الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين تقدم ذكر المؤمنين والكافرين ، وسبق الخطاب للمؤمنين بقوله : فلم تقتلوهم وبقوله : ذلكم فحمله قوم على أنه خطاب للمؤمنين ، ويؤيده قوله : فقد جاءكم الفتح ; إذ لا يليق هذا الخطاب إلا بالمؤمنين على إرادة النصر بالاستفتاح ، وأن حمله على البيان والحكم ناسب أن يكون خطابا للكفار والمؤمنين ، فإذا كان خطابا للمؤمنين فالمعنى : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر وإن تنتهوا عن مثل ما فعلتموه في الغنائم والأسرى قبل الإذن فهو خير لكم ، وإن تعودوا إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم ، كما قال : لولا كتاب من الله سبق الآية ، ثم أعلمهم أن الفئة وهي الجماعة لا تغني وإن كثرت إلا بنصر الله ومعونته ، ثم آنسهم بإخباره أنه تعالى مع المؤمنين ، وقال الأكثرون : هي خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم ، وذلك أنه حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة ، وقالوا : اللهم انصر أقرانا للضيف ، وأوصلنا للرحم ، وأفكنا للعاني ، إن كان محمد على حق فانصره ، وإن كنا على حق فانصرنا ، وروي أنهم قالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين ، وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر : اللهم أينا كان أهجر وأقطع للرحم فاحنه اليوم ، أي : فأهلكه ، وروي عنه دعا شبه هذا ، وقال الحسن ومجاهد وغيرهما : كان هذا القول من قريش وقت خروجهم لنصرة العير ، وقال النضر بن الحارث : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية ، وهو ممن قتل يوم بدر ، وعلى هذا القول يكون معنى قوله [ ص: 479 ] فقد جاءكم الفتح ولكنه كان للمسلمين عليكم ; وقيل : معناه : فقد جاءكم ما بان لكم به الأمر ، واستقر به الحكم ، وانكشف لكم الحق به ، ويكون الاستفتاح على هذا بمعنى الحكم والقضاء ، وإن انتهوا عن الكفر ، وإن تعودوا إلى هذا القول وقتال محمد بعد نعد إلى نصر المؤمنين وخذلانكم ، وقالت فرقة : إن تستفتحوا خطاب للمؤمنين ، وإن تنتهوا خطاب للكافرين ، أي : وإن تنتهوا عن عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خير لكم وإن تعودوا لمحاربته نعد لنصرته عليكم ، وقال الكرماني : وإن تنتهوا عن أمر الأنفال وفداء الأسرى ببدر وإن تعودوا إلى معصية الله نعد إلى الإنكار ، وقرئ : ولن يغني ، بالياء ; لأن التأنيث مجاز ، وحسنه الفضل ، وقرأ الصاحبان وحفص : وأن الله ، بفتح الهمزة ، وباقي السبعة بكسرها ، وابن مسعود : والله مع المؤمنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية