الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون لما تقدم قوله : وإن تنتهوا ، وكان الضمير ظاهره العود على المؤمنين ناداهم وحركهم إلى طاعة الله ورسوله ، والظاهر أنه نداء وخطاب للمؤمنين الخلص ، حثهم بالأمر على طاعة الله ورسوله ، ولما كانت الآية قبلها مسوقة في أمر الجهاد . قيل معنى أطيعوه : فيما يدعوكم إليه من الجهاد ; وقيل : في امتثال الأمر والنهي ، وأفردهم بالأمر رفعا لأقدارهم وإن كان غيرهم مأمورا بطاعة الله ورسوله ، وهذا قول الجمهور ، وأما من قال : إن قوله : وإن تنتهوا خطاب للكفار ، فيرى أن هذه الآية نزلت بسبب اختلافهم في النفل ومجادلتهم في الحق وتفاخرهم بقتل الكفار والنكاية فيهم ، وأبعد من ذهب إلى أنه نداء وخطاب للمنافقين ، أي : يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ، وهذا لا يناسب ; لأن وصفهم بالإيمان ، وهو التصديق ، وليس المنافقون من التصديق في شيء ، وأبعد من ذهب إلى أنه نداء وخطاب لبني إسرائيل ; لأنه أيضا يكون أجنبيا من الآيات ، وأصل ولا تولوا ولا تتولوا ، وتقدم الخلاف في حرف التاء في نحو هذا أهي حرف المضارعة أم تاء تفعل ، والضمير في عنه قال الزمخشري : لرسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأن المعنى وأطيعوا رسول الله ، كقوله : ( والله ورسوله أحق أن يرضوه ) ولأن طاعة الرسول وطاعة الله شيء واحد ، من يطع الرسول فقد أطاع الله ، فكان رجوع الضمير إلى أحدهما كرجوعه إليهما ، كقولك : الإحسان والإجمال لا ينفع في فلان ، ويجوز أن يرجع إلى الأمر بالطاعة ، ولا تولوا عن هذا الأمر وامتثاله وأنتم تسمعونه ، أو ولا تتولوا عن رسول الله ولا تخالفوه وأنتم تسمعون ، أي : تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصم المكذبين من الكفرة ، انتهى ، وإنما عاد على الرسول ; لأن التولي إنما يصح في حق الرسول بأن يعرضوا عنه ، وهذا على أن يكون التولي حقيقة ، وإذا عاد على الأمر كان مجازا ; وقيل : هو عائد على الطاعة ; وقيل : هو عائد على الله ، وقال الكرماني ما معناه : إنه لما لم يطلق لفظ التثنية على الله وحده لم يجمع بينه تعالى وبين غيره في ضميرها ، بخلاف الجمع فإنه أطلق على لفظه تعظيما ، فجمع بينه وبين غيره في ضميره ، ولهذا نظائر في القرآن منها : ( إذا دعاكم ) ، ومنها ( أن يرضوه ) ففي الحديث ذم من جمع في التثنية بينهما في الضمير ، وتعليمه أن يقول : ومن عصى الله ورسوله ، وأنتم تسمعون جملة حالية ، أي : لا يناسب سماعكم التولي ولا يجامعه ، وفي متعلقه أقوال : أحدها : وعظ الله لكم ، الثاني : الأمر والنهي ، الثالث : التعبير بالسماع عن العقل والفهم ، الرابع : التعبير عن التصديق ، وهو الإيمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية