلية ( الجن ) من ( شركاء ) وقد رددناه عليهم . والظاهر أن قوله " شياطين الإنس والجن " هو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي الإنس والجن الشياطين ، فيلزم أن يكون من الإنس شياطين ومن الجن شياطين ، والشيطان هو المتمرد من الصنفين ، كما شرحناه ، وهذا قول
قتادة ومجاهد والحسن ، وكذا فهم
أبو ذر من قول الرسول له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374393 " هل تعوذت من شياطين الجن والإنس ؟ " قلت : يا رسول الله ، وهل للإنس من شياطين ؟ قال : " نعم وهم شر من شياطين الجن " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16871مالك بن دينار : شيطان الإنس علي أشد من شيطان الجن لأني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن ، وشيطان الإنس يجيئني ويجرني إلى المعاصي عيانا .
وقال
عطاء : أما
nindex.php?page=treesubj&link=29284أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - من شياطين الإنس فالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو جهل ابن هشام والعاصي بن عمرو وزمعة بن الأسود والنضر بن الحارث والأسود بن عبد الأسد ،
وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ،
وعتبة بن أبي معيط nindex.php?page=showalam&ids=15497والوليد بن عتبة ،
وأبي وأمية ابنا خلف ،
ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ،
وعتبة بن عبد العزى ومعتب بن عبد العزى .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374394 " nindex.php?page=treesubj&link=30463_31065ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن " قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن الله عافاني وأعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير " .
وقيل : الإضافة ليست من باب إضافة الصفة للموصوف ، بل هي من باب غلام زيد ، أي : شياطين الإنس والجن ، أي : متمردين مغوين لهم . وعلى هذا فسره
عكرمة والضحاك والسدي والكلبي ، قالوا : ليس من الإنس شياطين ، والمعنى : شياطين الإنس التي مع الإنس ، وشياطين الجن التي مع الجن ، قسم إبليس جنده فريقا إلى الإنس وفريقا إلى الجن ، يتلاقون فيأمر بعض بعضا أن يضل صاحبه بما أضل هو به صاحبه ، ورجحت هذه الإضافة الإضافة المغايرة بين المضاف والمضاف إليه ، ورجحت الإضافة السابقة بأن المقصود التسلي والائتسا بمن سبق من الأنبياء ، إذ كان في أممهم من يعاديهم كما في أمة محمد من كان يعاديه ، وهم شياطين الإنس ، والظاهر في " جعلنا " أنه تعالى هو مصيرهم أعداء للأنبياء ، والعداوة للأنبياء معصية وكفر ، فاقتضى أنه خالق ذلك ، وتأول
المعتزلة هذا الظاهر . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وكما خلينا بينك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم ، لم يمنعهم من العداوة . انتهى . وهذا قول
الكعبي قال : خلى بينه وبينه .
وقال
الجبائي : الجعل هنا الحكم والبيان ، يقال : كفره حكم بكفره ، وعدله أخبر عن عدالته . ولما بين للرسول كونهم أعداء لهم ، قال : جعلهم أعداء لهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13719أبو بكر الأصم : لما أرسله الله إلى العالمين وخصه بالمعجزات حسدوه وصار الحسد مبينا للعداوة القوية ، فلهذا التأويل قال : جعلهم له أعداء ، كما قال الشاعر :
فأنت صيرتهم لي حسدا
وذلك يقتضي صيرورتهم أعداء للأنبياء ، وانتصب غرورا على أنه مفعول له ، وجوزوا أن يكون مصدرا ليوحي لأنه بمعنى يغر بعضهم بعضا ، أو مصدرا في موضع الحال أي غارين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112ولو شاء ربك ما فعلوه ) أي : ما فعلوا العداوة أو الوحي أو الزخرف أو القول أو الغرور ، أوجه ذكروها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112فذرهم وما يفترون ) أي : اتركهم وما يفترون من تكذيبك ، ويتضمن الوعيد والتهديد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد ما زين لهم إبليس
[ ص: 208 ] وما غرهم به . انتهى . وظاهر الأمر الموادعة وهي منسوخة بآيات القتال . وقال
قتادة : كل ( ذر ) في كتاب الله فهو منسوخ بالقتال ، و ( ما ) بمعنى الذي أو موصوفة أو مصدرية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ) أي : ولتميل إليه ، الضمير يعود على ما عاد عليه في فعلوه ، وليرضوه وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الآثام . واللام لام كي ، وهي معطوفة على قوله " غرورا " لما كان معناه للغرور ، فهي متعلقة بيوحي ، ونصب ( غرورا ) لاجتماع شروط النصب فيه ، وعدي ( يوحي ) إلى هذا باللام لفوت شرط صريح المصدرية ، واختلاف الفاعل لأن فاعل يوحي هو ( بعضهم ) وفاعل ( تصغى ) هو ( أفئدة ) ، وترتيب هذه المفاعيل في غاية الفصاحة ; لأنه أولا يكون الخداع فيكون الميل فيكون الرضا فيكون الفعل ، فكأن كل واحد مسبب عما قبله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( ولتصغى ) جوابه محذوف ، تقديره : وليكون ذلك جعلنا لكل نبي عدوا ، على أن اللام لام الصيرورة ، والضمير في ( إليه ) راجع إلى ما يرجع إليه الضمير في فعلوه ، أي : ولتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين أفئدة الكفار . انتهى . وتسمية ما تتعلق به اللام جوابا اصطلاح غريب ، وما قاله هو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، قال : تقديره (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113ولتصغى إليه ) فعلوا ذلك ، فهي لام صيرورة . وذهب
الأخفش إلى أن لام ( ولتصغى ) هي لام كي ، وهي جواب لقسم محذوف ، تقديره : والله ( ولتصغى ) موضع ولتصغين ، فصار جواب القسم من قبيل المفرد ، فتقول : والله ليقوم زيد ، التقدير : أقسم بالله لقيام زيد ، واستدل على ذلك بقول الشاعر :
إذا قلت قدني قال الله حلفة لتغني عني ذا أنائك أجمعا
وبقوله : ( ولتصغى ) ، والرد عليه مذكور في كتب النحو . وقرأ
النخعي nindex.php?page=showalam&ids=13983والجراح بن عبد الله : ( ولتصغي ) من أصغى رباعيا . وقرأ الحسن بسكون اللام في الثلاثة . وقيل عنه في ليرضوه وليقترفوا بالكسر في ( ولتصغى ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني : قراءة
الحسن إنما هي ( ولتصغي ) بكسر الغين . انتهى . وخرج سكون اللام في الثلاثة على أنه شذوذ في لام كي ، وهي لام كي في الثلاثة ، وهي معطوفة على غرور ، أو سكون لام كي في نحو هذا شاذ في السماع قوي في القياس ، قاله
أبو الفتح . وقال غيره : هي لام الأمر في الثلاثة ، ويبعد ذلك في ( ولتصغى ) بإثبات الياء ، وإن كان قد جاء ذلك في قليل من الكلام . قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16832قنبل : " إنه من يتقي ويصبر " على أنه يحتمل التأويل . وقيل : هي في ( ولتصغى ) لام كي سكنت شذوذا ، وفي ( ليرضوه وليقترفوا ) لام الأمر مضمنا التهديد والوعيد ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعملوا ما شئتم ) ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113ما هم مقترفون ) ، أنها تفيد التعظيم والتشبيع لما يعملون ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=78فغشيهم من اليم ما غشيهم ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) الْمَعْنَى : مِثْلَ مَا جَعَلَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ الْمُقْتَرِحِينَ الْآيَاتِ وَغَيْرَهُمْ أَعْدَاءً لَكَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=32024جَعَلْنَا لِمَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَعْدَاءً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، أَيْ مُتَمَرِّدِي الصِّنْفَيْنِ . ( يُوحِي ) : يُلْقِي فِي خُفْيَةٍ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، أَيْ : بَعْضُ الصِّنْفِ الْجِنِّيِّ إِلَى بَعْضِ الصِّنْفِ الْإِنْسِيِّ ، أَوْ يُوحِي شَيَاطِينُ الْجِنِّ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ زُخْرُفَ الْقَوْلِ ، أَيْ مُحَسَّنَهُ وَمُزَيَّنَهُ ، وَثَمَرَةُ هَذَا الْجَعْلِ الِامْتِحَانُ فَيَظْهَرُ الصَّبْرُ عَلَى مَا مُنُّوا بِهِ مِمَّنْ يُعَادِيهِمْ فَيَعْظُمُ
[ ص: 207 ] الثَّوَابُ وَالْأَجْرُ ، وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأَسٍّ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَنَّكَ لَسْتَ مُنْفَرِدًا بِعَدَاوَةِ مَنْ عَاصَرَكَ ، بَلْ هَذِهِ سُنَّةُ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ . وَ ( عَدُوٌّ ) كَمَا قُلْنَا قَبْلُ فِي مَعْنَى أَعْدَاءٍ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ) ، وَقَالَ الشَّاعِرُ :
إِذَا أَنَا لَمْ أَنْفَعْ صَدِيقِي بِوِدِّهِ فَإِنَّ عَدُوِّي لَنْ يَضُرَّهُمُ بُغْضِي
وَأَعْرَبَ
الْحَوْفِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْبَقَاءِ هُنَا كَإِعْرَابِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=100وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ ) ، وَجَوَّزُوا فِي ( شَيَاطِينَ ) الْبَدَلِيَّةَ مِنْ ( عَدُوًّا ) كَمَا جَوَّزُوا هُنَاكَ بَدَلَيَّةَ ( الْجِنَّ ) مِنْ ( شُرَكَاءَ ) وَقَدْ رَدَدْنَاهُ عَلَيْهِمْ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ " شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ " هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ ، أَيِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ الشَّيَاطِينَ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينُ وَمِنَ الْجِنِّ شَيَاطِينُ ، وَالشَّيْطَانُ هُوَ الْمُتَمَرِّدُ مِنَ الصِّنْفَيْنِ ، كَمَا شَرَحْنَاهُ ، وَهَذَا قَوْلُ
قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ ، وَكَذَا فَهِمَ
أَبُو ذَرٍّ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374393 " هَلْ تَعَوَّذْتَ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ؟ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَهَلْ لِلْإِنْسِ مِنْ شَيَاطِينَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ وَهُمْ شَرٌّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16871مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ : شَيْطَانُ الْإِنْسِ عَلَيَّ أَشَدُّ مِنْ شَيْطَانِ الْجِنِّ لِأَنِّي إِذَا تَعَوَّذْتُ بِاللَّهِ ذَهَبَ عَنِّي شَيْطَانُ الْجِنِّ ، وَشَيْطَانُ الْإِنْسِ يَجِيئُنِي وَيَجُرُّنِي إِلَى الْمَعَاصِي عِيَانًا .
وَقَالَ
عَطَاءٌ : أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29284أَعْدَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ فَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ وَأَبُو جَهْلِ ابْنُ هِشَامٍ وَالْعَاصِي بْنُ عَمْرٍو وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ ،
وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ ،
وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ nindex.php?page=showalam&ids=15497وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ ،
وَأُبِيٌّ وَأُمَيَّةُ ابْنَا خَلَفٍ ،
وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ ،
وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى وَمَعَتَّبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374394 " nindex.php?page=treesubj&link=30463_31065مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ " قِيلَ : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ عَافَانِي وَأَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأُسْلِمُ ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ " .
وَقِيلَ : الْإِضَافَةُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ ، بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ غُلَامِ زَيْدٍ ، أَيْ : شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ، أَيْ : مُتَمَرِّدِينَ مُغْوِينَ لَهُمْ . وَعَلَى هَذَا فَسَّرَهُ
عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ ، قَالُوا : لَيْسَ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينُ ، وَالْمَعْنَى : شَيَاطِينُ الْإِنْسِ الَّتِي مَعَ الْإِنْسِ ، وَشَيَاطِينُ الْجِنِّ الَّتِي مَعَ الْجِنِّ ، قَسَّمَ إِبْلِيسُ جُنْدَهُ فَرِيقًا إِلَى الْإِنْسِ وَفَرِيقًا إِلَى الْجِنِّ ، يَتَلَاقَوْنَ فَيَأْمُرُ بَعْضٌ بَعْضًا أَنْ يُضِلَّ صَاحِبَهُ بِمَا أَضَلَّ هُوَ بِهِ صَاحِبَهُ ، وَرَجَّحَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ الْإِضَافَةَ الْمُغَايِرَةَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ ، وَرُجِّحَتِ الْإِضَافَةُ السَّابِقَةُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّسَلِّي وَالِائْتِسَا بِمَنْ سَبَقَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، إِذْ كَانَ فِي أُمَمِهِمْ مَنْ يُعَادِيهِمْ كَمَا فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَنْ كَانَ يُعَادِيهِ ، وَهُمْ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ ، وَالظَّاهِرُ فِي " جَعَلْنَا " أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ مُصَيِّرُهُمْ أَعْدَاءً لِلْأَنْبِيَاءِ ، وَالْعَدَاوَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ مَعْصِيَةٌ وَكُفْرٌ ، فَاقْتَضَى أَنَّهُ خَالِقٌ ذَلِكَ ، وَتَأَوَّلَ
الْمُعْتَزِلَةُ هَذَا الظَّاهِرَ . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَكَمَا خَلَّيْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَعْدَائِكَ كَذَلِكَ فِعَلْنَا بِمَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَعْدَائِهِمْ ، لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ . انْتَهَى . وَهَذَا قَوْلُ
الْكَعْبِيِّ قَالَ : خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ .
وَقَالَ
الْجُبَّائِيُّ : الْجَعْلُ هُنَا الْحُكْمُ وَالْبَيَانُ ، يُقَالُ : كَفَّرَهُ حَكَمَ بِكُفْرِهِ ، وَعَدَّلَهُ أَخْبَرَ عَنْ عَدَالَتِهِ . وَلَمَّا بَيَّنَ لِلرَّسُولِ كَوْنَهُمْ أَعْدَاءً لَهُمْ ، قَالَ : جَعَلَهُمْ أَعْدَاءً لَهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13719أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ : لَمَّا أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى الْعَالِمَيْنَ وَخَصَّهُ بِالْمُعْجِزَاتِ حَسَدُوهُ وَصَارَ الْحَسَدُ مُبَيِّنًا لِلْعَدَاوَةِ الْقَوِيَّةِ ، فَلِهَذَا التَّأْوِيلِ قَالَ : جَعَلَهُمْ لَهُ أَعْدَاءً ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
فَأَنْتَ صَيَّرَتْهُمْ لِي حَسَدًا
وَذَلِكَ يَقْتَضِي صَيْرُورَتَهُمْ أَعْدَاءً لِلْأَنْبِيَاءِ ، وَانْتَصَبَ غُرُورًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ ، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لِيُوحِي لِأَنَّهُ بِمَعْنَى يَغُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، أَوْ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ غَارِّينَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) أَيْ : مَا فَعَلُوا الْعَدَاوَةَ أَوِ الْوَحْيَ أَوِ الزُّخْرُفَ أَوِ الْقَوْلَ أَوِ الْغُرُورَ ، أَوْجُهٌ ذَكَرُوهَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) أَيِ : اتْرُكْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ مِنْ تَكْذِيبِكَ ، وَيَتَضَمَّنُ الْوَعِيدَ وَالتَّهْدِيدَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ مَا زَيَّنَ لَهُمْ إِبْلِيسُ
[ ص: 208 ] وَمَا غَرَّهُمْ بِهِ . انْتَهَى . وَظَاهَرُ الْأَمْرِ الْمُوَادَعَةُ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَاتِ الْقِتَالِ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : كُلٌّ ( ذَرْ ) فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِالْقِتَالِ ، وَ ( مَا ) بِمَعْنَى الَّذِي أَوْ مَوْصُوفَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ) أَيْ : وَلِتَمِيلَ إِلَيْهِ ، الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ فِي فَعَلُوهُ ، وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَكْتَسِبُوا مَا هُمْ مُكْتَسِبُونَ مِنَ الْآثَامِ . وَاللَّامُ لَامُ كَيْ ، وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ " غُرُورًا " لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ لِلْغُرُورِ ، فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُوحِي ، وَنَصْبُ ( غُرُورًا ) لِاجْتِمَاعِ شُرُوطِ النَّصْبِ فِيهِ ، وَعُدِّيَ ( يُوحِي ) إِلَى هَذَا بِاللَّامِ لِفَوْتِ شَرْطٍ صَرِيحِ الْمَصْدَرِيَّةِ ، وَاخْتِلَافِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ فَاعِلَ يُوحِي هُوَ ( بَعْضُهُمْ ) وَفَاعِلُ ( تَصْغَى ) هُوَ ( أَفْئِدَةُ ) ، وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْمَفَاعِيلِ فِي غَايَةِ الْفَصَاحَةِ ; لِأَنَّهُ أَوَّلًا يَكُونُ الْخِدَاعُ فَيَكُونُ الْمَيْلُ فَيَكُونُ الرِّضَا فَيَكُونُ الْفِعْلُ ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُسَبَّبٌ عَمَّا قَبْلَهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( وَلِتَصْغَى ) جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ ، تَقْدِيرُهُ : وَلِيَكُونَ ذَلِكَ جَعْلَنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا ، عَلَى أَنَّ اللَّامَ لَامُ الصَّيْرُورَةِ ، وَالضَّمِيرُ فِي ( إِلَيْهِ ) رَاجِعٌ إِلَى مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي فَعَلُوهُ ، أَيْ : وَلِتَمِيلَ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَاوَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَوَسْوَسَةِ الشَّيَاطِينِ أَفْئِدَةُ الْكُفَّارِ . انْتَهَى . وَتَسْمِيَةُ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ اللَّامُ جَوَابًا اصْطِلَاحٌ غَرِيبٌ ، وَمَا قَالَهُ هُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ ، قَالَ : تَقْدِيرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ ) فَعَلُوا ذَلِكَ ، فَهِيَ لَامُ صَيْرُورَةٍ . وَذَهَبَ
الْأَخْفَشُ إِلَى أَنَّ لَامَ ( وَلِتَصْغَى ) هِيَ لَامُ كَيْ ، وَهِيَ جَوَابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ ، تَقْدِيرُهُ : وَاللَّهِ ( وَلِتَصْغَى ) مَوْضِعَ وَلَتَصْغَيَنَّ ، فَصَارَ جَوَابُ الْقِسْمِ مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ ، فَتَقُولُ : وَاللَّهِ لَيَقُومُ زَيْدٌ ، التَّقْدِيرُ : أُقْسِمُ بِاللَّهِ لِقِيَامِ زِيدٍ ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
إِذَا قَلَتْ قُدْنِي قَالَ اللَّهُ حَلْفَةً لِتُغْنِيَ عَنِّي ذَا أَنَائِكٌ أَجْمَعَا
وَبِقَوْلِهِ : ( وَلِتَصْغَى ) ، وَالرَّدُّ عَلَيْهِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ . وَقَرَأَ
النَّخَعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13983وَالْجَرَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : ( وَلِتُصْغِي ) مَنْ أَصْغَى رُبَاعِيًّا . وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِسُكُونِ اللَّامِ فِي الثَّلَاثَةِ . وَقِيلَ عَنْهُ فِي لِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا بِالْكَسْرِ فِي ( وَلِتَصْغَى ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12111أَبُو عَمْرِو الدَّانِيُّ : قِرَاءَةُ
الْحَسَنِ إِنَّمَا هِيَ ( وَلِتَصْغِي ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ . انْتَهَى . وَخَرَجَ سُكُونُ اللَّامِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهُ شُذُوذٌ فِي لَامِ كَيْ ، وَهِيَ لَامُ كَيْ فِي الثَّلَاثَةِ ، وَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى غُرُورٍ ، أَوْ سُكُونُ لَامِ كَيْ فِي نَحْوِ هَذَا شَاذٌّ فِي السَّمَاعِ قَوِيٌّ فِي الْقِيَاسِ ، قَالَهُ
أَبُو الْفَتْحِ . وَقَالَ غَيْرُهُ : هِيَ لَامُ الْأَمْرِ فِي الثَّلَاثَةِ ، وَيَبْعُدُ ذَلِكَ فِي ( وَلِتَصْغَى ) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْكَلَامِ . قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16832قُنْبُلٌ : " إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرُ " عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ . وَقِيلَ : هِيَ فِي ( وَلِتَصْغَى ) لَامُ كَيْ سَكَنَتْ شُذُوذًا ، وَفِي ( لِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ) لَامُ الْأَمْرِ مُضَمَّنًا التَّهْدِيدَ وَالْوَعِيدَ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ) ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ) ، أَنَّهَا تُفِيدُ التَّعْظِيمَ وَالتَّشْبِيعَ لِمَا يَعْمَلُونَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=78فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ) .