( فإن قيل ) إن من
nindex.php?page=treesubj&link=23390_10023ترك صلاة واحدة وصلى ما بعدها يكفر بترك ما ترك ، ويعود إلى الإسلام بأداء ما أدى . ( قلت ) إذا كان ترك الأولى كفرا بمعنى الخروج من الإسلام ، فلا يصح من فاعله التلبس بالثانية إلا إذا جدد إسلامه بالتوبة من الكفر والنطق بالشهادتين ، ويترتب على القول بكفره أحكام عظيمة الخطر ، منها حبوط جميع ما عمل من خير وبر ، واستحقاق القتل ، وأنه إذا مات لا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ويكون ماله فيئا لا يرثه ورثته . وناهيك بقول من قال : لا يشترط في قتل المرتد استتابته ، وهي رواية عن
أحمد كما أنه روي عنه أنه لا يكفر ، وقد ذكر
السبكي في طبقات الشافعية أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد تناظرا في تارك الصلاة فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يا
أحمد ، أتقول إنه يكفر ؟ قال : نعم ، قال : إذا كان كافرا فبم يسلم ؟ قال : بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه . قال : يسلم بأن يصلي . قال :
nindex.php?page=treesubj&link=8117صلاة الكافر لا تصح ، ولا يحكم بالإسلام بها ، فانقطع
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ( رحمهما الله تعالى ) .
وجملة القول : أن الذي يطمئن إليه القلب ، ويقتضيه فقه الدين وكونه رحمة لا نقمة ، ومنحة لا محنة ، أن من كان صحيح الإيمان والإسلام لا يخرج من الدين بترك صلاة أو أكثر بعذر أو كسل فيحبط عمله ، ويستحق الخلود في النار ، كما أنه لا يعقل أن يترك الصلاة دائما أو غالبا بأن يجعلها من العادات القومية الاجتماعية يوافق عليها المعاشرين أحيانا ، ويتركها أحيانا ، بحيث إذا صلى لا يقيم الصلاة بباعث الأمر الإلهي ونية القربة والجزاء في الآخرة ، وإذا تركها يتركها غير مال ولا متأثم كما يترك عادة من العادات المألوفة بين أهله وقومه ، هذا شأن من ليس له من الإسلام إلا اللقب الموروث من الملاحدة والزنادقة الذين لا يؤمنون بالوحي ، ولا بالبعث والجزاء ، وقد وصف الله المنافقين بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ( 4 : 142 ) فهل يكون مؤمنا صادقا من هو دونهم في هذا ؟
ويوجد من مسلمي التقاليد الجاهلين بحقيقة الدين وما شرعه الله له من إصلاح الأفراد والجماعات من يترك الصلاة أياما وشهورا ، وربما تمر السنة والسنون لا يصلي فيها إلا بعض
[ ص: 158 ] الجمع والأعياد وقليلا من الفرائض ، وهو يؤمن بالله وبرسوله وباليوم الآخر ، وما فيه من حساب وجزاء إيمانا تقليديا ناقصا مشوبا بشيء من الجهل والخرافات ، فهو في تركه للصلاة ، وفي غيره من المخالفات يعتقد أنه آثم ، ولكنه يتكل على مغفرة الله ورحمته أو على مكفرات الذنوب من حج وغيره أو على شفاعات الشافعين ، وقد ورد في هذه الثلاث أحاديث كثيرة منها الصحيح والضعيف والموضوع ، وهي تذكر في بعض الكتب المتداولة ، وخطب الجمعة المطبوعة ، التي يختارها على غيرها خطباء الفتنة الجاهلون ، والوعاظ الخرافيون ، يتقربون بها إلى العوام ، ليهونوا عليهم ارتكاب الآثام ، وناهيك بحديث عتقى الملايين في رمضان ، وهو افتراء على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وماذا تقول في حديث السجلات الذي عني بعض المحدثين بإثباته ، وهو أشد المجرئات على ترك الفرائض وارتكاب الموبقات .
فهؤلاء العوام الذين يغترون بهذه الروايات إذا قلنا بصحة إسلامهم التقليدي معذورون في عدم التمييز بين ما يصح منها ، وما لا يصح ، وعدم الجمع بين ما يصح منها وما يعارضها من نصوص الكتاب والسنة الواردة في الترهيب والنذر ، هم معذورون بالجهل حتى بما كان يعد في القرون الخالية معلوما من الدين بالضرورة ، ولم يعد كذلك ، فيجب على أهل العلم الصحيح تعليمهم ما يذهب بغرورهم كتقييد الآيات والأحاديث الواردة في المغفرة ، بمثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ( 20 : 82 ) وقوله حكاية لدعاء الملائكة للمؤمنين :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ( 4 : 7 - 9 ) وقوله تعالى في التوبة المقبولة :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ( 4 : 17 و18 ) وأمثال هذه الآيات ، وقد بينا هذه المسألة من قبل في مواضع من أوسعها وأهمها تفسير آيتي التوبة هاتين من سورة النساء [ في ص360 - 370 ج 4 ط الهيئة ] ، ومنها تفسير
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=14ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها ( 4 : 14 ) [ ص353 وما بعدها ج 4 ط الهيئة ] ، أيضا كنا بينا جهل المتكلمين على الشفاعة في تفسير الآيات الواردة فيها من سورة البقرة وسورة الأنعام ، ومنه أن من تناله الشفاعة في الآخرة مجهول فهي مقيدة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( 21 : 28 ) .
والعلماء يخصون ما ورد في مكفرات الذنوب ومغفرتها بالصغائر بأدلة منها قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ( 4 : 31 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة ( 53 : 32 ) أي لهم ؛ لأن الآيات
[ ص: 159 ] والأحاديث الواردة في العقاب على الذنوب كثيرة ، وهي نصوص قطعية لا يجوز تخلفها مطلقا ، ولهذا كان من أصول العقيدة أن نفوذ الوعيد في بعض العصاة حق ، فإذا عورضت نصوص العقاب المطلقة بنصوص المغفرة المطلقة ، جاءت النصوص المقيدة لها بالتوبة وإصلاح العمل واجتناب الكبائر حكما جامعا بين المطلقات ، وبقي الخطر على غير التائب المصلح ، فيجب عليه أن يغلب الخوف على الرجاء - إن صح أن يسمى غروره بجهله رجاء - وما الرجاء الصحيح إلا لمن سعى إلى المغفرة سعيها بالتوبة والعمل ورجاء الله قبولها .
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
ومهما يكن من عذر للجاهل بما ورد في المغفرة وكفارات الذنوب ، فلا عذر له في ترك الصلاة ، وهي عمود الإسلام الذي يقوم عليه بناؤه ، وأعظم المكفرات للذنوب ، وقد صحت الأخبار النبوية والآثار عن الصحابة بكفر تاركها ، ومن هذه الآثار ما رواه
الترمذي والحاكم من أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكونوا يعدون شيئا من المعاصي كفرا إلا ترك الصلاة ، وما اعتمدناه في تأويلها لا يدخل فيه من يتركها في عامة أوقاته بحيث لا يصليها إلا قليلا لأسباب عارضة ، وإنما هو فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=23390_23392يترك صلاة أو صلوات قليلة متفرقة لأمر عارض ثم يتوب إلى الله تعالى ، فيجب على الوعاظ والخطباء أن يبينوا لهؤلاء العوام خطر ترك الصلاة ، وأن كل من يصدق عليه أنه تارك للصلاة فهو كافر كما ورد في أخبار وآثار كثيرة اكتفينا في أول هذا البحث بذكر بعضها ، وليراجع جملتها من شاء في كتاب الصلاة من كتاب الزواجر فهي مخيفة جدا .
( فَإِنْ قِيلَ ) إِنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23390_10023تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً وَصَلَّى مَا بَعْدَهَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ مَا تَرَكَ ، وَيَعُودُ إِلَى الْإِسْلَامِ بِأَدَاءِ مَا أَدَّى . ( قُلْتُ ) إِذَا كَانَ تَرْكُ الْأُولَى كُفْرًا بِمَعْنَى الْخُرُوجِ مِنَ الْإِسْلَامِ ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ فَاعِلِهِ التَّلَبُّسَ بِالثَّانِيَةِ إِلَّا إِذَا جَدَّدَ إِسْلَامَهُ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْكُفْرِ وَالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِهِ أَحْكَامٌ عَظِيمَةُ الْخَطَرِ ، مِنْهَا حُبُوطُ جَمِيعِ مَا عَمِلَ مِنْ خَيْرٍ وَبِرٍّ ، وَاسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ ، وَأَنَّهُ إِذَا مَاتَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا لَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ . وَنَاهِيكَ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ : لَا يُشْتَرَطُ فِي قَتْلِ الْمُرْتَدِّ اسْتِتَابَتُهُ ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ
أَحْمَدَ كَمَا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ ، وَقَدْ ذَكَرَ
السُّبْكِيُّ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ تَنَاظَرَا فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : يَا
أَحْمَدُ ، أَتَقُولُ إِنَّهُ يَكْفُرُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِذَا كَانَ كَافِرًا فَبِمَ يُسْلِمُ ؟ قَالَ : بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : فَالرَّجُلُ مُسْتَدِيمٌ لِهَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَتْرُكْهُ . قَالَ : يُسْلِمُ بِأَنْ يُصَلِّيَ . قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=8117صَلَاةُ الْكَافِرِ لَا تَصِحُّ ، وَلَا يُحْكَمُ بِالْإِسْلَامِ بِهَا ، فَانْقَطَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ ( رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ) .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ : أَنَّ الَّذِي يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَيَقْتَضِيهِ فِقْهُ الدِّينِ وَكَوْنُهُ رَحْمَةً لَا نِقْمَةً ، وَمِنْحَةً لَا مِحْنَةً ، أَنَّ مَنْ كَانَ صَحِيحَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ لَا يَخْرُجُ مِنَ الدِّينِ بِتَرْكِ صَلَاةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِعُذْرٍ أَوْ كَسَلٍ فَيَحْبَطُ عَمَلُهُ ، وَيَسْتَحِقُّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا بِأَنْ يَجْعَلَهَا مِنَ الْعَادَاتِ الْقَوْمِيَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ يُوَافِقُ عَلَيْهَا الْمُعَاشِرِينَ أَحْيَانًا ، وَيَتْرُكُهَا أَحْيَانًا ، بِحَيْثُ إِذَا صَلَّى لَا يُقِيمُ الصَّلَاةَ بِبَاعِثِ الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ وَنِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَالْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِذَا تَرَكَهَا يَتْرُكُهَا غَيْرَ مَالٍّ وَلَا مُتَأَثِّمٍ كَمَا يَتْرُكُ عَادَةً مِنَ الْعَادَاتِ الْمَأْلُوفَةِ بَيْنَ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ ، هَذَا شَأْنُ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اللَّقَبُ الْمَوْرُوثُ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَالزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْوَحْيِ ، وَلَا بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ( 4 : 142 ) فَهَلْ يَكُونُ مُؤْمِنًا صَادِقًا مَنْ هُوَ دُونَهُمْ فِي هَذَا ؟
وَيُوجَدُ مِنْ مُسْلِمِي التَّقَالِيدِ الْجَاهِلِينَ بِحَقِيقَةِ الدِّينِ وَمَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ إِصْلَاحِ الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ مِنْ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَيَّامًا وَشُهُورًا ، وَرُبَّمَا تَمُرُّ السَّنَةُ وَالسُّنُونَ لَا يُصَلِّي فِيهَا إِلَّا بَعْضَ
[ ص: 158 ] الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَقَلِيلًا مِنَ الْفَرَائِضِ ، وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ حِسَابٍ وَجَزَاءٍ إِيمَانًا تَقْلِيدِيًّا نَاقِصًا مَشُوبًا بِشَيْءٍ مِنَ الْجَهْلِ وَالْخُرَافَاتِ ، فَهُوَ فِي تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ ، وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ آثِمٌ ، وَلَكِنَّهُ يَتَّكِلُ عَلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ أَوْ عَلَى مُكَفِّرَاتِ الذُّنُوبِ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ أَوْ عَلَى شَفَاعَاتِ الشَّافِعِينَ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الصَّحِيحُ وَالضَّعِيفُ وَالْمَوْضُوعُ ، وَهِيَ تُذْكَرُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ ، وَخُطَبِ الْجُمُعَةِ الْمَطْبُوعَةِ ، الَّتِي يَخْتَارُهَا عَلَى غَيْرِهَا خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ الْجَاهِلُونَ ، وَالْوُعَّاظُ الْخُرَافِيُّونَ ، يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى الْعَوَامِّ ، لِيُهَوِّنُوا عَلَيْهِمُ ارْتِكَابَ الْآثَامِ ، وَنَاهِيكَ بِحَدِيثِ عَتْقَى الْمَلَايِينِ فِي رَمَضَانَ ، وَهُوَ افْتِرَاءٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَاذَا تَقُولُ فِي حَدِيثِ السِّجِلَّاتِ الَّذِي عُنِيَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ بِإِثْبَاتِهِ ، وَهُوَ أَشَدُّ الْمُجَرِّئَاتِ عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَارْتِكَابِ الْمُوبِقَاتِ .
فَهَؤُلَاءِ الْعَوَامُّ الَّذِينَ يَغْتَرُّونَ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ إِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ إِسْلَامِهِمُ التَّقْلِيدِيِّ مَعْذُورُونَ فِي عَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ مِنْهَا ، وَمَا لَا يَصِحُّ ، وَعَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ مِنْهَا وَمَا يُعَارِضُهَا مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْوَارِدَةِ فِي التَّرْهِيبِ وَالنُّذُرِ ، هُمْ مَعْذُورُونَ بِالْجَهْلِ حَتَّى بِمَا كَانَ يُعَدُّ فِي الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ، وَلَمْ يَعُدْ كَذَلِكَ ، فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ تَعْلِيمُهُمْ مَا يَذْهَبُ بِغُرُورِهِمْ كَتَقْيِيدِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَغْفِرَةِ ، بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=82وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ( 20 : 82 ) وَقَوْلِهِ حِكَايَةً لِدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=9وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ( 4 : 7 - 9 ) وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي التَّوْبَةِ الْمَقْبُولَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 4 : 17 و18 ) وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ قَبْلُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ أَوْسَعِهَا وَأَهَمِّهَا تَفْسِيرُ آيَتَيِ التَّوْبَةِ هَاتَيْنِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ [ فِي ص360 - 370 ج 4 ط الْهَيْئَةِ ] ، وَمِنْهَا تَفْسِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=14وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا ( 4 : 14 ) [ ص353 وَمَا بَعْدَهَا ج 4 ط الْهَيْئَةِ ] ، أَيْضًا كُنَّا بَيَّنَّا جَهْلَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الشَّفَاعَةِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِيهَا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ الْأَنْعَامِ ، وَمِنْهُ أَنَّ مَنْ تَنَالُهُ الشَّفَاعَةُ فِي الْآخِرَةِ مَجْهُولٌ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ( 21 : 28 ) .
وَالْعُلَمَاءُ يَخُصُّونَ مَا وَرَدَ فِي مُكَفِّرَاتِ الذُّنُوبِ وَمَغْفِرَتِهَا بِالصَّغَائِرِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ( 4 : 31 ) وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=32الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ( 53 : 32 ) أَيْ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ
[ ص: 159 ] وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْعِقَابِ عَلَى الذُّنُوبِ كَثِيرَةٌ ، وَهِيَ نُصُوصٌ قَطْعِيَّةٌ لَا يَجُوزُ تَخَلُّفُهَا مُطْلَقًا ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ أَنَّ نُفُوذَ الْوَعِيدِ فِي بَعْضِ الْعُصَاةِ حَقٌّ ، فَإِذَا عُورِضَتْ نُصُوصُ الْعِقَابِ الْمُطْلَقَةُ بِنُصُوصِ الْمَغْفِرَةِ الْمُطْلَقَةِ ، جَاءَتِ النُّصُوصُ الْمُقَيِّدَةُ لَهَا بِالتَّوْبَةِ وَإِصْلَاحِ الْعَمَلِ وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ حُكْمًا جَامِعًا بَيْنَ الْمُطْلَقَاتَ ، وَبَقِيَ الْخَطَرُ عَلَى غَيْرِ التَّائِبِ الْمُصْلِحِ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُغَلِّبَ الْخَوْفُ عَلَى الرَّجَاءِ - إِنْ صَحَّ أَنْ يُسَمَّى غُرُورُهُ بِجَهْلِهِ رَجَاءً - وَمَا الرَّجَاءُ الصَّحِيحُ إِلَّا لِمَنْ سَعَى إِلَى الْمَغْفِرَةِ سَعْيَهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ وَرَجَاءِ اللَّهِ قَبُولَهَا .
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ
وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ عُذْرٍ لِلْجَاهِلِ بِمَا وَرَدَ فِي الْمَغْفِرَةِ وَكَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ ، فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ ، وَهِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ بِنَاؤُهُ ، وَأَعْظَمُ الْمُكَفِّرَاتِ لِلذُّنُوبِ ، وَقَدْ صَحَّتِ الْأَخْبَارُ النَّبَوِيَّةُ وَالْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ بِكُفْرِ تَارِكِهَا ، وَمِنْ هَذِهِ الْآثَارِ مَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي كُفْرًا إِلَّا تَرْكَ الصَّلَاةِ ، وَمَا اعْتَمَدْنَاهُ فِي تَأْوِيلِهَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَتْرُكُهَا فِي عَامَّةِ أَوْقَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يُصَلِّيهَا إِلَّا قَلِيلًا لِأَسْبَابِ عَارِضَةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=23390_23392يَتْرُكُ صَلَاةً أَوْ صَلَوَاتٍ قَلِيلَةً مُتَفَرِّقَةً لِأَمْرٍ عَارِضٍ ثُمَّ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَيَجِبُ عَلَى الْوُعَّاظِ وَالْخُطَبَاءِ أَنْ يُبَيِّنُوا لِهَؤُلَاءِ الْعَوَامِّ خَطَرَ تَرْكِ الصَّلَاةِ ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ كَافِرٌ كَمَا وَرَدَ فِي أَخْبَارٍ وَآثَارٍ كَثِيرَةٍ اكْتَفَيْنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَحْثِ بِذِكْرِ بَعْضِهَا ، وَلِيُرَاجِعْ جُمْلَتَهَا مَنْ شَاءَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ كِتَابِ الزَّوَاجِرِ فَهِيَ مُخِيفَةٌ جِدًّا .