الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          الكلمة الثانية ، مناقب الصديق في قصة الهجرة :

                          قد دلت هذه الآية الكريمة وما يفسرها ويشرحها من الأحاديث الصحيحة وما في معناها من الأخبار والآثار مما دونها في الرواية على مناقب وفضائل لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، امتاز بها على جميع أصحاب رسول الله نذكر منها ما يتبادر إلى الفهم بغير تكلف لبداهته ، ومن غير مراعاة ترتيب .

                          ( الأول ) أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يأمن على سره وعلى نفسه في هذه الحادثة التي كانت أهم حوادث رسالته ، وأشدها خطرا وخيرها عاقبة غير صاحبه الأول أبي بكر الصديق . وإن شئت قلت : إنه لم يختر لصحبته وإيناسه فيها غيره . ويؤيده ما رواه ابن [ ص: 385 ] عدي وابن عساكر من طريق الزهري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لحسان : " هل قلت في أبي بكر شيئا " ؟ قال : نعم . قال : " قل وأنا أسمع " فقال :

                          وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صعد الجبلا 206     وكان حب رسول الله قد علموا
                          من البرية لم يعدل به رجلا

                          فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه ثم قال : " صدقت يا حسان هو كما قلت
                          " .

                          ( الثانية ) أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ رضي أن تكون نفقة هذه الراحلة من مال أبي بكر الذي أنفق جميع ماله في خدمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، إلا أنه أحب أن تكون الراحلة التي ركبها بالثمن يدفعه بعد ذلك . وتقدم ما قاله بعض العلماء في تعليل ذلك ، وفي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب غضب من أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في محاورة بينهما ، فطلب منه أبو بكر أن يغفر له فأبى ، فأتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر ذلك له . فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " يغفر الله لك يا أبا بكر " ثلاثا - قال الراوي وهو أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فقال : أثم أبو بكر ؟ فقالوا : لا - فأتى إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسلم عليه ، فجعل وجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم - مرتين - فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال أبو بكر : صدق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي " ؟ مرتين - فما أوذي أبو بكر بعدها . وقد صرح أيضا بأن أمن الناس عليه في ماله ونفسه أبو بكر . رواه الشيخان وغيرهما .

                          ( الثالثة ) أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يختر في ذلك وأمثاله إلا ما اختاره الله تعالى له ، فهذا تفصيل من الله عز وجل للصديق على غيره من أصحاب نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ( الرابعة ) ذكره عز وجل في كتابه العزيز بهذا الثناء العظيم الذي لم يشاركه فيه أحد من المؤمنين في مقام إطلاق الإنكار عليهم والتوبيخ لهم على تثاقلهم عن إجابة استنفار رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إياهم بأمره . أخرج خيثمة بن سليمان الأطرابلسي في فضائل الصحابة وابن عساكر من طريق الزهري عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : إن الله ذم الناس كلهم ومدح أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ( 40 ) وأخرج ابن [ ص: 386 ] عساكر عن سفيان بن عيينة ، قال : عاتب الله المسلمين جميعا في نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ غير أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وحده فإنه خرج من المعاتبة . ثم قرأ : إلا تنصروه فقد نصره الله الآية . ذكرهما السيوطي في الدر المنثور - فهذا ما دل عليه أسلوب الآية ، والسياق من تفضيله على جميع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بغير استثناء . وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال : والذي لا رب غيره لقد عوتب أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نصرته إلا أبا بكر ، فقد قال تعالى : إلا تنصروه الآية . خرج أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ من المعتبة .

                          ( الخامسة ) أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليا كرم الله وجهه أن يبلغ الناس في موسم الحج هذه الآية في جملة ما بلغه من أول سورة براءة ، كما تقدم في أول تفسير السورة ، وفي ذلك حكم بالغة تقطع كل وتين من قلوب الرافضة ، وإن لم تقطع ألسنتهم الكاذبة الخاطئة .

                          ( السادسة ) قوله تعالى في رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفيه : ثاني اثنين فهذا القول من رب العالمين في خطاب جمع المؤمنين في هذا المقام ، والسياق فيه دلالة واضحة على فضل هذين الاثنين ، وكون الصديق هو الثاني في المرتبة بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل ما يقتضيه المقام للهجرة الشريفة من الفضائل والمزايا .

                          قال الفخر الرازي عند ذكر هذه المنقبة ، وهي كون أبي بكر ثاني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الغار ما نصه : والعلماء أثبتوا أنه رضي الله عنه كان ثاني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أكثر المناصب الدينية ، فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أرسل إلى الخلق ، وعرض الإسلام على أبي بكر آمن أبو بكر ، ثم ذهب وعرض الإسلام على طلحة والزبير وعثمان بن عفان وجماعة آخرين من أجلة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والكل آمنوا على يديه ، ثم إنه جاء بهم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أيام قلائل فكان هو ـ رضي الله عنه ـ ثاني اثنين في الدعوة إلى الله ، وأيضا كلما وقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة كان أبو بكر يقف في خدمته ولا يفارقه فكان ثاني اثنين في مجلسه ، ولما مرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قام مقامه في إمامة الناس في الصلاة فكان ثاني اثنين ، ولما توفي دفن بجنبه فكان ثاني اثنين هناك أيضا اهـ . وأخص من هذا كله أنه كان ثانيه في الشروع في إقامة الشرع في دار الهجرة فلم ير الأنصار معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدا قبله .

                          ( السابعة ) - وهي تؤيد ما تضمنه معنى الاثنينية من رفعة المقام - قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ له : " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " وإنهما لمنقبة تتضاءل دونها المناقب ، ومرتبة تنحدر عن عليا سمائها المراتب ، أكبر أعلم رسل الله بالله أمرها ، وهو أعلم بقدرها ، فإن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ما ظنك يا أبا بكر " بكذا يراد به أنه لا يمكن أن تحوم الظنون أو تنتهي الآراء والأفكار إلى شأن أعلى من شأنها ، ومنعة أعز من منعتها إلخ .

                          [ ص: 387 ] ( الثامنة ) حكاية رب العزة والجلال لقول رسوله الذي ختم به النبيين ، وأرسله رحمة للعالمين ، لهذا الصاحب الصديق المكين : لا تحزن إن الله معنا فهي دليل على أنه قال له ذلك بإذنه تعالى ووحيه ، لا من حسن ظنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بربه واجتهاد رأيه ، على أنه لو كان اجتهادا أقره ربه عليه وحكاه عنه ، وجعله مما يتعبد به المؤمنون ما دامت السماوات والأرض ، لكانت قيمته في غايته ، بمعنى ما كان عن الوحي منذ بدايته ، وهذا يؤيد كون ما ذكرناه في تفسير المعية من كونها معية خاصة من نوع المعية التي أيد الله بها موسى وهارون عليهما السلام ، إلا أنها أعلى في ذاتها وشخصها من كل أفراد هذا النوع ، فالمعية الإلهية معنى إضافي ، ويختلف باختلاف موضوعه ومتعلقه ، فمعية العلم عامة كقوله تعالى ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ( 58 : 7 ) وهي لا تشريف فيها لأهلها بل هي تهديد لهم ، وإنذار بأن الله مطلع على كل ما يصدر عنهم ، وأنه سيحاسبهم عليه ويجزيهم به ، : وأعلى منها معيته تعالى للمتقين والمحسنين ، وهي تتضمن معنى التوفيق واللطف كما تقدم ، ففيها شرف عظيم ، وأعلى منها معيته عز وجل للأنبياء والمرسلين ، في مقام التأييد على الأعداء المناوئين ، وهي أعلى الأنواع كما علمت ، ولم يثبت لأحد من غيرهم حظ منها إلا ما ثبت للصديق هنا .

                          ( التاسعة ) إنزال الله تعالى سكينته عليه على ما تقدم من التفسير المنقول المعقول ، وهي منقبة لم يرد في التنزيل إثباتها لشخص معين قبله ولا بعده إلا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإنما ورد إثباتها لجماعة المؤمنين كما تقدم ، وقد كان رضي الله تعالى عنه قائما مقام جميع المؤمنين في الغار وسائر رحلة الهجرة الشريفة في خدمة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإنما نزل التنويه بذلك في أواخر مدة الهجرة أي : سنة تسع منها ، وقد روينا لك ما قاله علي المرتضى كرم الله وجهه وغيره من تفضيله على جميع المؤمنين بهذه الآية من قبل الله عز وجل ، وأنه كان المبلغ لها عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في موسم الحج .

                          ( العاشرة ) تأييده بجنود لم يرها المخاطبون من المؤمنين وهي الملائكة بناء على القول بعطف جملة التأييد على جملة إنزال السكينة كما تقدم شرحه ، ويأتي في هذا ما ذكرناه فيما قبله من الخصوصية ، وجعل أبي بكر في مقام المؤمنين كافة مع تفضيله عليهم .

                          ( الحادية عشرة ) إثبات الله تعالى صحبته لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أعظم مواطن بعثته ، وأطوار نبوته ، فإن كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد سمى أتباعه في عهده أصحابا تواضعا منه ، وتربية لهم على احترام جميع أفراد الأمة ومعاملتهم بالعدل والمساواة ، وإزالة لما كان في الجاهلية من احتقار بعض القبائل لبعض ، واحتقار الأغنياء والرؤساء لمن دونهم .

                          [ ص: 388 ] وإبطالا لما كان في شعوب أخرى كالهنود من جعل الناس طبقات بعضها فوق بعض بالتحكم والتوارث وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبعوث إلى الجميع ولإصلاح الجميع - فإن هذا لا ينافي ما جرت به سنة الله تعالى في خلقه ، وأقرته شريعة الحق والعدل لخاتم رسله من تفاضل أفراد الناس بعضهم على بعض بالإيمان والعمل ومعالي الأخلاق : 30 إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( 49 : 13 ) و فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة ( 4 : 95 و 96 ) و الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ( 20 ) إلخ .

                          وقد أجمع المسلمون على أن المهاجرين السابقين الأولين أفضل من سائر المؤمنين ، وورد في فضائل الهجرة آيات وأحاديث كثيرة معروفة ، وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ أول المهاجرين ، وأنه امتاز بهجرته مع الرسول نفسه بإذن ربه ورغبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قبل الإذن الإلهي له ، إذ منع أبا بكر من الهجرة وحده انتظارا منه لإذن الله تعالى له بهجرته معه كما تقدم في الحديث الصحيح - فلا غرو أن يكون له كل ما علمنا من المزايا في الهجرة ، وأن يكون بها أفضل المهاجرين بعد سيد المهاجرين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأن تكون صحبته أفضل وأكمل من صحبة غيره ، وفي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث مغاضبة عمر له على مسمع من الصحابة : " فهل أنتم تاركو لي صاحبي " إشعار بأن الصاحب الأكمل له ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فهو قد أضافه إلى نفسه كما أضافه الله تعالى إليه في كتابه ، إذ الإضافة هنا كالإضافة في قوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ( 17 : 1 ) إضافة تشريف واختصاص ، فإن جميع الخلق عبيد الله إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ( 19 : 93 ) وقد قال بعض الفقهاء إن من أنكر صحبة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحكم بردته عن الإسلام ؛ لتكذيبه بنص القرآن . وهاتان منقبتان في الصحبة والهجرة جعلناهما واحدة ، وقد يثلثهما أنه لم يكن معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين وصل إلى دار الهجرة والنصرة من أصحابه السابقين الأولين غير أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ، فهو أول من رآه معه جماعة الأنصار ـ رضي الله عنهم ـ ، وأول من صلى معه من المهاجرين أول جماعة ، وأول جمعة ظهرت بها شعائر الإسلام .

                          ( الثانية عشرة ) حكاية الله عز وجل عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال له : لا تحزن فكونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعنى بتسليته وطمأنته أمر عظيم ، وإخبار الله بذلك فيما يتعبد به المؤمنون إلى يوم القيامة أمر أعظم ، وناهيك بتعليله بما علله به من معية الله عز وجل لهما . وهذا النهي عن الحزن لم يرد في غير هذا الموضع من القرآن خطابا من قبله تعالى إلا للنبي [ ص: 389 ] الأعظم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وورد خطابا من الملائكة للوط عليه السلام - وقد علل في آخر سورة النحل بمعية الله تعالى للمتقين والمحسنين ، وعلل هنا بالمعية التي هي أخص منها وأعلى كما تقدم شرحه .

                          ( الثالثة عشرة ) أن القرآن العظيم كلام الله تعالى ، وهو أكمل كتاب أنزله الله تعالى على خاتم رسله لهداية البشر كافة ، فهو يمدح الإيمان والأعمال الصالحة والصفات الحميدة وأهلها ، ويذم الكفر والشرك والأعمال السيئة ، والصفات القبيحة وأهلها ، ولا ترى فيه مدحا لشخص معين من هذه الأمة غير رسولها ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا لصاحبه الأكبر أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ، ولا ذما لشخص معين من الكفار غير أبي لهب وامرأته . فاختصاص أبي بكر بالمدح من رب العالمين في هذه الآية منقبة لا يشاركه فيها أحد من هذه الأمة ، تدل على فضله على كل فرد من أفرادها . وهذا المعنى - أي الاختصاص - غير موضوع المدح المتقدم تفصيله فهو يجعل قيمته مضاعفة ، إذ لو كان في التنزيل مدح لغيره كالأحاديث الشريفة الواردة في فضائله وفضائل آخرين من أهل بيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه لما كانت هذه منقبة خاصة بالصديق ، وإن كان المدح المفروض لغيره دون مدحه في موضوعه ، كما هو شأن أحاديث المناقب ، فكيف وقد جاء هذا المدح في سياق توبيخ المؤمنين على التثاقل في إجابة الرسول إلى ما استنفرهم له كما تقدم شرحه والآثار فيه ؟ .

                          ولا يرد على هذه الخصوصية أن قصة الأعمى تتضمن ثناء عليه بالخشية ، وهو شخص معين معروف أنه عبد الله بن أم مكتوم المؤذن ـ رضي الله عنه ـ ، فإن السياق فيها ليس سياق مدح . وقوله تعالى : وهو يخشى ( 80 : 9 ) لا يدل على أن هذه الخشية خاصة به ، ولا أنه ممتاز فيها على غيره ، على أن فيها من إثبات الفضل له ما لا يخفى ، ولا يرد أيضا على ذم أبي لهب ما ورد في سورة المدثر في الوليد بن المغيرة وفي سورة العلق ، في أبي جهل ؛ فإن الذم فيها متعلق بالوصف لا بالشخص ، مع كون الموصوف قد عرف من سبب النزول لا من النص . وهو غير متواتر كتواتر وصف الصاحب للصديق ودونه وصف الأعمى لابن أم مكتوم ، على أن لا يضرنا عدم الحصر هنا ، وهو غير مقصود في بحثنا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية