ثم إنه تعالى حض في هذا المقام على
nindex.php?page=treesubj&link=23468_7862_27936إنفاق المال وغيره مما يعين على القتال فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم أي : ومهما تنفقوا من شيء نقدا كان أو غيره ، قليلا كان أو كثيرا في إعداد المستطاع من القوة والمرابطة في سبيل الله يعطكم الله جزاءه وافيا تاما
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وأنتم لا تظلمون أي : والحال أنكم لا تنقصون من جزائه شيئا ، أو لا يلحقكم في هذه الحالة ظلم ولا اضطهاد من أعدائكم ؛ لأن القوي المستعد لمقاومة المعتدين بالقوة قلما يعتدي عليه أحد ، فإن اعتدى عليه فقلما يظفر به المعتدي وينال منه ما يعد به ظالما له ، فأنتم ما ظلمتم بإخراجكم من دياركم وأموالكم إلا لضعفكم ، وسيأتي التذكير بذلك الظلم في بيان الإذن الأول للمسلمين بالقتال ، فهذا مبني على أن
nindex.php?page=treesubj&link=27936إعداد المستطاع من القوة على [ ص: 58 ] الجهاد والمرابطة في سبيل الله لا يمكن القيام به إلا بإنفاق المال الكثير ، فلهذا رغب سبحانه عباده المؤمنين بالإنفاق في سبيله ، ووعدهم بأن كل ما ينفقونه فيها يوفى إليهم ، أي : يجزون عليه جزاء وافيا إما في الدنيا والآخرة كليهما ، وإما في الآخرة فقط ، كما أمر الله رسوله أن يقول للمنافقين :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ( 9 : 52 ) الآية . وستأتي قريبا في سورة التوبة ، والحسنيان فيها هما : النصر والغنيمة في الدنيا ، والشهادة المفضية إلى المثوبة في الآخرة . فيجب على الأمة بذل ما يكفي للإعداد المذكور في الآية ، فإن لم يبذلوا طوعا وجب على الإمام الحق العادل إلزام الأغنياء ذلك بحسب استطاعتهم لوقاية الأمة والملة ، كما قال في سياق أحكام القتال من سورة البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( 2 : 195 ) فسبيل الله هنا وهنالك هو الجهاد الواقي لأهل الحق من بغي أهل الباطل - وإن كان لفظه عاما يشمل كل ما يوصل إلى مرضاته ومثوبته من أعمال البر كما قال تعالى في أول ما نزل من الإذن للمسلمين بالقتال تعليلا له :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ( 22 : 39 - 41 ) .
فهذا هو الجهاد الإسلامي ، وهذه هي أحكامه وأصوله وعللها ، وهي في جملتها وتفصيلها تفند تقولات أعداء الحق
nindex.php?page=treesubj&link=28634الذين يزعمون أن الإسلام دين قام بالسيف ، وغلب بالقهر وسفك الدماء ، وقد علم من هذه النصوص التي هي أساس أحكام هذا الدين القطعية في هذا الموضوع ، وبما تواتر من تاريخه أنه دين قام بالدعوة والإقناع ، كان أول من آمن بهذا الداعي أهل بيته الأدنون : زوجه التي كانت أعلم الناس بحاله ، وربيبه ابن عمه
علي المرتضى ، وعتيقه
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ـ رضي الله عنه ـ وأول من بلغته دعوته خارج بيته فعقلها وفقه سرها ، وأدرك حقيتها وفضلها من أول وهلة فقبلها بلا تلبث
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وما زال جمهور قوم الداعي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يؤذونه ويصدون عنه ويفتنون من آمن به وأكثرهم من الضعفاء بأنواع التعذيب ، حتى اضطروهم إلى الهجرة وترك ديارهم ووطنهم ، ثم هاجر هو بعد ظهور دعوة الإسلام بعشر سنين ، ثم صار هؤلاء المشركون يتبعونهم إلى مهاجرهم يقاتلونهم فيه .
ولما أذن الله لهم بالدفاع بين حكمته ، وأنهم مظلومون لا ظالمون ، وأنه لولا هذا الدفاع
[ ص: 59 ] لغلب أهل الشرك والباطل والخرافات والمنكرات على أهل الإيمان والحق والعدل والفضائل ، وهدموا بيوت الله تعالى لإبقاء هياكل الأصنام وبيوت الأوثان .
ثم وصف هؤلاء المؤمنين بما يعتبر شرطا لإباحة القتال لهم ، وهو أنهم عند انتصارهم وتمكينهم في الأرض يقيمون الصلاة التي وصفها الله تعالى بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ويؤتون الزكاة التي تقوم بها المصالح المعاشية العامة ، ويزول بؤس الفقراء والمساكين والغارمين بمشاركتهم للأغنياء في أموالهم بحكم الله المغني لهم ، لا بمجرد أريحتهم وتفضلهم ، وتعين على السياحة بكفاية أبناء السبيل ، ويكلفون حفظ الفضيلة ومنع الرذائل بإقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكل هذه المقاصد الشريفة من إباحة الجهاد تخالفها الدول الحربية فتبيح المنكرات والفواحش ، وتفسد الأخلاق .
