الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها هذا استفهام إنكار وتعجيب وتبيين أنهم جماد لا حراك لهم ، وأنهم فاقدون لهذه الأعضاء ، ومنافعها التي خلقت لأجلها ، فأنتم أفضل من هذه الأصنام أذلكم هذا التصرف ، وهذا الاستفهام الذي معناه الإنكار قد يتوجه الإنكار فيه إلى انتفاء هذه الأعضاء وانتفاء منافعها ، فيتسلط النفي على المجموع كما فسرناه ; لأن تصويرهم هذه الأعضاء للأصنام ليست أعضاء حقيقة ، وقد يتوجه النفي إلى الوصف ، أي : وإن كانت لهم هذه الأعضاء مصورة فقد انتفت هذه المنافع التي للأعضاء ، والمعنى : أنكم أفضل من الأصنام بهذه الأعضاء النافعة ، وأم هنا منقطعة فتقدر ببل والهمزة ، وهو إضراب على معنى الانتقال لا على معنى الإبطال ، وإنما هو تقدير على نفي كل واحدة من هذه الجمل ، وكان ترتيب هذه الجمل هكذا ; لأنه بدئ بالأهم ثم أتبع بما هو دونه إلى آخرها ، وقرأ الحسن والأعرج ونافع بكسر الطاء ، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بضمها ، وقال أبو عبد الله الرازي : تعلق بعض الأغمار بهذه الآية في إثبات هذه الأعضاء لله تعالى ، فقالوا : جعل عدمها للأصنام دليلا على عدم إلهيتها ، فلو لم تكن موجودة له تعالى لكان عدمها دليلا على عدم الإلهية ، وذلك باطل فوجب القول بإثباتها له تعالى ، والجواب من وجهين ، أحدهما : أن المقصود من الآية أن الإنسان أفضل وأكمل حالا من الصنم ; لأنه له رجل ماشية ويد باطشة وعين باصرة وأذن سامعة ، والصنم وإن صورت له هذه الأعضاء بخلاف الإنسان ، فالإنسان أكمل وأفضل فلا يشتغل بعبادة الأخس الأدون ، والثاني : أن المقصود تقرير الحجة التي ذكرها قبل وهي ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون يعني كيف يحسن عبادة من لا يقدر على النفع والضر ، ثم قرر أن هذه الأصنام انتفت عنها هذه الأعضاء ومنافعها ، فليست قادرة على نفع ولا ضر ، فامتنع كونها آلهة ، أما الله تعالى فهو وإن كان متعاليا عن هذه الأعضاء ، فهو موصوف بكمال القدرة على النفع والضر وبكمال السمع والبصر ، انتهى ، وفيه بعض تلخيص .

التالي السابق


الخدمات العلمية