(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) لما ذكر تعالى أن صراطه مستقيم ، ونهى عن اتباع السبل ، وذكر
موسى - عليه السلام - وما أنزل عليه ، وذكر القرآن وأمر باتباعه ، وذكر ما ينتظر الكفار مما هو كائن بهم ، انتقل إلى ذكر من اتبع السبل فتفرقت به عن سبيل الله ، لينبه المؤمنين على الائتلاف على الدين القويم ، ولئلا يختلفوا كما اختلف من قبلهم من الأمم بعد أن كانوا متفقين على الشرائع التي بعث أنبياؤهم بها ، والذين فرقوا دينهم الحرورية أو أهل الضلالة من هذه الأمة أو أصحاب البدع أو الأهواء منهم ، وهو قول
الأحوص nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة ، أو اليهود أو هم والنصارى ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والضحاك وقتادة ، أي : فرقوا دين
إبراهيم الحنيف ، أو هم مشركو العرب أو الكفار وأهل البدع ، أقوال ستة . وافتراق النصارى إلى ملكية ويعقوبية ونسطورية ، وتشعبوا إلى اثنين وسبعين فرقة ، وافتراق اليهود إلى موسوية وهارونية وداودية وسامرية ، وتشعبوا إلى اثنين وسبعين فرقة ، وافتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا من كان على ما عليه الرسول وأصحابه . وقيل : معنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159فرقوا دينهم ) آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وأضاف الدين إليهم من حيث كان ينبغي أن يلتزموه ، إذ هو دين الله الذي ألزمه العباد ، فهو دين جميع الناس بهذا الوجه . وقرأ
علي والأخوان : ( فارقوا ) هنا ، وفي الروم بألف ، ومعناها قريب من قراءة باقي السبعة بالتشديد ، تقول : ضاعف وضعف . وقيل : تركوه وباينوه ، ومن فرق دينه فآمن ببعض وكفر ببعض فقد فارق دينه المطلوب منه . وقرأ
إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وأبو صالح : ( فرقوا ) بتخفيف الراء . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159وكانوا شيعا ) أي : أحزابا كل منهم تابع لشخص لا يتعداه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لست منهم في شيء ) أي : لست من تفريق دينهم أو من عقابهم أو من قتالهم ، أو هو إخبار عن المباينة التامة والمباعدة ، كقول
النابغة :
إذا حاولت في أسد فجورا فإني لست منك ولست مني
احتمالات أربعة . وقال
ابن عطية : أي لا تشفع لهم ، ولا لهم بك تعلق ، وهذا على الإطلاق في الكفار ، وعلى جهة المبالغة في العصاة والمتنطعين في الشرع ، إذ لهم حظ من تفريق الدين ، ولما نفى كونه منهم في شيء حصر مرجع أمرهم من هلاك أو استقامة إليه تعالى ، وأخبر أنه مجازيهم بأفعالهم ، وذلك وعيد شديد لهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : هذه آية لم يؤمر فيها بقتال ، وهي منسوخة بالقتال . قال
ابن عطية : وهذا كلام غير متقن ، فإن الآية خبر لا يدخله نسخ ، ولكنها تضمنت بالمعنى أمرا بموادعة ، فيشبه أن يقال : إن
[ ص: 261 ] النسخ وقع في ذلك المعنى الذي قد تقرر في آيات أخر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّ صِرَاطَهُ مُسْتَقِيمٌ ، وَنَهَى عَنِ اتِّبَاعِ السُّبُلِ ، وَذَكَرَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ الْقُرْآنَ وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ ، وَذَكَرَ مَا يَنْتَظِرُ الْكُفَّارُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ بِهِمُ ، انْتَقَلَ إِلَى ذِكْرِ مَنِ اتَّبَعَ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَتْ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، لِيُنَبِّهَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الِائْتِلَافِ عَلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ ، وَلِئَلَّا يَخْتَلِفُوا كَمَا اخْتَلَفَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى الشَّرَائِعِ الَّتِي بُعِثَ أَنْبِيَاؤُهُمْ بِهَا ، وَالَّذِينَ فَرَّقُوا دَيْنَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ أَوْ أَهْلُ الضَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ أَصْحَابُ الْبِدَعِ أَوِ الْأَهْوَاءِ مِنْهُمْ ، وَهُوَ قَوْلُ
الْأَحْوَصِ nindex.php?page=showalam&ids=54وَأُمِّ سَلَمَةَ ، أَوِ الْيَهُودُ أَوْ هُمْ وَالنَّصَارَى ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ ، أَيْ : فَرَّقُوا دِينَ
إِبْرَاهِيمَ الْحَنِيفَ ، أَوْ هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ أَوِ الْكُفَّارُ وَأَهْلُ الْبِدَعِ ، أَقْوَالٌ سِتَّةٌ . وَافْتِرَاقُ النَّصَارَى إِلَى مِلْكِيَّةٍ وَيَعْقُوبِيَّةٍ وَنَسْطُورِيَّةٍ ، وَتَشَعَّبُوا إِلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَافْتِرَاقُ الْيَهُودِ إِلَى مُوسَوِيَّةٍ وَهَارُونِيَّةٍ وَدَاوُدِيَّةٍ وَسَامِرِيَّةٍ ، وَتَشَعَّبُوا إِلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَافْتِرَاقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَأَصْحَابُهُ . وَقِيلَ : مَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159فَرَّقُوا دِينَهُمْ ) آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ ، وَأَضَافَ الدِّينَ إِلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَزِمُوهُ ، إِذْ هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي أَلْزَمَهُ الْعِبَادَ ، فَهُوَ دِينُ جَمِيعِ النَّاسِ بِهَذَا الْوَجْهِ . وَقَرَأَ
عَلِيٌّ وَالْأَخَوَانِ : ( فَارَقُوا ) هُنَا ، وَفِي الرُّومِ بِأَلِفٍ ، وَمَعْنَاهَا قَرِيبٌ مِنْ قِرَاءَةِ بَاقِي السَّبْعَةِ بِالتَّشْدِيدِ ، تَقُولُ : ضَاعَفَ وَضَعَّفَ . وَقِيلَ : تَرَكُوهُ وَبَايِنُوهُ ، وَمَنْ فَرَّقَ دِينَهُ فَآمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فَقَدْ فَارَقَ دِينَهُ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ . وَقَرَأَ
إِبْرَاهِيمُ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ وَأَبُو صَالِحٍ : ( فَرَقُوا ) بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159وَكَانُوا شِيَعًا ) أَيْ : أَحْزَابًا كُلٌّ مِنْهُمْ تَابِعٌ لِشَخْصٍ لَا يَتَعَدَّاهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) أَيْ : لَسْتَ مِنْ تَفْرِيقِ دَيْنِهِمْ أَوْ مِنْ عِقَابِهِمْ أَوْ مِنْ قِتَالِهِمْ ، أَوْ هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْمُبَايَنَةِ التَّامَّةِ وَالْمُبَاعَدَةِ ، كَقَوْلِ
النَّابِغَةِ :
إِذَا حَاوَلَتَ فِي أَسَدٍ فُجُورًا فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي
احْتِمَالَاتٌ أَرْبَعَةٌ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : أَيْ لَا تَشْفَعُ لَهُمْ ، وَلَا لَهُمْ بِكَ تَعَلُّقٌ ، وَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الْكُفَّارِ ، وَعَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْعُصَاةِ وَالْمُتَنَطِّعِينَ فِي الشَّرْعِ ، إِذْ لَهُمْ حَظٌّ مِنْ تَفْرِيقِ الدِّينِ ، وَلَمَّا نَفَى كَوْنَهُ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ حَصَرَ مَرْجِعَ أَمْرِهِمْ مِنْ هَلَاكٍ أَوِ اسْتِقَامَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مُجَازِيهِمْ بِأَفْعَالِهِمْ ، وَذَلِكَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لَهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : هَذِهِ آيَةٌ لَمْ يُؤْمَرْ فِيهَا بِقِتَالٍ ، وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْقِتَالِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُتْقَنٍ ، فَإِنَّ الْآيَةَ خَبَرٌ لَا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ ، وَلَكِنَّهَا تَضَمَّنَتْ بِالْمَعْنَى أَمْرًا بِمُوَادَعَةٍ ، فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ
[ ص: 261 ] النَّسْخُ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي قَدْ تَقَرَّرَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ .