الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          وأما أولو القربى من أسرة الملك فلا تزال تخصهم بعض الدول برواتب لائقة بهم من مال الدولة ، ويقدمون أفرادهم في التشريفات الرسمية على غيرهم من الوزراء والعلماء وسائر الكبراء كما كان في الدولة العثمانية ، وكما هو معهود عندنا في مصر حتى بعد تحويل شكل الدولة إلى الدستورية البرلمانية فيهما . وقد كانت الحاجة إلى مثل هذا طبيعة في العصور القديمة أيام كان قوام الدولة وقوتها بعصبية الملك وعلى رأسها أسرته ، والدولة الإنكليزية تحافظ دائما على ثروة رءوس البيوتات التي تمثل عظمة الأمة وعلى كرامتهم وهم اللوردات ، ليظل فيها سروات كثيرون لا يشغلهم الكسب عن المحافظة على شرفها وعظمتها ، ولا يزال نظام هذه الدولة أقرب النظم إلى التشريع الإسلامي وسياسته . على أن هذا المعنى ليس هو المناط التشريعي لسهم أولي القربى هنا ؛ لأن المساواة في الإسلام أعظم وأكمل منها في جميع الأمم ، ولكن له بعض العلاقة به ، وهو الذي عبر عنه بعضهم بالنصرة مع القرابة التي هي المناط الأصلي المنصوص في الآية ، وزاد بعضهم له مناطا آخر اقتصر عليه بعضهم وهو تحريم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصدقة على أهل بيته تكريما لهم ، وهذا التكريم لهم ذو شأن عظيم في تكريمه صلوات الله عليه وسلامه ، ولكن لم يوضع له نظام يكفل بقاء فائدته بجعلهم أئمة للناس في العلم والهدى وذكرى أسوة النبوة ، والمحافظة على استقلال الملة ، بل أفسدته عليهم السياسة .

                          ولا يبعد أن يقال : إنه لما كان من أصول التشريع للحكومة الإسلامية أن تقوم على قاعدة الشورى ، وأن يكون الإمام الأعظم فيها منتخبا من أي بطن من بطون قريش ، وكان من المعقول المعهود من طباع البشر التنافس في الملك المؤدي إلى أن يكون الإمام الأعظم من غير أولي القربى ، وأن يغلبهم الناس على حقوقهم في الولايات ومناصب الدولة ، فجعل لهم هذا الحق في الخمس تشريعا ثابتا بالنص لا يحل لأحد إبطاله بالاجتهاد ، ومن العجب أن أكثر فقهاء المسلمين لم يعتبروا هذه المعاني ؛ لأنهم لم يكونوا يفكرون ، ولا يبحثون في مقومات الأمم والدول القومية والملية ، بل غلب عليهم روح المساواة ، وما يعبر عنه في هذا العصر بالديمقراطية حتى أسقط بعضهم سهم آل بيت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بعده مع بقاء تحريم مال الصدقات عليهم ، وكان في مقدمة هؤلاء الإمام أبو حنيفة الفارسي الأصل ، كما كان أكثر الغلاة في أهل البيت أنصار الشيعة من الفرس ، وما أفسد على آل البيت أمر دنياهم ثم أمر دينهم بعد ذهاب أئمة العلم منهم إلا هؤلاء الغلاة ، وذلك أن زعماءهم لم يكونوا مخلصين لهم ، ولا لدينهم ، بل كانوا زنادقة من اليهود والفرس يريدون [ ص: 10 ] بالغلو في التشيع تفريق كلمة العرب ، وضرب بعضهم ببعض لإسقاط ملكهم ، ولا يزال هؤلاء الغلاة يلعنون سيدنا عمر الخليفة الثاني وهو الذي كان يزيد آل البيت على الخمس ، ويفضلهم حتى على أولاده ، بل لما كان الدين هو الجامع لكلمة العرب حاولوا إفساده أيضا بغلوهم وتعاليمهم الباطنية كما فصلنا هذا من قبل تفصيلا في مواضع من المنار ، وكذا في التفسير - ففقدت الأمة العربية بعدم وضع نظام للإمامة ، وبعدم كفالة الدولة لآل بيت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجود طائفة منظمة تتربى على آداب الإسلام العليا وعلومه وتكلف الدفاع عنه ، مع اتقاء فتنتها بنفسها ، وافتتان الناس بها بالنظام الكافل لذلك ، ولذلك سهل على الأعاجم سلب ملكها ، والعبث بدينها ودنياها - وحرمت فائدة سيادة السروات والنبلاء ، ولم تسلم من فتنتهم ، فقد اتخذ المسلمون المبتدعون آل البيت أوثانا ، كما اتخذ الجاهلون والمنافقون وعلوج الأعاجم خلفاء وملوكا ، فجمعوا بين شري مفاسد الغلو في عظمة النبلاء ( الأرستقراطية ) شرها الديني وشرها الدنيوي ، وداسوا المساواة الإسلامية المعتدلة ( الديمقراطية ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية