الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وربك الغني ذو الرحمة ) لما ذكر تعالى من أطاع ومن عصى والثواب والعقاب ، ذكر أنه هو الغني من جميع الجهات لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ، ومع كونه غنيا هو ذو الرحمة ، أي : التفضل التام . قال ابن عباس : ( ذو الرحمة ) بأوليائه وأهل طاعته . وقيل : بكل خلقه ، ومن رحمته تأخير الانتقام من العصاة . وقيل : ( ذو الرحمة ) جاعل نفع الخلائق بعضهم ببعض . وقال الزمخشري : ( ذو الرحمة ) يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة .

( إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ) هذا فيه إظهار القدرة التامة والغنى المطلق ، والخطاب عام للخلق كلهم ، كما قال : ( إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ) ، فالمعنى إن يشأ إفناء هذا العالم واستخلاف ما يشاء من الخلق غيرهم فعل ، والإذهاب هنا الإهلاك ، إهلاك الاستئصال لا الإماتة ، ناسا بعد ناس ; لأن ذلك واقع فلا يعلق الواقع على إن يشأ . وقيل : الخطاب لأهل مكة . وقال عطاء : يعني الأنصار والتابعين . وقيل : ( يذهبكم ) أيها العصاة ( ويستخلف من بعدكم ما يشاء ) من النوع الطائع ، و ( كما أنشأكم ) في موضع مصدر على غير الصدر لقوله : ( ويستخلف ) لأن معناه وينشئ ، والمعنى إن يشأ الإذهاب والاستخلاف يذهبكم ويستخلف ، فكل من الإذهاب والاستخلاف معذوق بمشيئته ، و ( من ) لابتداء الغاية . وقال ابن عطية : للتبعيض . وقال الطبري وتبعه مكي : هي بمعنى أخذت من ثوبي دينارا بمعنى عنه وعوضه . انتهى . يعني أنها بدلية ، والمعنى من أولاد قوم متقدمين أصلهم آدم - عليه السلام - . وقال الزمخشري : من أولاد ( قوم آخرين ) لم يكونوا على مثل صفتكم ، وهم أهل سفينة نوح . انتهى . ويعني أنكم ( من ذرية قوم ) صالحين ، فلو شاء أذهبكم أيها العصاة ويستخلف بعدكم طائعين ، كما أنكم عصاة أنشأكم من قوم طائعين ، وما في قوله : ( ما يشاء ) قيل : بمعنى من ، والأولى إن كان المقدار استخلافه من غير العاقل فهي واقعة موقعها ، وإن كان عاقلا فيكون قد أريد بها النوع . وقرأ زيد بن ثابت : ( ذرية ) بفتح الذال ، وكذا في آل عمران ، وأبان بن عثمان ( ذرية ) بفتح الذال وتخفيف الراء المكسورة ، وعند ( ذرية ) على وزن ضربة ، وتضمنت هذه الآية التحذير من بطش الله في التعجيل بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية