nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70ياأيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم . هاتان الآيتان متمتان للكلام في أسرى
بدر بأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بترغيبهم في الإسلام ببيان ما فيه من خيري الدنيا والآخرة ، وبتهديدهم وإنذارهم عاقبة بقائهم على
[ ص: 89 ] الكفر وخيانته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويتضمن ذلك البشارة بحسن العاقبة والظفر له ولمن اتبعه من المؤمنين ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى أي : قل للذين في تصرف أيديكم من الأسرى - وقرأ
أبو عمرو وأبو جعفر من الأسارى - الذين أخذتم منهم الفداء
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70إن يعلم الله في قلوبكم خيرا إن كان الله تعالى يعلم أن في قلوبكم إيمانا كامنا بالفعل أو بالاستعداد الذي سيظهر في إبانه - أو كما يدعي بعضكم بلسانه ، والله أعلم بما في قلوبكم
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يؤتكم خيرا مما أخذ منكم أي : يعطكم إذ تسلمون ما هو خير لكم مما أخذه المؤمنون منكم من الفداء بما تشاركونهم فيه من الغنائم وغيرها من نعم الدين التي وعدهم الله بها ، روى
أبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في تفسير هذه الآية أن
العباس وأصحابه قالوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله فنزل
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70إن يعلم الله في قلوبكم خيرا أي : إيمانا وتصديقا يخلف لكم خيرا مما أصيب منكم
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70ويغفر لكم أي : ما كان من الشرك ، وما ترتب عليه من السيئات ، فكان
عباس يقول : ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وأن لي ما في الدنيا من شيء ، فلقد أعطاني الله خيرا مما أخذ مني مائة ضعف ، وأرجو أن يكون غفر لي الله ، وقد أخذ هذا من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70والله غفور رحيم أي : غفور لمن تاب من كفره ومن ذنبه بالأولى رحيم بالمؤمنين ، والمراد بهذه :الرحمة الخاصة التي تشمل سعادة الآخرة " وأما الرحمة العامة فقد وسعت كل شيء ، وهذا ترغيب لهم في الإسلام ودعوة إليه ، وعدم عدهم مسلمين بما قاله بعضهم ، ولذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71وإن يريدوا خيانتك بما يظهر بعضهم من الميل إلى الإسلام ، أو دعوى إبطال الإيمان ، أو الرغبة عن قتال المسلمين من بعد - وهذا مما اعتيد من البشر في مثل تلك الحال - فلا تخف ما عسى أن يكون من خيانتهم وعودتهم إلى القتال ،
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71فقد خانوا الله من قبل باتخاذ الأنداد والشركاء له ، وبغير ذلك من الكفر بنعمه ثم برسوله ، وقال بعض المفسرين : إن خيانتهم الله تعالى هي ما كان من نقضهم لميثاقه الذي أخذه على البشر بما ركب فيهم من العقل ، وما أقامه على وحدانيته من الدلائل العقلية والكونية على الوجه الذي تقدم بيانه في آية أخذه تعالى الميثاق على بني
آدم من سورة الأعراف ( 7 : 172 ) فتراجع ( في ص325 - 339ج 9ط الهيئة )
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71فأمكن منهم الإمكان من الشيء والتمكين منه واحد ، أي فمكنك أنت وأصحابك منهم ، بنصره إياك عليهم
ببدر على التفاوت العظيم بين قوتك وقوتهم
[ ص: 90 ] وعدد أصحابك وعددهم ، وكذلك يمكنك ممن يخونك من بعد ، كما مكنك ممن خانه من قبل
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71والله عليم حكيم أي : عليم بما سيكون من أمرهم ، حكيم في نصر المؤمنين وإظهارهم عليهم .
ويؤخذ من الآيتين ما يجب على المؤمنين من
nindex.php?page=treesubj&link=33441ترغيب الأسرى في الإيمان ، وإنذارهم عاقبة خيانتهم إذا ثبتوا على الكفر والطغيان ، وعادوا إلى البغي والعدوان ، وفيه بشارة للمؤمنين باستمرار النصر وحسن العاقبة في كل قتال يقع بينهم وبين المشركين ، ما داموا قوامين بأسباب النصر المادية والمعنوية ، العلمية والعملية التي تقدم بيانها في هذه السورة ، وقد ورد من التفسير المأثور في معنى الآيتين ما يحسن نشره لما فيه من إيضاح المعنى ، وما كان من سيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في
nindex.php?page=treesubj&link=26601_8399مسألة فداء الأسرى .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في مواضع من صحيحه عن
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=2003421أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ترك فداء عمه العباس ـ رضي الله عنه ـ وكان في أسرى المشركين يوم بدر فقالوا : ائذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه ؟ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " والله لا تذرون منه درهما " وقد عنوا بقولهم : " ابن أختنا
العباس " جدته أم
عبد المطلب فهي أنصارية من
بني النجار ، لا أم
العباس نفسه فإنها ليست من
الأنصار ، وإنما وصفوه بكونه ابن أختهم ، ولم يصفوه بكونه عمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لئلا يكون في هذا الوصف ، رائحة منة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يأذن ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم في محاباته ؛ لأنه عمه بل ساوى بينه وبين سائر الأسرى ، بل ورد أنه أخذ منه أكثر مما أخذ من غيره ، وأنه أمره بفداء ابني أخويه
nindex.php?page=showalam&ids=222عقيل بن أبي طالب ،
nindex.php?page=showalam&ids=8733ونوفل بن الحارث لغناه وفقرهما ، وقيل الأول فقط ، وقيل : وحليفه
عتبة بن ربيعة ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق nindex.php?page=hadith&LINKID=2003422عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أمره بذلك قال : إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الله أعلم بما تقول ، إن كان ما تقول حقا فإن الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا ؟ " .
قال
الحافظ ابن حجر بعد إيراد ما ذكر : وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة أن فداءهم كان أربعين أوقية ذهبا ، وعند
أبي نعيم في الدلائل بإسناد حسن من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كان فداء كل واحد أربعين أوقية فجعل على
العباس مائة أوقية ، وعلى
عقيل ثمانين ، فقال له
[ ص: 91 ] العباس : أللقرابة صنعت هذا ؟ قال : فأنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم إلخ . . فقال
العباس : وددت لو كنت أخذ مني أضعافها لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يؤتكم خيرا مما أخذ منكم اهـ . أي : قال ذلك بعد إسلامه وما أعطاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بعض الغنائم كما نص عليه في بعض الروايات .
وذكر
الحافظ في الإصابة أن
العباس حضر بيعة العقبة مع
الأنصار قبل أن يسلم وشهد
بدرا مع المشركين مكرها ، فأسر فافتدى نفسه وافتدى ابن أخيه
nindex.php?page=showalam&ids=222عقيل بن أبي طالب ورجع إلى
مكة ، فيقال : إنه أسلم وكتم قومه ذلك ، وصار يكتب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأخبار ثم هاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وشهد يوم
حنين اهـ .
وفي تتمة خبر
عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=2003423أن العباس اعتذر لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أمره بالفداء له ولابن أخيه ولحليفه عتبة بن ربيعة بأنه لا يجد ، قال له ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " فأين الذي دفنت أنت nindex.php?page=showalam&ids=11696وأم الفضل فقلت لها : إن أصبت فإن هذا المال لبني " فقال : والله يا رسول الله إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها . إلخ .
وروى
الحاكم وصححه
والبيهقي في سننه عن
عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003424لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قلادة لها في فداء زوجها ، فلما رآها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رق لها رقة شديدة وقال : " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها " هكذا في الدر المنثور ، وعزاه الحافظ في الإصابة إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي بسند له عن
nindex.php?page=showalam&ids=16288عباد بن عبد الله بن الزبير عن
عائشة بأبسط مما هنا قليلا ، وفيه أنه كلم الناس فأطلقوه ورد عليها القلادة وأخذ على
أبي العاص ( زوجها ) أن يخلي سبيلها ففعل اهـ . وقد أسلم
العاص بعد ذلك ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي ضعيفة ، وتصحيح
الحاكم ينظر فيه .
ثم ختم الله تعالى هذه السورة الجامعة لأهم قواعد السياسة في الحرب والسلم والأسرى والغنائم بما يناسبها من القواعد في ولاية المؤمنين بعضهم لبعض بمقتضى الإيمان والهجرة ، وما يلزمهما من الأعمال ، واختلاف ذلك باختلاف الأحوال : كولاية الكافرين بعضهم لبعض في مقابلة أهل الإيمان ، ومن المحافظة على
nindex.php?page=treesubj&link=30945الوفاء بالعهود والمواثيق مع الكفار ما دام العهد معقودا غير منبوذ وغزله عند الكفار مبرما غير منكوث ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . هَاتَانِ الْآيَتَانِ مُتِمَّتَانِ لِلْكَلَامِ فِي أَسْرَى
بَدْرٍ بِأَمْرِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِتَرْغِيبِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ بِبَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَبِتَهْدِيدِهِمْ وَإِنْذَارِهِمْ عَاقِبَةَ بَقَائِهِمْ عَلَى
[ ص: 89 ] الْكُفْرِ وَخِيَانَتَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الْبِشَارَةَ بِحُسْنِ الْعَاقِبَةِ وَالظَّفَرِ لَهُ وَلِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى أَيْ : قُلْ لِلَّذِينَ فِي تَصَرُّفِ أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى - وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ مَنِ الْأُسَارَى - الَّذِينَ أَخَذْتُمْ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا إِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّ فِي قُلُوبِكُمْ إِيمَانًا كَامِنًا بِالْفِعْلِ أَوْ بِالِاسْتِعْدَادِ الَّذِي سَيَظْهَرُ فِي إِبَّانِهِ - أَوْ كَمَا يَدَّعِي بَعْضُكُمْ بِلِسَانِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي قُلُوبِكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ أَيْ : يُعْطِكُمْ إِذْ تُسْلِمُونَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِمَّا أَخَذَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْكُمْ مِنَ الْفِدَاءِ بِمَا تُشَارِكُونَهُمْ فِيهِ مِنَ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا مِنْ نِعَمِ الدِّينِ الَّتِي وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِهَا ، رَوَى
أَبُو الشَّيْخِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ
الْعَبَّاسَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : آمَنَّا بِمَا جِئْتَ بِهِ وَنَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَنَزَلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا أَيْ : إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا يُخْلِفْ لَكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُصِيبَ مِنْكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70وَيَغْفِرْ لَكُمْ أَيْ : مَا كَانَ مِنَ الشِّرْكِ ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ ، فَكَانَ
عَبَّاسٌ يَقُولُ : مَا أُحِبُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ تَنْزِلْ فِينَا وَأَنَّ لِي مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ شَيْءٍ ، فَلَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنِّي مِائَةَ ضِعْفٍ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ غَفَرَ لِيَ اللَّهُ ، وَقَدْ أَخَذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ : غَفُورٌ لِمَنْ تَابَ مِنْ كُفْرِهِ وَمِنْ ذَنْبِهِ بِالْأَوْلَى رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ :الرَّحْمَةُ الْخَاصَّةُ الَّتِي تَشْمَلُ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ " وَأَمَّا الرَّحْمَةُ الْعَامَّةُ فَقَدْ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، وَهَذَا تَرْغِيبٌ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَدَعْوَةٌ إِلَيْهِ ، وَعَدَمُ عَدِّهِمْ مُسْلِمِينَ بِمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ ، وَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ بِمَا يُظْهِرُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى الْإِسْلَامِ ، أَوْ دَعْوَى إِبْطَالِ الْإِيمَانِ ، أَوِ الرَّغْبَةِ عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدُ - وَهَذَا مِمَّا اعْتِيدَ مِنَ الْبَشَرِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ - فَلَا تَخَفْ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ خِيَانَتِهِمْ وَعَوْدَتِهِمْ إِلَى الْقِتَالِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ بِاتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ وَالشُّرَكَاءِ لَهُ ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ بِنِعَمِهِ ثُمَّ بِرَسُولِهِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ خِيَانَتَهُمُ اللَّهَ تَعَالَى هِيَ مَا كَانَ مِنْ نَقْضِهِمْ لِمِيثَاقِهِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى الْبَشَرِ بِمَا رَكَّبَ فِيهِمْ مِنَ الْعَقْلِ ، وَمَا أَقَامَهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ مِنَ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آيَةِ أَخْذِهِ تَعَالَى الْمِيثَاقَ عَلَى بَنِي
آدَمَ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ ( 7 : 172 ) فَتُرَاجَعُ ( فِي ص325 - 339ج 9ط الْهَيْئَةِ )
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ الْإِمْكَانُ مِنَ الشَّيْءِ وَالتَّمْكِينُ مِنْهُ وَاحِدٌ ، أَيْ فَمَكَّنَكَ أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ مِنْهُمْ ، بِنَصْرِهِ إِيَّاكَ عَلَيْهِمْ
بِبَدْرٍ عَلَى التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ بَيْنَ قُوَّتِكَ وَقُوَّتِهِمْ
[ ص: 90 ] وَعَدَدِ أَصْحَابِكِ وَعَدَدِهِمْ ، وَكَذَلِكَ يُمَكِّنُكَ مِمَّنْ يَخُونُكَ مِنْ بَعْدُ ، كَمَا مَكَّنَكَ مِمَّنْ خَانَهُ مِنْ قَبْلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=71وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ : عَلِيمٌ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، حَكِيمٌ فِي نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِظْهَارِهِمْ عَلَيْهِمْ .
وَيُؤْخَذُ مِنَ الْآيَتَيْنِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33441تَرْغِيبِ الْأَسْرَى فِي الْإِيمَانِ ، وَإِنْذَارِهِمْ عَاقِبَةَ خِيَانَتِهِمْ إِذَا ثَبَتُوا عَلَى الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ ، وَعَادُوا إِلَى الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ ، وَفِيهِ بِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاسْتِمْرَارِ النَّصْرِ وَحُسْنِ الْعَاقِبَةِ فِي كُلِّ قِتَالٍ يَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ ، مَا دَامُوا قَوَّامِينَ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ ، الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَقَدْ وَرَدَ مِنَ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ فِي مَعْنَى الْآيَتَيْنِ مَا يَحْسُنُ نَشْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيضَاحِ الْمَعْنَى ، وَمَا كَانَ مِنْ سِيرَةِ الرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26601_8399مَسْأَلَةِ فِدَاءِ الْأَسْرَى .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ
أَنَسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=2003421أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي تَرْكِ فِدَاءِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ وَكَانَ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالُوا : ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا الْعَبَّاسِ فَدَاءَهُ ؟ فَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَاللَّهِ لَا تَذَرُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا " وَقَدْ عَنَوْا بِقَوْلِهِمُ : " ابْنِ أُخْتِنَا
الْعَبَّاسِ " جَدَّتَهَ أُمَّ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهِيَ أَنْصَارِيَّةٌ مِنْ
بَنِي النَّجَّارِ ، لَا أُمَّ
الْعَبَّاسِ نَفْسِهِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ
الْأَنْصَارِ ، وَإِنَّمَا وَصَفُوهُ بِكَوْنِهِ ابْنَ أُخْتِهِمْ ، وَلَمْ يَصِفُوهُ بِكَوْنِهِ عَمَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِئَلَّا يَكُونَ فِي هَذَا الْوَصْفِ ، رَائِحَةُ مِنَّةٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَمْ يَأْذَنْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَهُمْ فِي مُحَابَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَمُّهُ بَلْ سَاوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَسْرَى ، بَلْ وَرَدَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِفِدَاءِ ابْنَيْ أَخَوَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=222عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=8733وَنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ لِغِنَاهُ وَفَقْرِهِمَا ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ فَقَطْ ، وَقِيلَ : وَحَلِيفُهُ
عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ nindex.php?page=hadith&LINKID=2003422عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا أَمَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ : إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمًا وَلَكِنَّ الْقَوْمَ اسْتَكْرَهُونِي ، فَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَقُولُ ، إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِيكَ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ أَمْرِكَ أَنَّكَ كُنْتَ عَلَيْنَا ؟ " .
قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ إِيرَادِ مَا ذُكِرَ : وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=17177مُوسَى بْنُ عُقْبَةُ أَنَّ فِدَاءَهُمْ كَانَ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً ذَهَبًا ، وَعِنْدَ
أَبِي نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَ فِدَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَجَعَلَ عَلَى
الْعَبَّاسِ مِائَةَ أُوقِيَّةٍ ، وَعَلَى
عَقِيلٍ ثَمَانِينَ ، فَقَالَ لَهُ
[ ص: 91 ] الْعَبَّاسُ : أَلِلْقَرَابَةِ صَنَعَتْ هَذَا ؟ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ إِلَخْ . . فَقَالَ
الْعَبَّاسُ : وَدِدْتُ لَوْ كُنْتُ أُخِذَ مِنِّي أَضْعَافَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=70يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ اهـ . أَيْ : قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَمَا أَعْطَاهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ بَعْضِ الْغَنَائِمِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ .
وَذَكَرَ
الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ أَنَّ
الْعَبَّاسَ حَضَرَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ مَعَ
الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَشَهِدَ
بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ مُكْرَهًا ، فَأُسِرَ فَافْتَدَى نَفْسَهُ وَافْتَدَى ابْنَ أَخِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=222عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَرَجَعَ إِلَى
مَكَّةَ ، فَيُقَالُ : إِنَّهُ أَسْلَمَ وَكَتَمَ قَوْمَهُ ذَلِكَ ، وَصَارَ يَكْتُبُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْأَخْبَارِ ثُمَّ هَاجَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِقَلِيلٍ وَشَهِدَ الْفَتْحَ وَشَهِدَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ اهـ .
وَفِي تَتِمَّةِ خَبَرِ
عَائِشَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=2003423أَنَّ الْعَبَّاسَ اعْتَذَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْفِدَاءِ لَهُ وَلِابْنِ أَخِيهِ وَلِحَلِيفِهِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ ، قَالَ لَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " فَأَيْنَ الَّذِي دَفَنْتَ أَنْتَ nindex.php?page=showalam&ids=11696وَأُمُّ الْفَضْلِ فَقُلْتَ لَهَا : إِنْ أُصِبْتُ فَإِنَّ هَذَا الْمَالَ لَبَنِيِّ " فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا عَلِمَهُ غَيْرِي وَغَيْرُهَا . إِلَخْ .
وَرَوَى
الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ
عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003424لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قِلَادَةً لَهَا فِي فِدَاءِ زَوْجِهَا ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ : " إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا " هَكَذَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ ، وَعَزَاهُ الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15472الْوَاقِدِيِّ بِسَنَدٍ لَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16288عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ
عَائِشَةَ بِأَبْسَطَ مِمَّا هُنَا قَلِيلًا ، وَفِيهِ أَنَّهُ كَلَّمَ النَّاسَ فَأَطْلَقُوهُ وَرَدَّ عَلَيْهَا الْقِلَادَةَ وَأَخَذَ عَلَى
أَبِي الْعَاصِ ( زَوْجِهَا ) أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا فَفَعَلَ اهـ . وَقَدْ أَسْلَمَ
الْعَاصُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرِوَايَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=15472الْوَاقِدِيُّ ضَعِيفَةٌ ، وَتَصْحِيحُ
الْحَاكِمِ يُنْظَرُ فِيهِ .
ثُمَّ خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ الْجَامِعَةَ لِأَهَمِّ قَوَاعِدِ السِّيَاسَةِ فِي الْحَرْبِ وَالسِّلْمِ وَالْأَسْرَى وَالْغَنَائِمِ بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ فِي وِلَايَةِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِمُقْتَضَى الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ ، وَمَا يَلْزَمُهُمَا مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ : كَوِلَايَةِ الْكَافِرِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي مُقَابَلَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، وَمِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30945الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ مَعَ الْكُفَّارِ مَا دَامَ الْعَهْدُ مَعْقُودًا غَيْرَ مَنْبُوذٍ وَغَزْلُهُ عِنْدَ الْكُفَّارِ مُبْرَمًا غَيْرَ مَنْكُوثٍ ، فَقَالَ :