الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) ، أي : جعلا يلصقان ورقة على ورقة ويلصقانهما بعدما كانت كساهما حلل الجنة ، ظلا يستتران بالورق كما قيل :


لله درهم من فتية بكروا مثل الملوك وراحوا كالمساكين



والأولى أن يعود الضمير في ( عليهما ) على عورتيهما كأنه قيل ( يخصفان ) على سوءتهما من ورق الجنة ، وعاد بضمير الاثنين ؛ لأن الجمع يراد به اثنان ولا يجوز أن يعود الضمير على آدم وحواء ؛ لأنه تقرر في علم العربية أنه لا يتعدى فعل الظاهر والمضمر المتصل إلى المضمر المتصل المنصوب لفظا ، أو محلا في غير باب ظن وفقد وعلم ووجد ، لا يجوز زيد ضربه ولا ضربه زيد ولا زيد مر به زيد ، فلو جعلنا الضمير في ( عليهما ) عائدا على آدم وحواء للزم من ذلك تعدي يخصف إلى الضمير المنصوب محلا ، وقد رفع الضمير المتصل وهو الألف في يخصفان ، فإن أخذ ذلك على حذف مضاف مراد جاز ذلك ، وتقديره : يخصفان على بدنيهما ، قال ابن عباس : الورق الذي خصفا منه ورق الزيتون ، وقيل : ورق شجر التين ، وقيل : ورق الموز ، ولم يثبت تعيينها لا في القرآن ولا في حديث صحيح ، وقرأ أبو السمال ( وطفقا ) بفتح الفاء ، وقرأ الزهري ( يخصفان ) من أخصف ، فيحتمل أن يكون أفعل بمعنى فعل ، ويحتمل أن تكون الهمزة للتعدية من خصف ، أي : يخصفان أنفسهما ، وقرأ الحسن والأعرج ، ومجاهد ، وابن وثاب ( يخصفان ) بفتح الياء وكسر الخاء والصاد وشدها ، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب كذلك إلا أنه فتح الخاء ، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب ، وقرئ ( يخصفان ) بالتشديد من خصف على وزن فعل ، وقرأ عبد الله بن يزيد ( يخصفان ) بضم الياء والخاء وتشديد الصاد وكسرها ، وتقرير هذه القراءات في علم العربية .

( وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) لما كان وقت الهناء شرف بالتصريح باسمه في النداء ، فقيل : " ويا آدم اسكن " ، وحين كان وقت العتاب أخبر أنه ناداه ولم يصرح باسمه ، والظاهر أنه تعالى كلمهما بلا واسطة ، ويدل على أن الله كلم آدم ما في تاريخ ابن أبي خيثمة أنه - عليه السلام - سئل عن آدم فقال : نبي مكلم ، وقال الجمهور : [ ص: 281 ] إن النداء كان بواسطة الوحي ويؤيده أن موسى - عليه السلام - هو الذي خص من بين العالم بالكلام ، وفي حديث الشفاعة إنهم يقولون له أنت الذي خصك الله بكلامه ، وقد يقال : إنه خصه بكلامه وهو في الأرض ، وأما آدم فكان ذلك له في الجنة ، وقد تقدم لنا في قوله منهم من كلم الله إن منهم محمدا كلمه الله ليلة الإسراء ولم يكلمه في الأرض ، فيكون موسى مختصا بكلامه في الأرض ، وقيل : النداء لآدم على الحقيقة ولم يرو قط أن الله كلم حواء ، والنداء هو دعاء الشخص باسمه العلم ، أو بنوعه ، أو بوصفه ولم يصرح هنا بشيء من ذلك ، والجملة معمولة لقول محذوف ، أي : قائلا : ألم أنهكما وهو استفهام معناه العتاب على ما صدر منهما ، والتنبيه على موضع الغفلة في قوله : ( تلكما الشجرة ) ، ( ولا تقربا هذه الشجرة ) إشارة لطيفة حيث كان مباحا له الأكل قارا ساكنا ، أشير إلى الشجرة باللفظ الدال على القرب والتمكن من الأشجار فقيل : ( ولا تقربا هذه الشجرة ) وحيث كان تعاطي مخالفة النهي وقرب إخراجه من الجنة واضطراب حاله فيها وفر على وجهه فيها قيل : ألم أنهكما عن تلكما فأشير إلى الشجرة باللفظ الدال على البعد والإنذار بالخروج منها ( وأقل لكما ) إشارة إلى قوله تعالى : ( فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) ، وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من يحمل النسيان على بابه . قال ابن عباس : بين العداوة حيث أبى السجود وقال : ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) روي أنه تعالى قال لآدم : ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة ، فقال بلى وعزتك ، ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف كاذبا قال فوعزتي لأهبطنك إلى الأرض ، ثم لا تنال إلا كدا . فأهبط ، وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد ودرس وذرا وعجن وخبز ، وقرأ أبي : ألم تنهيا عن تلكما الشجرة ، وقيل لكما .

التالي السابق


الخدمات العلمية