nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28980أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=22خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم هذه الآيات تكملة لموضوع الآيتين اللتين قبلها في بيان كون الحق في عمارة المسجد الحرام بنوعيها للمسلمين دون المشركين ، وكون إيمانهم وإسلامهم أفضل مما كان يفخر به المشركون من عمارته ، وسقاية الحاج فيه ، وإن قام بهما المسلمون أنفسهم خلافا لما توهم بعضهم في الأعمال التي بعد الإسلام ، فقد روى
مسلم وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان ، وبعض رواة التفسير المأثور من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير قال : كنت عند منبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نفر من أصحابه فقال رجل منهم : ما أبالي أن لا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج ، وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام ، وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم . فزجرهم
عمر . وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . ( فدخل بعد الصلاة فاستفتاه ) فأنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أجعلتم سقاية الحاج إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19لا يهدي القوم الظالمين وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين قال : قدم
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب [ ص: 195 ] مكة فقال
للعباس : أي عم ألا تهاجر ؟ ألا تلحق برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أعمر المسجد وأحجب البيت ، فأنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أجعلتم سقاية الحاج الآية . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم من طريق
علي بن طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال
العباس حين أسر يوم
بدر : إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر
المسجد الحرام ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني ( أي الأسير ) فأنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أجعلتم سقاية الحاج .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935أبو جعفر بن جرير عن
كعب القرظي قال : افتخر
طلحة بن شيبة من
بني عبد الدار ،
nindex.php?page=showalam&ids=18وعباس بن عبد المطلب ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب - فقال
طلحة : أنا صاحب البيت معي مفتاحه ، ولو أشاء بت فيه . وقال
العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد . فقال
علي ـ رضي الله عنه ـ : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد . فأنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أجعلتم سقاية الحاج الآية كلها . فهذه الروايات في أسباب النزول وقائع في تفسير الآيات وإن لم تكن أسبابا .
والمعتمد من هذه الروايات حديث
النعمان ؛ لصحة سنده وموافقة متنه لما دلت عليه الآيات من كون موضوعها في المفاضلة أو المساواة بين خدمة البيت وحجاجه - من أعمال البر البدنية الهينة المستلذة - وبين الإيمان والجهاد بالمال والنفس والهجرة وهي أشق العبادات النفسية البدنية المالية ، والآيات تتضمن الرد عليها كلها . وفي أثر
علي أن
العباس ذكر حجابة البيت ، وهي لم تكن له دون السقاية التي كانت له ، وأثر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فيه تقدم معناه في تفسير الآيتين السابقتين .
تقدم تفسير عمارة المسجد في اللغة والاصطلاح . والسقاية في اللغة : الموضع الذي يسقى فيه الماء وغيره ، وكذا الإناء الذي يسقى به ، ومنه :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=70جعل السقاية في رحل أخيه ( 12 : 70 ) سميت سقاية ؛ لأنها يسقى بها ، وصواعا لأنها يكال بها كالصاع وهو يؤنث ويذكر . قال في اللسان ( كغيره ) والسقاية : الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها . ( ثم قال ) وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=920230كل مأثرة من مآثر الجاهلية تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت هي ما كانت
قريش تسقيه الحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء ، وكان يليها
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب في الجاهلية والإسلام اهـ . والحديث الذي ذكره ورد في بعض روايات خطبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع .
وقال
النووي في الأسماء واللغات ما نصه : سقاية
العباس ـ رضي الله عنه ـ موضع
بالمسجد الحرام زاده الله تعالى شرفا ، يستقي فيها الماء ؛ ليشربه الناس وبينها وبين
زمزم أربعون ذراعا ، حكى
الأزرقي في كتابه تاريخ
مكة وغيره من العلماء : أن السقاية حياض من أدم كانت على عهد
قصي بن كلاب توضع بفناء
الكعبة ، ويستقى فيها الماء العذب من الآبار على الإبل ويسقاه
[ ص: 196 ] الحاج ، فجعل قصي عند موته أمر السقاية لابنه
عبد مناف ، ولم تزل مع
عبد مناف يقوم بها فكان يسقي الماء من
بئر كرادم وغيره إلى أن مات ، ومن حصون
خيبر اهـ .
أقول : وقد بنى هذا المكان المسمى
بسقاية العباس ، ولا يزال ماثلا إلى الآن ، وهو حجرة كبيرة في جهة الجنوب من
بئر زمزم وصف مؤرخو
مكة مساحتها وبعدها عن
زمزم وعن
الكعبة المشرفة .
ويؤخذ من استعمال الكلمة أنها صارت اسم حرفة ، وكذا الحجابة ، وهي سدانة البيت ، وهما أفضل مآثر
قريش ، ولذلك أقرهما الإسلام ، ومن المعلوم بالبداهة أن قول
العباس : أنا صاحب السقاية ، وقول الناس فيه كقوله لا يراد به أنه صاحب الموضع الذي كان يوضع فيه الماء المحلى بالزبيب أو التمر المنبوذ فيه ، ولا ذلك الماء ، وإنما المراد به أنه هو الذي يتولى إدارة هذا العمل ، وهو الإتيان بالزبيب أو التمر ونبذه بالماء ووضع أوانيه في الموضع التي يردها الحجاج فيشربون منها ، ومن العجب أن يغفل أي لغوي أو مفسر عن هذا المعنى ، ويقول بعضهم : إنها اسم لمكان السقي ، وبعضهم : إنها مصدر سقى أو أسقى إلخ .
قال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ؟ مقتضى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير أن الخطاب هنا للمؤمنين الذين تنازعوا : أي هذه الأعمال أفضل ؟ ومقتضى حديثي
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس أن الخطاب للمشركين ، والاستفهام فيه للإنكار ، وتشبيه الفعل بالفاعل والصفة بالذات كإسناد كل منهما إلى الآخر من ضروب الإيجاز المعهودة في بلاغة القرآن كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة ( 2 : 177 ) إلخ . وطريقة المفسرين في هذا معروفة ، وهي تحويل أحدهما إلى الآخر ليتحد المشبه والمشبه به ، والمسند والمسند إليه ، فيقولون هنا : أجعلتم أهل سقاية الحاج وأهل العمارة للبيت ، أو فاعل كل منهما ومتوليه ، كمن آمن بالله واليوم الآخر إلخ . وهو الموافق لبقية الآية وما بعدها . أو يقولون : أجعلتم هذه السقاية والعمارة كالإيمان بالله واليوم الآخر إلخ ؟ والاستفهام للإنكار المتضمن لمعنى النهي . أي : لا تفعلوا ذلك فإنه خطأ ظاهر كما بينه ما بعده . ونكتة هذا التعبير بيان أن هذا الفعل ليس كالفعل الآخر ، وأن الفاعل لكل منهما ليس كالآخر بل بينهما من التفاوت والدرجات ما بينه تعالى بيانا مستأنفا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19لا يستوون عند الله إلى قوله : أجر عظيم أي : لا يساوي الفريق الأول الفريق الثاني في صفته ، ولا في عمله في حكم الله ، ولا في مثوبته وجزائه عنده في الدنيا ولا في الآخرة ، فضلا عن أن يفضله كما توهم بعض المسلمين ، وكما يزعم كبراء مشركي
قريش الذين كانوا يتبجحون بخدمة البيت
[ ص: 197 ] ويستكبرون على الناس به ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=67مستكبرين به سامرا تهجرون ( 23 : 67 ) . على القول بأن الضمير في ( به ) للبيت ، وإن لم يسبق له ذكر في الآيات التي قبل هذه الآية . قالوا : ؛ لأن اشتهار استكبارهم وافتخارهم بأنهم قوامه وسدنته وعماره أغنى عن سبق ذكره ، وكانت العرب تدين لهم بذلك ، لامتيازهم عليهم به ، وبسقاية حجاجه ، وكذا ضيافتهم وإن لم تكن عامة كالسقاية ؛ لأن الحاجة إليها لم تكن عامة ، إذ من المعلوم أن الحجاج كانوا وما زالوا أحوج إلى الماء في الحرم من الزاد ؛ لأن كل حاج كان يمكنه أن يحمل من الزاد ما يكفيه مدة سفره إلى الحرم ، وعودته بعد أداء المناسك ، ولا سيما العربي القنوع القليل الأكل ، ولكن لا يمكنه أن يحمل من الماء ما يكفيه كل هذه المدة ولا نصفها ، ولذلك كان أول شروط استطاعة الحج الزاد لإمكانه مع كفالة أولي الأمر في الحرم لتوفير الماء فيه ، وحكومة السنة السعودية في هذا العهد تزداد عنايتها في كل سنة بتوفير الماء ونظافته لمئات الألوف من الحجاج ، وأما سقيهم الماء المحلى فقد بطل منذ قرون كثيرة ؛ لأنه صار متعذرا لكثرتهم ، ولو كان ريع أوقاف الحرمين في الأقطار الإسلامية يضبط ويرسل إلى حكومة
الحجاز لأمكنها إعادته ، ووضع نظام لتعميمه في
مكة أو
منى .
هذا - وإن فضيلة البيت الحقيقية التي بني لأجلها هي عبادة الله وحده فيه بما شرعه كما يحب ويرضى ، وقد جنى عليه المشركون ودنسوه بعبادة غيره فيه ، ثم بصد المؤمنين الموحدين له عنه ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ( 48 : 25 ) ثم إخراجهم إياهم من جواره ، لإيمانهم بربوبيته وألوهيته تعالى وحده دون ما أشركوه معه كما قال للمؤمنين :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ( 60 : 1 ) وقال فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ( 22 : 40 ) فأي مزية تبقى مع هذه الجرائم لخدمة حجارته ، واحتكار مفتاحه ، وسقاية المشركين من حجاجه ؟ وأي ظلم أشد من هذا الظلم في موضوعه ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19والله لا يهدي القوم الظالمين إلى الحق في أعمالهم ، ولا إلى الحكم العدل في أعمال غيرهم ، أي : ليس من سنته في أخلاق البشر وأعمالهم أن يكون الظالم مهديا إلى ما هو ضد صفة الظلم ، ومناف لها وهو الحق والعدل ؛ لأنه جمع بين ضدين بمعنى النقيضين ، والقوم الظالمون أشد إسرافا في الظلم من الأفراد ، وأبعد عن الهدى بغرورهم بقوتهم وتناصرهم . ومن أقبح هذا الظلم تفضيل خدمة حجارة البيت ، وحفظ مفتاحه ، وسقاية الحاج على الإيمان بالله وحده المطهر للأنفس من خرافات الشرك وأوهامه - والإيمان باليوم الآخر الذي يزعها أن تبغي وتظلم ، ويحبب إليها الحق والعدل ، ويرغبها في الخير وعمل البر ، ابتغاء رضوان الله لا للفخر والرياء - وعلى الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس ، لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، وترقية شئون البشر في مدارج العلم والعمل .
[ ص: 198 ] ومن المعلوم أن هذا الجهاد يشمل القتال والنفقة فيه وغيرهما من أنواع مجاهدة الكفار ، ومجاهدة النفس ، لإبلاغها مقام الكمال . وهذه الجملة ظاهرة في الرد على المشركين ، وإبطال تبجحهم وفخرهم على المؤمنين .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28980أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=20الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=21يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=22خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ هَذِهِ الْآيَاتُ تَكْمِلَةٌ لِمَوْضُوعِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا فِي بَيَانِ كَوْنِ الْحَقِّ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِنَوْعَيْهَا لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ الْمُشْرِكِينَ ، وَكَوْنِ إِيمَانِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ أَفْضَلَ مِمَّا كَانَ يَفْخَرُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عِمَارَتِهِ ، وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ فِيهِ ، وَإِنْ قَامَ بِهِمَا الْمُسْلِمُونَ أَنْفُسُهُمْ خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، فَقَدْ رَوَى
مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ ، وَبَعْضُ رُوَاةِ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=114النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ لِلَّهِ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَسْقِيَ الْحَاجَّ ، وَقَالَ آخَرُ : بَلْ عِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَقَالَ آخَرُ : بَلِ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا قُلْتُمْ . فَزَجَرَهُمْ
عُمَرُ . وَقَالَ : لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ . ( فَدَخَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَاسْتَفْتَاهُ ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14906الْفِرْيَابِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : قَدِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ [ ص: 195 ] مَكَّةَ فَقَالَ
لِلْعَبَّاسِ : أَيْ عَمِّ أَلَا تُهَاجِرُ ؟ أَلَا تَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : أَعْمُرُ الْمَسْجِدَ وَأَحْجُبُ الْبَيْتَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ الْآيَةَ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ
الْعَبَّاسُ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ
بَدْرٍ : إِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ لَقَدْ كُنَّا نَعْمُرُ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَنَسَقِي الْحَاجَّ ، وَنَفُكُّ الْعَانِيَ ( أَيِ الْأَسِيرَ ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ
كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ : افْتَخَرَ
طَلْحَةُ بْنُ شَيْبَةَ مِنْ
بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=18وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - فَقَالَ
طَلْحَةُ : أَنَا صَاحِبُ الْبَيْتِ مَعِي مِفْتَاحُهُ ، وَلَوْ أَشَاءُ بِتُّ فِيهِ . وَقَالَ
الْعَبَّاسُ : أَنَا صَاحِبُ السِّقَايَةِ وَالْقَائِمُ عَلَيْهَا وَلَوْ أَشَاءُ بِتُّ فِي الْمَسْجِدِ . فَقَالَ
عَلِيٌّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ : مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ ، لَقَدْ صَلَّيْتُ إِلَى الْقِبْلَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ النَّاسِ وَأَنَا صَاحِبُ الْجِهَادِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ الْآيَةَ كُلَّهَا . فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ وَقَائِعٌ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَسْبَابًا .
وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ حَدِيثُ
النُّعْمَانِ ؛ لِصِحَّةِ سَنَدِهِ وَمُوَافَقَةِ مَتْنِهِ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ مِنْ كَوْنِ مَوْضُوعِهَا فِي الْمُفَاضَلَةِ أَوِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ خِدْمَةِ الْبَيْتِ وَحُجَّاجِهِ - مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الْبَدَنِيَّةِ الْهَيِّنَةِ الْمُسْتَلَذَّةِ - وَبَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَالْهِجْرَةِ وَهِيَ أَشَقُّ الْعِبَادَاتِ النَّفْسِيَّةِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَالِيَّةِ ، وَالْآيَاتُ تَتَضَمَّنُ الرَّدَّ عَلَيْهَا كُلَّهَا . وَفِي أَثَرِ
عَلِيٍّ أَنَّ
الْعَبَّاسَ ذَكَرَ حِجَابَةَ الْبَيْتِ ، وَهِيَ لَمْ تَكُنْ لَهُ دُونَ السِّقَايَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ ، وَأَثَرُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ .
تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ فِي اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ . وَالسِّقَايَةُ فِي اللُّغَةِ : الْمَوْضِعُ الَّذِي يُسْقَى فِيهِ الْمَاءُ وَغَيْرُهُ ، وَكَذَا الْإِنَاءُ الَّذِي يُسْقَى بِهِ ، وَمِنْهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=70جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ( 12 : 70 ) سُمِّيَتْ سِقَايَةً ؛ لِأَنَّهَا يُسْقَى بِهَا ، وَصُوَاعًا لِأَنَّهَا يُكَالُ بِهَا كَالصَّاعِ وَهُوَ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ . قَالَ فِي اللِّسَانِ ( كَغَيْرِهِ ) وَالسِّقَايَةُ : الْمَوْضِعُ الَّذِي يُتَّخَذُ فِيهِ الشَّرَابُ فِي الْمَوَاسِمِ وَغَيْرِهَا . ( ثُمَّ قَالَ ) وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=920230كُلُّ مَأْثُرَةٍ مِنْ مَآثِرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِيَّ إِلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَسِدَانَةَ الْبَيْتِ هِيَ مَا كَانَتْ
قُرَيْشٌ تَسْقِيهِ الْحُجَّاجَ مِنَ الزَّبِيبِ الْمَنْبُوذِ فِي الْمَاءِ ، وَكَانَ يَلِيهَا
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ اهـ . وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ خُطْبَتِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ .
وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ مَا نَصُّهُ : سِقَايَةُ
الْعَبَّاسِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ مَوْضِعٌ
بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا ، يَسْتَقِي فِيهَا الْمَاءَ ؛ لِيَشْرَبَهُ النَّاسُ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ
زَمْزَمَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ، حَكَى
الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ تَارِيخِ
مَكَّةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ السِّقَايَةَ حِيَاضٌ مِنْ أَدَمٍ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ
قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ تُوضَعُ بِفَنَاءِ
الْكَعْبَةِ ، وَيُسْتَقَى فِيهَا الْمَاءُ الْعَذْبُ مِنَ الْآبَارِ عَلَى الْإِبِلِ وَيُسْقَاهُ
[ ص: 196 ] الْحَاجُّ ، فَجَعَلَ قُصَيٌّ عِنْدَ مَوْتِهِ أَمْرَ السِّقَايَةِ لِابْنِهِ
عَبْدِ مَنَافٍ ، وَلَمْ تَزَلْ مَعَ
عَبْدِ مَنَافٍ يَقُومُ بِهَا فَكَانَ يَسْقِي الْمَاءَ مِنْ
بِئْرِ كَرَادِمَ وَغَيْرِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ ، وَمِنْ حُصُونِ
خَيْبَرَ اهـ .
أَقُولُ : وَقَدْ بَنَى هَذَا الْمَكَانَ الْمُسَمَّى
بِسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ ، وَلَا يَزَالُ مَاثِلًا إِلَى الْآنِ ، وَهُوَ حَجَرَةٌ كَبِيرَةٌ فِي جِهَةِ الْجَنُوبِ مِنْ
بِئْرِ زَمْزَمَ وَصَفَ مُؤَرِّخُو
مَكَّةَ مِسَاحَتَهَا وَبُعْدَهَا عَنْ
زَمْزَمَ وَعَنِ
الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ .
وَيُؤْخَذُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْكَلِمَةِ أَنَّهَا صَارَتِ اسْمَ حِرْفَةٍ ، وَكَذَا الْحِجَابَةُ ، وَهِيَ سِدَانَةُ الْبَيْتِ ، وَهُمَا أَفْضَلُ مَآثِرِ
قُرَيْشٍ ، وَلِذَلِكَ أَقَرَّهُمَا الْإِسْلَامُ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّ قَوْلَ
الْعَبَّاسِ : أَنَا صَاحِبُ السِّقَايَةِ ، وَقَوْلَ النَّاسِ فِيهِ كَقَوْلِهِ لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ صَاحِبُ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُحَلَّى بِالزَّبِيبِ أَوِ التَّمْرِ الْمَنْبُوذِ فِيهِ ، وَلَا ذَلِكَ الْمَاءُ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى إِدَارَةَ هَذَا الْعَمَلِ ، وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالزَّبِيبِ أَوِ التَّمْرِ وَنَبْذُهُ بِالْمَاءِ وَوَضْعُ أَوَانِيهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّتِي يَرِدُهَا الْحُجَّاجُ فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا ، وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَغْفُلَ أَيُّ لُغَوِيٍّ أَوْ مُفَسِّرٍ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ : إِنَّهَا اسْمٌ لِمَكَانِ السَّقْيِ ، وَبَعْضُهُمْ : إِنَّهَا مَصْدَرُ سَقَى أَوْ أَسْقَى إِلَخْ .
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ مُقْتَضَى حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=114النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الْخِطَابَ هُنَا لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَنَازَعُوا : أَيَّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ وَمُقْتَضَى حَدِيثَيْ
عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُشْرِكِينَ ، وَالِاسْتِفْهَامَ فِيهِ لِلْإِنْكَارِ ، وَتَشْبِيهُ الْفِعْلِ بِالْفَاعِلِ وَالصِّفَةِ بِالذَّاتِ كَإِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ مِنْ ضُرُوبِ الْإِيجَازِ الْمَعْهُودَةِ فِي بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ ( 2 : 177 ) إِلَخْ . وَطَرِيقَةُ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذَا مَعْرُوفَةٌ ، وَهِيَ تَحْوِيلُ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ لِيَتَّحِدَ الْمُشَبَّهُ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ ، وَالْمُسْنَدُ وَالْمُسْنَدُ إِلَيْهِ ، فَيَقُولُونَ هُنَا : أَجَعَلْتُمْ أَهْلَ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَأَهْلَ الْعِمَارَةِ لِلْبَيْتِ ، أَوْ فَاعِلَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمُتَوَلِّيَهُ ، كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَخْ . وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِبَقِيَّةِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا . أَوْ يَقُولُونَ : أَجَعَلْتُمْ هَذِهِ السِّقَايَةَ وَالْعِمَارَةَ كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَخْ ؟ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ الْمُتَضَمِّنِ لِمَعْنَى النَّهْيِ . أَيْ : لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ خَطَأٌ ظَاهِرٌ كَمَا بَيَّنَهُ مَا بَعْدَهُ . وَنُكْتَةُ هَذَا التَّعْبِيرِ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ كَالْفِعْلِ الْآخَرِ ، وَأَنَّ الْفَاعِلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَيْسَ كَالْآخَرِ بَلْ بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاوُتِ وَالدَّرَجَاتِ مَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بَيَانًا مُسْتَأْنَفًا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ : أَجْرٌ عَظِيمٌ أَيْ : لَا يُسَاوِي الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ الْفَرِيقَ الثَّانِيَ فِي صِفَتِهِ ، وَلَا فِي عَمَلِهِ فِي حُكْمِ اللَّهِ ، وَلَا فِي مَثُوبَتِهِ وَجَزَائِهِ عِنْدَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُفَضِّلَهُ كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَمَا يَزْعُمُ كُبَرَاءُ مُشْرِكِي
قُرَيْشٍ الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَجَّحُونَ بِخِدْمَةِ الْبَيْتِ
[ ص: 197 ] وَيَسْتَكْبِرُونَ عَلَى النَّاسِ بِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=67مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ( 23 : 67 ) . عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( بِهِ ) لِلْبَيْتِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْآيَاتِ الَّتِي قَبِلَ هَذِهِ الْآيَةِ . قَالُوا : ؛ لِأَنَّ اشْتِهَارَ اسْتِكْبَارِهِمْ وَافْتِخَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ قُوَّامُهُ وَسَدَنَتُهُ وَعُمَّارُهُ أَغْنَى عَنْ سَبْقِ ذِكْرِهِ ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَدِينُ لَهُمْ بِذَلِكَ ، لِامْتِيَازِهِمْ عَلَيْهِمْ بِهِ ، وَبِسِقَايَةِ حُجَّاجِهِ ، وَكَذَا ضِيَافَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَامَّةً كَالسِّقَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهَا لَمْ تَكُنْ عَامَّةً ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُجَّاجَ كَانُوا وَمَا زَالُوا أَحْوَجَ إِلَى الْمَاءِ فِي الْحَرَمِ مِنَ الزَّادِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ حَاجٍّ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْمِلَ مِنَ الزَّادِ مَا يَكْفِيهِ مُدَّةَ سَفَرِهِ إِلَى الْحَرَمِ ، وَعَوْدَتِهِ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ ، وَلَا سِيَّمَا الْعَرَبِيُّ الْقَنُوعُ الْقَلِيلُ الْأَكْلِ ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْمِلَ مِنَ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ كُلَّ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا نِصْفَهَا ، وَلِذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ شُرُوطِ اسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ الزَّادُ لِإِمْكَانِهِ مَعَ كَفَالَةِ أُولِي الْأَمْرِ فِي الْحَرَمِ لِتَوْفِيرِ الْمَاءِ فِيهِ ، وَحُكُومَةُ السُّنَّةِ السُّعُودِيَّةِ فِي هَذَا الْعَهْدِ تَزْدَادُ عِنَايَتُهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ بِتَوْفِيرِ الْمَاءِ وَنَظَافَتِهِ لِمِئَاتِ الْأُلُوفِ مِنَ الْحُجَّاجِ ، وَأَمَّا سَقْيُهُمُ الْمَاءَ الْمُحَلَّى فَقَدْ بَطَلَ مُنْذُ قُرُونٍ كَثِيرَةٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَعَذَّرًا لِكَثْرَتِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ رِيعُ أَوْقَافِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَقْطَارِ الْإِسْلَامِيَّةِ يُضْبَطُ وَيُرْسَلُ إِلَى حُكُومَةِ
الْحِجَازِ لَأَمْكَنَهَا إِعَادَتُهُ ، وَوَضْعُ نِظَامٍ لِتَعْمِيمِهِ فِي
مَكَّةَ أَوْ
مِنًى .
هَذَا - وَإِنَّ فَضِيلَةَ الْبَيْتِ الْحَقِيقِيَّةَ الَّتِي بُنِيَ لِأَجْلِهَا هِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ فِيهِ بِمَا شَرَعَهُ كَمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى ، وَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ وَدَنَّسُوهُ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ فِيهِ ، ثُمَّ بِصَدِّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ لَهُ عَنْهُ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ( 48 : 25 ) ثُمَّ إِخْرَاجِهِمْ إِيَّاهُمْ مِنْ جِوَارِهِ ، لِإِيمَانِهِمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ تَعَالَى وَحْدَهُ دُونَ مَا أَشْرَكُوهُ مَعَهُ كَمَا قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ( 60 : 1 ) وَقَالَ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ( 22 : 40 ) فَأَيُّ مَزِيَّةٍ تَبْقَى مَعَ هَذِهِ الْجَرَائِمِ لِخِدْمَةِ حِجَارَتِهِ ، وَاحْتِكَارِ مِفْتَاحِهِ ، وَسِقَايَةِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ حُجَّاجِهِ ؟ وَأَيُّ ظُلْمٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا الظُّلْمِ فِي مَوْضُوعِهِ ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=19وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ إِلَى الْحَقِّ فِي أَعْمَالِهِمْ ، وَلَا إِلَى الْحُكْمِ الْعَدْلِ فِي أَعْمَالِ غَيْرِهِمْ ، أَيْ : لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِ فِي أَخْلَاقِ الْبَشَرِ وَأَعْمَالِهِمْ أَنْ يَكُونَ الظَّالِمُ مُهْدِيًا إِلَى مَا هُوَ ضِدُّ صِفَةِ الظُّلْمِ ، وَمُنَافٍ لَهَا وَهُوَ الْحَقُّ وَالْعَدْلُ ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ ضِدَّيْنِ بِمَعْنَى النَّقِيضَيْنِ ، وَالْقَوْمُ الظَّالِمُونَ أَشَدُّ إِسْرَافًا فِي الظُّلْمِ مِنَ الْأَفْرَادِ ، وَأَبْعَدُ عَنِ الْهُدَى بِغُرُورِهِمْ بِقُوَّتِهِمْ وَتَنَاصُرِهِمْ . وَمِنْ أَقْبَحِ هَذَا الظُّلْمِ تَفْضِيلُ خِدْمَةِ حِجَارَةِ الْبَيْتِ ، وَحِفْظِ مِفْتَاحِهِ ، وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ الْمُطَهِّرِ لِلْأَنْفُسِ مِنْ خُرَافَاتِ الشِّرْكِ وَأَوْهَامِهِ - وَالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الَّذِي يَزَعُهَا أَنْ تَبْغِيَ وَتَظْلِمَ ، وَيُحَبِّبَ إِلَيْهَا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ ، وَيُرَغِّبَهَا فِي الْخَيْرِ وَعَمَلِ الْبِرِّ ، ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا لِلْفَخْرِ وَالرِّيَاءِ - وَعَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ ، لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ ، وَتَرْقِيَةِ شُئُونِ الْبَشَرِ فِي مَدَارِجِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ .
[ ص: 198 ] وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْجِهَادَ يَشْمَلُ الْقِتَالَ وَالنَّفَقَةَ فِيهِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ مُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ ، وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ ، لِإِبْلَاغِهَا مَقَامَ الْكَمَالِ . وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَإِبْطَالِ تَبَجُّحِهِمْ وَفَخْرِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .