(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=60قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ) قال
ابن عطية : قرأ
ابن عامر ( الملو ) بالواو ، وكذلك هي في مصاحف
أهل الشام انتهى . وليس مشهورا عن
ابن عامر ، بل قراءته كقراءة باقي السبعة بهمزة . ولم يجبه من قومه إلا أشرافهم وسادتهم وهم الذين يتعاصون على الرسل لانغمار عقولهم بالدنيا وطلب الرئاسة والعلو فيهما . ونراك : الأظهر أنها من رؤية القلب ، وقيل : من رؤية العين ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=60في ضلال مبين ) ، أي : في ذهاب عن طريق الصواب وجهالة بما تسلك بينة واضحة . وجاءت جملة الجواب مؤكدة بأن وباللام ، وفي للوعاء فكأن الضلال جاء ظرفا له وهو فيه
[ ص: 321 ] ولم يأت ضالا ولا ذا ضلال .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=61قال ياقوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون ) لم يرد النفي منه على لفظ ما قالوه ، فلم يأت التركيب لست في ضلال مبين ، بل جاء في غاية الحسن من نفي أن يلتبس به ، ويختلط ضلالة ما واحدة فأنى يكون في ضلال فهذا أبلغ من الانتفاء من الضلال إذ لم يعتلق به ولا ضلالة واحدة ، وفي ندائه لهم ثانيا والإعراض عن جفائهم ما يدل على سعة صدره والتلطف بهم .
ولما نفى عنهم التباس ضلالة ما به دل على أنه على الصراط المستقيم فصح أن يستدرك كما تقول ما زيد بضال ولكنه مهتد ، فلكن واقعة بين نقيضين ؛ لأن الإنسان لا يخلو من أحد الشيئين : الضلال والهدى ، ولا تجامع ضلالة الرسالة ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=61من رب العالمين ) تنبيه على أنه ربهم ؛ لأنهم من جملة العالم ، أي : من ربكم المالك لأموركم الناظر لكم بالمصلحة حيث وجه إليكم رسولا يدعوكم إلى إفراده بالعبادة و (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أبلغكم ) استئناف على سبيل البيان بكونه رسولا ، أو جملة في موضع الصفة لرسول ملحوظا فيه بكونه خبرا لضمير متكلم كما تقول أنا رجل آمر معروف ، فتراعي لفظ أنا ، ويجوز يأمر بالمعروف فيراعي لفظ رجل ، والأكثر مراعاة ضمير المتكلم والمخاطب ، فيعود الضمير ضمير متكلم ، أو مخاطب . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=47بل أنتم قوم تفتنون ) بالتاء ولو قرئ بالياء لكان عربيا مراعاة للفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=69قوم ) ؛ لأنه غائب ، وقرأ
أبو عمرو (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أبلغكم ) هنا في الموضعين وفي الأحقاف بالتخفيف ، وباقي السبعة بالتشديد ، والهمزة والتضعيف للتعدية فيه ، وجمع (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62رسالات ) باعتبار ما أوحي إليه في الأزمان المتطاولة ، أو باعتبار المعاني المختلفة من الأمر والنهي والزجر والوعظ والتبشير والإنذار ، أو باعتبار ما أوحي إليه وإلى من قبله ، قيل : في صحف
إدريس ، وهي ثلاثون صحيفة وفي صحف
شيث وهي خمسون صحيفة . وتقدم الكلام في " نصح " وتعديتها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة ، وأنها وقعت للمنصوح له مقصودا به جانبه لا غير ، فرب نصيحة ينتفع بها الناصح بقصد النفعين جميعا ولا نصيحة أنفع من نصيحة الله تعالى ورسله ، وقال
الفراء : لا تكاد العرب تقول نصحتك إنما نصحت لك ، وقال
النابغة :
نصحت بني عوف فلم يتقبلوا
وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62ما لا تعلمون ) إبهام عليهم وهو عام ، ولكن ساق ذلك مساق المعلومات التي يخاف عليهم ولم يسمعوا قط بأمة عذبت فتضمن التهديد والوعيد ، فيحتمل أن يريد ما لا تعلمون من صفات الله وقدرته وشدة بطشه على من اتخذ إلها معه ، أو يريد ما لا تعلمون مما أوحي إلي ، قال
ابن عطية : ولا بد أن
نوحا - عليه السلام - وكل نبي مبعوث إلى الخلق كانت له معجزة بخرق العادة ، فمنهم من عرفنا بمعجزته ومنهم من لم نعرف ، وما أحسن سياق هذه الأفعال قال أولا :
[ ص: 322 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أبلغكم رسالات ربي ) ، وهذا مبدأ أمره معهم وهو التبليغ ، كما قال : إن عليك إلا البلاغ ، ثم قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62وأنصح لكم ) ، أي : أخلص لكم في تبيين الرشد والسلامة في العاقبة إذا عبدتم الله وحده ، ثم قال وأعلم من الله ما لا تعلمون من بطشه بكم وهو مآل أمركم إذا لم تفردوه بالعبادة فنبه على مبدأ أمره ومنتهاه معهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون ) يتضمن قولهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=60إنا لنراك في ضلال مبين ) استبعادهم واستمحالهم ما أخبرهم به من خوف العذاب عليهم ، وأنه بعثه الله إليهم بعبادته وحده ورفض آلهتهم وتعجبوا من ذلك ، وقال
أبو عبد الله الرازي : سبب استبعادهم إرسال
نوح ، والهمزة للإنكار والتوبيخ ، أي : هذا مما لا يعجب منه إذ له تعالى التصرف التام بإرسال من يشاء لمن يشاء ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الواو للعطف والمعطوف محذوف ، كأنه قيل ، أوكذبتم وعجبتم أن جاءكم . انتهى . وهو كلام مخالف لكلام
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والنحاة ؛ لأنهم يقولون : إن الواو لعطف ما بعدها على ما قبلها من الكلام ولا حذف هناك وكأن الأصل وأعجبتم لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام فقدمت على حروف العطف ؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام ، وقد تقدم الكلام معه في نظير هذه المسألة ، وقد رجع هو عن هذا إلى قول الجماعة ، والذكر الوعظ أو الوحي أو المعجز أو كتاب معجز أو البيان ، أقوال والأولى أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63على رجل ) فيه إضمار ، أي : على لسان رجل كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ما وعدتنا على رسلك ) ، وقيل : على بمعنى مع ، وقيل : لا حذف ولا تضمين في الحرف ، بل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63على رجل ) هو على ظاهره ؛ لأن (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63جاءكم ) بمعنى نزل إليكم كانوا يتعجبون من نبوة
نوح ، ويقولون ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين يعنون إرسال البشر و (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=14لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ) وذكر عليه المجيء وهو الإعلام بالمخوف والتحذير من سوء عاقبة الكفر ووجود التقوى منهم ورجاء الرحمة ، وكأنها علة مترتبة فجاءكم الذكر للإنذار بالمخوف ، والإنذار بالمخوف لأجل وجود التقوى منهم ، ووجود التقوى لرجاء الرحمة وحصولها ، فعلل المجيء بجميع هذه العلل المترتبة ؛ لأن المترتب على السبب سبب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28978فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين ) . أخبر تعالى أنهم كذبوه هذا مع حسن ملاطفته لهم ومراجعته لهم وشفقته عليهم فلم يكن نتيجة هذا إلا التكذيب له فيما جاء به عن الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64والذين معه في الفلك ) هم من آمن به وصدقه وكانوا أربعين رجلا ، وقيل : ثمانين رجلا وأربعين امرأة . قاله
الكلبي وإليهم تنسب القرية التي ينسب إليها الثمانون وهي
بالموصل ، وقيل : عشرة فيهم أولاده
[ ص: 323 ] الثلاثة ، وقيل : تسعة منهم بنوه الثلاثة وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64وأغرقنا الذين كذبوا ) إعلام بعلة الغرق وهو التكذيب و (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64بآياتنا ) يقتضي أن
نوحا كانت له آيات ومعجزات تدل على إرساله ويتعلق (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64في الفلك ) بما يتعلق به الظرف الواقع صلة ، أي : والذين استقروا معه في الفلك ، ويحتمل أن يتعلق بأنجيناه ، أي : أنجيناهم في السفينة من الطوفان وعلى هذا يحتمل أن تكون في سببية ، أي : بالفلك كقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374425دخلت النار في هرة ، أي : بسبب هرة و (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64عمين ) من عمي القلب ، أي : غير مستبصرين ، ويدل على ثبوت هذا الوصف كونه جاء على وزن فعل ، ولو قصد الحذف لجاء على فاعل كما جاء ضائق في ضيق وثاقل في ثقيل إذا قصد به حدوث الضيق والثقل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : عميت قلوبهم عن معرفة التوحيد والنبوة والمعاد ، وقال
معاذ النحوي : رجل عم في أمره لا يبصره وأعمى في البصر . قال :
ما في غد عم ولكنني عن علم
وقد يكون العمى والأعمى كالخضر والأخضر ، وقال
الليث : رجل عم إذا كان أعمى القلب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=60قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ ( الْمَلَوُ ) بِالْوَاوِ ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مَصَاحِفِ
أَهْلِ الشَّامِ انْتَهَى . وَلَيْسَ مَشْهُورًا عَنِ
ابْنِ عَامِرٍ ، بَلْ قِرَاءَتُهُ كَقِرَاءَةِ بَاقِي السَّبْعَةِ بِهَمْزَةٍ . وَلَمْ يُجِبْهُ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا أَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَهُمُ الَّذِينَ يَتَعَاصَوْنَ عَلَى الرُّسُلِ لِانْغِمَارِ عُقُولِهِمْ بِالدُّنْيَا وَطَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالْعُلُوِّ فِيهِمَا . وَنَرَاكَ : الْأَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ ، وَقِيلَ : مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=60فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) ، أَيْ : فِي ذَهَابٍ عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ وَجَهَالَةٍ بِمَا تَسْلُكُ بَيِّنَةٍ وَاضِحَةٍ . وَجَاءَتْ جُمْلَةُ الْجَوَابِ مُؤَكَّدَةً بِأَنَّ وَبِاللَّامِ ، وَفِي لِلْوِعَاءِ فَكَأَنَّ الضَّلَالَ جَاءَ ظَرْفًا لَهُ وَهُوَ فِيهِ
[ ص: 321 ] وَلَمْ يَأْتِ ضَالًّا وَلَا ذَا ضَلَالٍ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=61قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) لَمْ يَرِدِ النَّفْيُ مِنْهُ عَلَى لَفْظِ مَا قَالُوهُ ، فَلَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ لَسْتُ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، بَلْ جَاءَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ مِنْ نَفْيٍ أَنْ يَلْتَبِسَ بِهِ ، وَيَخْتَلِطَ ضَلَالَةٌ مَا وَاحِدَةٌ فَأَنَّى يَكُونُ فِي ضَلَالٍ فَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الِانْتِفَاءِ مِنَ الضَّلَالِ إِذْ لَمْ يَعْتَلِقْ بِهِ وَلَا ضَلَالَةَ وَاحِدَةً ، وَفِي نِدَائِهِ لَهُمْ ثَانِيًا وَالْإِعْرَاضُ عَنْ جَفَائِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى سِعَةِ صَدْرِهِ وَالتَّلَطُّفِ بِهِمْ .
وَلَمَّا نَفَى عَنْهُمُ الْتِبَاسَ ضَلَالَةٍ مَا بِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَصَحَّ أَنْ يَسْتَدْرِكَ كَمَا تَقُولُ مَا زَيْدٌ بِضَالٍّ وَلَكِنَّهُ مُهْتَدٍ ، فَلَكِنَّ وَاقِعَةٌ بَيْنَ نَقِيضَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ : الضَّلَالِ وَالْهُدَى ، وَلَا تُجَامِعُ ضَلَالَةَ الرِّسَالَةِ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=61مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ رَبُّهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْعَالَمِ ، أَيْ : مِنْ رَبِّكُمُ الْمَالِكِ لِأُمُورِكُمُ النَّاظِرِ لَكُمْ بِالْمَصْلَحَةِ حَيْثُ وَجَّهَ إِلَيْكُمْ رَسُولًا يَدْعُوكُمْ إِلَى إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أُبَلِّغُكُمْ ) اسْتِئْنَافٌ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ بِكَوْنِهِ رَسُولًا ، أَوْ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِرَسُولٍ مَلْحُوظًا فِيهِ بِكَوْنِهِ خَبَرًا لِضَمِيرِ مُتَكَلِّمٍ كَمَا تَقُولُ أَنَا رَجُلٌ آمِرٌ مَعْرُوفٌ ، فَتُرَاعِي لَفْظَ أَنَا ، وَيَجُوزُ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ فَيُرَاعِي لَفْظَ رَجُلٍ ، وَالْأَكْثَرُ مُرَاعَاةً ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ ، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ مُتَكَلِّمٍ ، أَوْ مُخَاطَبٍ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=47بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) بِالتَّاءِ وَلَوْ قُرِئَ بِالْيَاءِ لَكَانَ عَرَبِيًّا مُرَاعَاةً لِلَفْظِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=69قَوْمِ ) ؛ لِأَنَّهُ غَائِبٌ ، وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أُبَلِّغُكُمْ ) هُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي الْأَحْقَافِ بِالتَّخْفِيفِ ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِالتَّشْدِيدِ ، وَالْهَمْزَةُ وَالتَّضْعِيفُ لِلتَّعْدِيَةِ فِيهِ ، وَجَمَعَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62رِسَالَاتِ ) بِاعْتِبَارِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْأَزْمَانِ الْمُتَطَاوِلَةِ ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالزَّجْرِ وَالْوَعْظِ وَالتَّبْشِيرِ وَالْإِنْذَارِ ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْ قَبْلِهِ ، قِيلَ : فِي صُحُفِ
إِدْرِيسَ ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ صَحِيفَةً وَفِي صُحُفِ
شِيثٍ وَهِيَ خَمْسُونَ صَحِيفَةً . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي " نَصَحَ " وَتَعْدِيَتِهَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَفِي زِيَادَةِ اللَّامِ مُبَالَغَةٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى إِمْحَاضِ النَّصِيحَةِ ، وَأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ مَقْصُودًا بِهِ جَانِبُهُ لَا غَيْرَ ، فَرُبَّ نَصِيحَةٍ يَنْتَفِعُ بِهَا النَّاصِحُ بِقَصْدِ النَّفْعَيْنِ جَمِيعًا وَلَا نَصِيحَةَ أَنْفَعُ مِنْ نَصِيحَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ ، وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَقُولُ نَصَحْتُكَ إِنَّمَا نَصَحْتُ لَكَ ، وَقَالَ
النَّابِغَةُ :
نَصَحْتُ بَنِي عَوْفٍ فَلَمْ يَتَقَبَّلُوا
وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62مَا لَا تَعْلَمُونَ ) إِبْهَامٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ عَامٌّ ، وَلَكِنْ سَاقَ ذَلِكَ مَسَاقَ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي يَخَافُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا قَطُّ بِأُمَّةٍ عُذِّبَتْ فَتَضَمَّنَ التَّهْدِيدَ وَالْوَعِيدَ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ مَا لَا تَعْلَمُونَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَشِدَّةِ بَطْشِهِ عَلَى مَنِ اتَّخَذَ إِلَهًا مَعَهُ ، أَوْ يُرِيدُ مَا لَا تَعْلَمُونَ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيَّ ، قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَلَا بُدَّ أَنَّ
نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكُلُّ نَبِيٍّ مَبْعُوثٍ إِلَى الْخَلْقِ كَانَتْ لَهُ مُعْجِزَةٌ بِخَرْقِ الْعَادَةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَرَفْنَا بِمُعْجِزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَعْرِفْ ، وَمَا أَحْسَنَ سِيَاقُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ قَالَ أَوَّلًا :
[ ص: 322 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي ) ، وَهَذَا مَبْدَأُ أَمْرِهِ مَعَهُمْ وَهُوَ التَّبْلِيغُ ، كَمَا قَالَ : إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ، ثُمَّ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=62وَأَنْصَحُ لَكُمْ ) ، أَيْ : أُخْلِصُ لَكُمْ فِي تَبْيِينِ الرُّشْدِ وَالسَّلَامَةِ فِي الْعَاقِبَةِ إِذَا عَبَدْتُمُ اللَّهَ وَحْدَهُ ، ثُمَّ قَالَ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ مِنْ بَطْشِهِ بِكُمْ وَهُوَ مَآلُ أَمْرِكُمْ إِذَا لَمْ تُفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ فَنَبَّهَ عَلَى مَبْدَأِ أَمْرِهِ وَمُنْتَهَاهُ مَعَهُمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) يَتَضَمَّنُ قَوْلُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=60إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) اسْتِبْعَادَهُمْ وَاسْتِمْحَالَهُمْ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مِنْ خَوْفِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ وَرَفْضِ آلِهَتِهِمْ وَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : سَبَبُ اسْتِبْعَادِهِمْ إِرْسَالُ
نُوحٍ ، وَالْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ ، أَيْ : هَذَا مِمَّا لَا يُعْجَبُ مِنْهُ إِذْ لَهُ تَعَالَى التَّصَرُّفُ التَّامُّ بِإِرْسَالِ مَنْ يَشَاءُ لِمَنْ يَشَاءُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَالْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ ، كَأَنَّهُ قِيلَ ، أَوَكَذَّبْتُمْ وَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ . انْتَهَى . وَهُوَ كَلَامٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَالنُّحَاةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الْوَاوَ لِعَطْفِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ وَلَا حَذْفَ هُنَاكَ وَكَأَنَّ الْأَصْلَ وَأُعْجِبْتُمْ لَكِنَّهُ اعْتَنَى بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَقُدِّمَتْ عَلَى حُرُوفِ الْعَطْفِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَدْ رَجَعَ هُوَ عَنْ هَذَا إِلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ ، وَالذِّكْرُ الْوَعْظُ أَوِ الْوَحْيُ أَوِ الْمُعْجِزُ أَوْ كِتَابٌ مُعْجِزٌ أَوِ الْبَيَانُ ، أَقْوَالٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63عَلَى رَجُلٍ ) فِيهِ إِضْمَارٌ ، أَيْ : عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ) ، وَقِيلَ : عَلَى بِمَعْنَى مَعَ ، وَقِيلَ : لَا حَذْفَ وَلَا تَضْمِينَ فِي الْحَرْفِ ، بَلْ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63عَلَى رَجُلٍ ) هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ؛ لِأَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63جَاءَكُمْ ) بِمَعْنَى نَزَلَ إِلَيْكُمْ كَانُوا يَتَعَجَّبُونَ مِنْ نُبُوَّةِ
نُوحٍ ، وَيَقُولُونَ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ يَعْنُونَ إِرْسَالَ الْبَشَرِ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=14لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً ) وَذَكَرَ عَلَيْهِ الْمَجِيءَ وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِالْمَخُوفِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَةِ الْكُفْرِ وَوُجُودُ التَّقْوَى مِنْهُمْ وَرَجَاءُ الرَّحْمَةِ ، وَكَأَنَّهَا عِلَّةٌ مُتَرَتِّبَةٌ فَجَاءَكُمُ الذِّكْرُ لِلْإِنْذَارِ بِالْمَخُوفِ ، وَالْإِنْذَارُ بِالْمَخُوفِ لِأَجْلِ وُجُودِ التَّقْوَى مِنْهُمْ ، وَوُجُودُ التَّقْوَى لِرَجَاءِ الرَّحْمَةِ وَحُصُولِهَا ، فَعَلَّلَ الْمَجِيءَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْعِلَلِ الْمُتَرَتِّبَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى السَّبَبِ سَبَبٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64nindex.php?page=treesubj&link=28978فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ ) . أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُ هَذَا مَعَ حُسْنِ مُلَاطَفَتِهِ لَهُمْ وَمُرَاجَعَتِهِ لَهُمْ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَكُنْ نَتِيجَةُ هَذَا إِلَّا التَّكْذِيبَ لَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ ) هُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا ، وَقِيلَ : ثَمَانِينَ رَجُلًا وَأَرْبَعِينَ امْرَأَةً . قَالَهُ
الْكَلْبِيُّ وَإِلَيْهِمْ تُنْسَبُ الْقَرْيَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إِلَيْهَا الثَّمَانُونَ وَهِيَ
بِالْمَوْصِلِ ، وَقِيلَ : عَشَرَةٌ فِيهِمْ أَوْلَادُهُ
[ ص: 323 ] الثَّلَاثَةُ ، وَقِيلَ : تِسْعَةٌ مِنْهُمْ بَنُوهُ الثَّلَاثَةُ وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا ) إِعْلَامٌ بِعِلَّةِ الْغَرَقِ وَهُوَ التَّكْذِيبُ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64بِآيَاتِنَا ) يَقْتَضِي أَنَّ
نُوحًا كَانَتْ لَهُ آيَاتٌ وَمُعْجِزَاتٌ تَدُلُّ عَلَى إِرْسَالِهِ وَيَتَعَلَّقُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64فِي الْفُلْكِ ) بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الظَّرْفُ الْوَاقِعُ صِلَةً ، أَيْ : وَالَّذِينَ اسْتَقَرُّوا مَعَهُ فِي الْفُلْكِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَنْجَيْنَاهُ ، أَيْ : أَنْجَيْنَاهُمْ فِي السَّفِينَةِ مِنَ الطُّوفَانِ وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فِي سَبَبِيَّةً ، أَيْ : بِالْفُلْكِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374425دَخَلَتِ النَّارَ فِي هِرَّةٍ ، أَيْ : بِسَبَبِ هِرَّةٍ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=64عَمِينَ ) مِنْ عَمِيَ الْقَلْبُ ، أَيْ : غَيْرُ مُسْتَبْصِرِينَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْوَصْفِ كَوْنُهُ جَاءَ عَلَى وَزْنِ فَعِلٍ ، وَلَوْ قُصِدَ الْحَذْفُ لَجَاءَ عَلَى فَاعِلٍ كَمَا جَاءَ ضَائِقٌ فِي ضَيِّقٍ وَثَاقِلٌ فِي ثَقِيلٍ إِذَا قُصِدَ بِهِ حُدُوثُ الضِّيقِ وَالثِّقَلِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : عَمِيَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ ، وَقَالَ
مُعَاذٌ النَّحْوِيُّ : رَجُلٌ عَمٍ فِي أَمْرِهِ لَا يُبْصِرُهُ وَأَعْمَى فِي الْبَصَرِ . قَالَ :
مَا فِي غَدٍ عَمٍ وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمٍ
وَقَدْ يَكُونُ الْعَمَى وَالْأَعْمَى كَالْخَضِرِ وَالْأَخْضَرِ ، وَقَالَ
اللَّيْثُ : رَجُلٌ عَمٍ إِذَا كَانَ أَعْمَى الْقَلْبِ .