هذا
nindex.php?page=treesubj&link=7860أول ما نزل من القرآن في شرعية هذا الجهاد الذي يعيبه المتعصبون المراءون من الكفار أعداء الإنسانية ، ثم نزل من أحكامه ما نحن بصدد تفسيره ، ومن أهمه أن يكون الفرض الأول من الاستعداد الحربي لأهل الحق إرهاب أعدائهم أهل الباطل لعلهم يكفون عن البغي والعدوان ، فإن لم يفعلوا كان أهل الحق والفضيلة قادرين على حفظها بالدفاع عنهما ، وإضعاف شوكة الباغين المبطلين أو القضاء عليها .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَضَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=23468_7862_27936إِنْفَاقِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الْقِتَالِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أَيْ : وَمَهْمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ نَقْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهَ ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فِي إِعْدَادِ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْمُرَابَطَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُعْطِكُمُ اللَّهُ جَزَاءَهُ وَافِيًا تَامًّا
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ أَيْ : وَالْحَالُ أَنَّكُمْ لَا تُنْقَصُونَ مِنْ جَزَائِهِ شَيْئًا ، أَوْ لَا يَلْحَقُكُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ظُلْمٌ وَلَا اضْطِهَادٌ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ؛ لِأَنَّ الْقَوِيَّ الْمُسْتَعِدَّ لِمُقَاوَمَةِ الْمُعْتَدِينَ بِالْقُوَّةِ قَلَّمَا يَعْتَدِي عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَإِنِ اعْتَدَى عَلَيْهِ فَقَلَّمَا يَظْفَرُ بِهِ الْمُعْتَدِي وَيَنَالُ مِنْهُ مَا يُعَدُّ بِهِ ظَالِمًا لَهُ ، فَأَنْتُمْ مَا ظُلِمْتُمْ بِإِخْرَاجِكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ إِلَّا لِضَعْفِكُمْ ، وَسَيَأْتِي التَّذْكِيرُ بِذَلِكَ الظُّلْمِ فِي بَيَانِ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ ، فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27936إِعْدَادَ الْمُسْتَطَاعِ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى [ ص: 58 ] الْجِهَادِ وَالْمُرَابَطَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُمْكِنُ الْقِيَامُ بِهِ إِلَّا بِإِنْفَاقِ الْمَالِ الْكَثِيرِ ، فَلِهَذَا رَغَّبَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ ، وَوَعْدَهُمْ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُنْفِقُونَهُ فِيهَا يُوَفَّى إِلَيْهِمْ ، أَيْ : يُجْزَوْنَ عَلَيْهِ جَزَاءً وَافِيًا إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كِلَيْهِمَا ، وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُنَافِقِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ( 9 : 52 ) الْآيَةَ . وَسَتَأْتِي قَرِيبًا فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ ، وَالْحُسْنَيَانِ فِيهَا هُمَا : النَّصْرُ وَالْغَنِيمَةُ فِي الدُّنْيَا ، وَالشَّهَادَةُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى الْمَثُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ . فَيَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ بَذْلُ مَا يَكْفِي لِلْإِعْدَادِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَبْذُلُوا طَوْعًا وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ الْعَادِلِ إِلْزَامُ الْأَغْنِيَاءِ ذَلِكَ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِمْ لِوِقَايَةِ الْأُمَّةِ وَالْمِلَّةِ ، كَمَا قَالَ فِي سِيَاقِ أَحْكَامِ الْقِتَالِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ( 2 : 195 ) فَسَبِيلُ اللَّهِ هُنَا وَهُنَالِكَ هُوَ الْجِهَادُ الْوَاقِي لِأَهْلِ الْحَقِّ مِنْ بَغْيِ أَهْلِ الْبَاطِلِ - وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ عَامًا يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُوَصِّلُ إِلَى مَرْضَاتِهِ وَمَثُوبَتِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْإِذْنِ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ تَعْلِيلًا لَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( 22 : 39 - 41 ) .
فَهَذَا هُوَ الْجِهَادُ الْإِسْلَامِيُّ ، وَهَذِهِ هِيَ أَحْكَامُهُ وَأُصُولُهُ وَعِلَلُهَا ، وَهِيَ فِي جُمْلَتِهَا وَتَفْصِيلِهَا تُفَنِّدُ تَقَوُّلَاتِ أَعْدَاءِ الْحَقِّ
nindex.php?page=treesubj&link=28634الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ قَامَ بِالسَّيْفِ ، وَغَلَبَ بِالْقَهْرِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ الَّتِي هِيَ أَسَاسُ أَحْكَامِ هَذَا الدِّينِ الْقَطْعِيَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ ، وَبِمَا تَوَاتَرَ مِنْ تَارِيخِهِ أَنَّهُ دِينٌ قَامَ بِالدَّعْوَةِ وَالْإِقْنَاعِ ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهَذَا الدَّاعِيَ أَهْلُ بَيْتِهِ الْأَدْنَوْنَ : زَوْجُهُ الَّتِي كَانَتْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِحَالِهِ ، وَرَبِيبُهُ ابْنُ عَمِّهِ
عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى ، وَعَتِيقُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ وَأَوَّلُ مَنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَتُهُ خَارِجَ بَيْتِهِ فَعَقِلَهَا وَفَقِهَ سِرَّهَا ، وَأَدْرَكَ حَقِّيَّتَهَا وَفَضْلَهَا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَقَبِلَهَا بِلَا تَلَبُّثٍ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ وَمَا زَالَ جُمْهُورُ قَوْمِ الدَّاعِي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُؤْذُونَهُ وَيَصُدُّونَ عَنْهُ وَيَفْتِنُونَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الضُّعَفَاءِ بِأَنْوَاعِ التَّعْذِيبِ ، حَتَّى اضْطَرُّوهُمْ إِلَى الْهِجْرَةِ وَتَرْكِ دِيَارِهِمْ وَوَطَنِهِمْ ، ثُمَّ هَاجَرَ هُوَ بَعْدَ ظُهُورِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ بِعَشْرِ سِنِينَ ، ثُمَّ صَارَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَتْبَعُونَهُمْ إِلَى مُهَاجَرِهِمْ يُقَاتِلُونَهُمْ فِيهِ .
وَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالدِّفَاعِ بَيَّنَ حِكْمَتَهُ ، وَأَنَّهُمْ مَظْلُومُونَ لَا ظَالِمُونَ ، وَأَنَّهُ لَوْلَا هَذَا الدِّفَاعُ
[ ص: 59 ] لَغَلَبَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْبَاطِلِ وَالْخُرَافَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْفَضَائِلِ ، وَهَدَمُوا بُيُوتَ اللَّهِ تَعَالَى لِإِبْقَاءِ هَيَاكِلِ الْأَصْنَامِ وَبُيُوتِ الْأَوْثَانِ .
ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يُعْتَبَرُ شَرْطًا لِإِبَاحَةِ الْقِتَالِ لَهُمْ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ عِنْدَ انْتِصَارِهِمْ وَتَمْكِينِهِمْ فِي الْأَرْضِ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْمَصَالِحُ الْمَعَاشِيَّةُ الْعَامَّةُ ، وَيَزُولُ بُؤْسُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْغَارِمِينَ بِمُشَارَكَتِهِمْ لِلْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ الْمُغْنِي لَهُمْ ، لَا بِمُجَرَّدِ أريحَتِهِمْ وَتَفَضُّلِهِمْ ، وَتَعَيَّنَ عَلَى السَّيَّاحَةِ بِكِفَايَةِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ ، وَيُكَلَّفُونَ حِفْظَ الْفَضِيلَةِ وَمَنْعَ الرَّذَائِلِ بِإِقَامَةِ فَرِيضَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ الشَّرِيفَةِ مِنْ إِبَاحَةِ الْجِهَادِ تُخَالِفُهَا الدُّوَلُ الْحَرْبِيَّةُ فَتُبِيحُ الْمُنْكَرَاتِ وَالْفَوَاحِشَ ، وَتُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ .
هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=7860أَوَّلُ مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآنِ فِي شَرْعِيَّةِ هَذَا الْجِهَادِ الَّذِي يَعِيبُهُ الْمُتَعَصِّبُونَ الْمُرَاءُونَ مِنَ الْكُفَّارِ أَعْدَاءِ الْإِنْسَانِيَّةِ ، ثُمَّ نَزَلَ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهِ ، وَمِنْ أَهَمِّهِ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ الْأَوَّلُ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ الْحَرْبِيِّ لِأَهْلِ الْحَقِّ إِرْهَابَ أَعْدَائِهِمْ أَهْلِ الْبَاطِلِ لَعَلَّهُمْ يَكُفُّونَ عَنِ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ وَالْفَضِيلَةِ قَادِرِينَ عَلَى حِفْظِهَا بِالدِّفَاعِ عَنْهُمَا ، وَإِضْعَافِ شَوْكَةِ الْبَاغِينَ الْمُبْطِلِينَ أَوِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا .